كيف يتعامل الأردن مع تحديات الطاقة في ظل تصاعد التوترات الإقليمية؟

في خضم تصاعد التوترات بين إسرائيل وإيران، وجد الأردن نفسه في مواجهة مباشرة مع أزمة طاقة غير مسبوقة، بعد توقف إمدادات الغاز الإسرائيلي بشكل كامل، في أعقاب اندلاع الحرب بين تل أبيب وطهران.
هذا التطور المفاجئ، الذي جاء عقب إعلان تل أبيب إغلاق حقل الغاز «ليفياثان» البحري العملاق نتيجة التصعيد العسكري.
وفرضت التطورات الأخيرة على الحكومة الأردنية تفعيل خطط طوارئ شاملة لضمان استدامة النظام الكهربائي، ومنع أي تقنين في التيار، في ظل ما وصفه مسؤولون بأنه «اختبار حقيقي لقدرة منظومة الطاقة على الصمود تحت الضغط».
بدائل عاجلة
تُعد اتفاقية الغاز بين الأردن وإسرائيل، الموقعة العام 2016، من أهم صفقات الطاقة في تاريخ المملكة، حيث نصت على تزويد الأردن بنحو 45 مليار قدم مكعب من الغاز لمدة 15 عاماً، بأسعار تفضيلية وفرت على الخزينة ما يقارب 300 مليون دولار مقارنة بالأسعار العالمية، وفقًا لما أعلنته شركة الكهرباء الوطنية.
لكن مع دخول الاتفاقية فعلياً في مرحلة تعليق قسري بسبب الحرب، سارعت عمّان إلى تنفيذ خطة طوارئ تضمنت الاعتماد على بدائل تشمل الغاز المصري، وميناء الغاز العائم في العقبة، إلى جانب التحول المؤقت لاستخدام الوقود الثقيل، والديزل في توليد الكهرباء.
المدير العام لشركة الكهرباء الوطنية، المهندس سفيان البطاينة، أكد في تصريحات في تصريحات لـ«إرم بزنس»، أن «مخزونات الوقود في محطات التوليد تكفي لمدة لا تقل عن 20 يوماً، وقابلة للزيادة في حال الطوارئ»، مضيفاً أن هناك «جاهزية كاملة» للتعامل مع أي مستجدات على المدى القريب أو البعيد. ولفت إلى أن بدائل مستدامة تم تفعيلها فور توقف الضخ من الجانب الإسرائيلي.
يعتمد الأردن بشكل رئيس على الغاز الطبيعي في إنتاج الكهرباء، وشكل الغاز الإسرائيلي المورد الأساس خلال السنوات الأخيرة، حيث سجل استهلاك المملكة من الغاز نحو 3.1 مليون طن نفط مكافئ في 2024، بزيادة قدرها 3.5% مقارنة بالعام السابق، وفق بيانات شركة الكهرباء.
وقد أسهم هذا الاعتماد في تراجع حصة الوقود الثقيل من مزيج التوليد بنسبة 98%، لتسجل 0.04 ألف طن فقط. كما بلغت المشتريات الكهربائية من الغاز 14,691 جيجاواط ساعة في 2024، مقابل 14,396 في 2023.
ورأى الخبير في شؤون الطاقة والنفط، هاشم عقل، في حديثه لـ«إرم بزنس»، أن توقف الإمدادات الإسرائيلية شكّل ضغطاً فورياً على منظومة الطاقة الأردنية، موضحًا أن الحكومة لجأت إلى استخدام الديزل والفيول الثقيل لتعويض الفجوة، وهي خيارات «مكلفة مالياً وبيئياً»، لكنها ضرورية في هذه المرحلة.
أشار عقل إلى أن التوجه نحو استخدام الغاز المسال المستورد عبر البواخر العائمة في العقبة «معقّد وكلفته مرتفعة»، رغم أن لدى الأردن مخزوناً استراتيجياً يغطي احتياجات شهرين تقريباً.
كما شدد على أن الأزمة أعادت التأكيد على ضرورة تسريع التحول إلى الطاقة المتجددة، التي تبلغ حصتها، حاليًا، 30%، في طريقها إلى 50% بحلول عام 2030.
ولفت إلى أن الاستثمار في مشاريع مثل حقل الريشة، الذي يُخطط لحفر 80 بئرًا جديدة فيه، يمثل أولوية وطنية لتحقيق استقلال أكبر في ملف الطاقة، إلى جانب تحسين بنية التخزين، ودعم مشاريع الزيت الصخري.
ورغم تأكيد الخبراء والمسؤولين أن النظام الكهربائي لا يواجه خطر الانهيار في الوقت الراهن، إلا أن الكلفة التشغيلية بدأت فعليًا بالارتفاع.
تشير تقديرات رسمية إلى أن تكلفة توليد الطاقة في الأردن عبر الغاز والوقود بلغت نحو 1.018 مليار دينار (1.44 مليار دولار) في العام 2024، مقابل 1.025 مليار في 2023.
وفي حين استطاعت الحكومة السيطرة على فاتورة التوليد نسبياً، إلا أن العودة إلى الوقود الثقيل ستضغط على الموازنة، خاصة في ظل الأعباء المتراكمة على شركة الكهرباء الوطنية، التي سجلت خسائر بقيمة 6.2 مليار دينار مع نهاية 2024.
تأثيرات متداخلة
تتجاوز آثار الأزمة قطاع الطاقة إلى قطاعات اقتصادية أخرى، أبرزها السياحة، التي شهدت في بداية عام 2025 انتعاشاً ملحوظاً، بنمو بلغ أكثر من 16% مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي. غير أن حالة عدم اليقين الجيوسياسي تهدد هذه المكاسب.
أشار الخبير الاقتصادي حسام عايش لـ«إرم بزنس» إلى أن وقف بعض الرحلات الجوية، لا سيما مع شركات الطيران منخفض الكلفة، قد يؤدي إلى انخفاض كبير في أعداد الزوار.
وقال إن «السياحة لا تتأثر فقط بالحرب أثناء وقوعها، بل يمتد أثرها إلى ما بعدها، بفعل تراجع الثقة في المنطقة»، موضحاً أن على الحكومة تفعيل برامج لدعم السياحة الداخلية، مشيراً إلى أن الأردنيين ينفقون أكثر من 840 مليون دينار سنوياً على السياحة الخارجية، وهو رقم يمكن توجيهه إلى السوق المحلي عبر حملات تحفيزية مدروسة.
أما القطاع الصناعي، فيواجه تحديات مزدوجة تتمثل في ارتفاع تكاليف الطاقة واضطرابات محتملة في سلاسل التوريد.
وقال موسى الساكت، عضو غرفة صناعة عمّان ورئيس حملة «صنع في الأردن»، في تصريحات لـ«إرم بزنس»، إن أكثر من 60% من مستوردات مدخلات الإنتاج الأردنية تأتي من الشرق عبر موانئ الخليج، ما يجعل القطاع الصناعي عرضة لهزات كبيرة إذا امتد التوتر إلى طرق النقل البحرية أو ارتفعت كلفة التأمين والشحن.
أشار إلى أن الأثر لن يكون فورياً، بل سيتراكم تدريجياً في الأشهر المقبلة، خاصة في الصناعات التي تعتمد على استيراد دوري للمواد الخام.
في السياق نفسه، حذّر نقيب المقاولين الأردنيين، فؤاد الدويري، من أن الحرب الإسرائيلية الإيرانية تسببت فعليًا في تجميد مشاريع إقليمية كان من المخطط أن تنطلق قريباً، لا سيما مشاريع إعادة الإعمار في سوريا، والتي كانت الشركات الأردنية تستعد للانخراط فيها من خلال مؤتمر دولي كان مقررًا عقده في عمّان خلال أيلول المقبل، وقد يتم تأجيله إلى أجل غير مسمّى. واعتبر أن أي تباطؤ في هذا القطاع سينعكس مباشرة على فرص العمل وحركة الاستثمار في قطاعات المقاولات والتوريد والعمالة.
في المحصلة، تكشف الأزمة الحالية أن هشاشة بعض مفاصل الاقتصاد الأردني، خاصة في ملف الطاقة، لا تحتمل المزيد من التأجيل في الإصلاح. وإذا كانت الحكومة قد نجحت في احتواء الصدمة الأولى، فإن المرحلة المقبلة تتطلب خطة اقتصادية مرنة واستباقية، تركّز على تنويع مصادر الطاقة، وتحفيز السياحة الداخلية، ودعم الصناعة، وتعزيز قدرات التخزين والتوليد الذاتي.
في ظل اتساع رقعة التوترات الإقليمية، بات من الضروري ترجمة التحديات إلى فرص، عبر إعادة صياغة عقود الطاقة، وتسريع المشاريع الإستراتيجية، وتحفيز المستثمرين المحليين، لتأسيس اقتصاد أكثر مرونة وأقل تبعية للمتغيرات الجيوسياسية.