بعد توقف إمدادات الغاز الإسرائيلي.. هل ستفي مصر بالتزاماتها بتوفير الكهرباء دون انقطاع؟

في أول تداعيات التصعيد العسكري بين تل أبيب وطهران، تعرضت إمدادات الغاز القادمة للقاهرة من إسرائيل للتوقف، تلاه تحركات حكومية مصرية بإعلان خطة طوارئ مؤقتة، وتأكيدات تتواصل بعدم تخفيف أحمال الكهرباء في أشهر الصيف التي تكررت العامين الماضيين.
في تصريحات لـ«إرم بزنس»، أكد متحدث وزارة الكهرباء المصرية منصور عبد الغني، أن خطط التشغيل تسير بشكل طبيعي مع تأكيدات حكومية متواصلة بعدم تخفيف الأحمال في أشهر الصيف.
بينما يرى وزير مصري سابق واستشاري طاقة، في تصريحين منفصلين لـ«إرم بزنس»، أن استمرار توقف إمدادات الغاز من إسرائيل لمصر لفترة أطول قد يحمل تكلفة اقتصادية أكبر ومخاطر بخصوص الوفاء بتعهد عدم انقطاع الكهرباء، مشيرين إلى أنه إذا تم احتواء التصعيد العسكري مبكراً فيمكن أن تسير الأمور وفق الخطط الحكومية دون تخفيف أحمال.
واضطرت مصر إلى الاعتماد بشكل متزايد على واردات الغاز الإسرائيلي منذ أن بدأ إنتاجها في الانخفاض، قبل أن يتوقف أكبر حقول الغاز الإسرائيلية عقب الهجوم على إيران، فيما تشير بيانات مبادرة بيانات المنظمات المشتركة (جودي) إلى أن الغاز الإسرائيلي يمثل ما بين 40 و60% من إجمالي إمدادات مصر المستوردة، ونحو 15 إلى 20% من استهلاكها، بحسب «رويترز» الجمعة.
وبدأت مصر استيراد الغاز من إسرائيل للمرة الأولى مطلع عام 2020، بموجب واحدة من كبرى الصفقات التي وقعها البلدان لاستيراد 85 مليار متر مكعب من الغاز على مدى 15 عاماً بنحو 19.5 مليار دولار.
وقالت وزارة البترول المصرية عقب ساعات من اندلاع الهجوم الإسرائيلي على إيران الجمعة، إنه «نظراً للأعمال العسكرية التي نشبت بالمنطقة وتوقف إمدادات الغاز من الشرق، قامت الوزارة بتفعيل خطة الطوارئ المعدة مسبقاً الخاصة بأولويات الإمداد بالغاز الطبيعي».
وتستند تلك الخطة إلى «إيقاف إمدادات الغاز الطبيعي لبعض الأنشطة الصناعية، مع رفع استهلاك محطات الكهرباء للمازوت إلى أقصى كمية متاحة والتنسيق لتشغيل بعض المحطات بالسولار، وذلك في إجراء احترازي حفاظاً على استقرار شبكة الغاز الطبيعي وعدم اللجوء لتخفيف أحمال شبكة الكهرباء، ترقباً لإعادة ضخ الغاز الطبيعي من الشرق مرة أخرى»، وفق الوزارة.
بدوره، أكد متحدث وزارة الكهرباء المصرية، منصور عبد الغني، في حديث لـ«إرم بزنس»، أن هناك خطة تشغيل بالوزارة تسير بشكل طبيعي وتحافظ على مستهدفاتها، مشيراً إلى أن اجتماعات حكومية عديدة ومتوالية الساعات أكدت أنه لا تخفيف أحمال سيحدث وبالتالي العمل مستمر في هذا الإطار.
كما شدد على أن الوزارة رفعت درجة الاستعداد وخططها تسير بكفاءة وانتظام، وتعظم بشكل مستمر من مواردها من الطاقة المتجددة.
وبالفعل عقد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، اجتماعاً الجمعة بهدف «الاطمئنان على خطة تأمين الاحتياجات خاصة قطاع الكهرباء، لا سيما مع حلول فصل الصيف الذي تزداد فيه الحاجة إلى كميات أكبر من الوقود مع ارتفاع درجات الحرارة، وفي ظل الأحداث الأخيرة بالمنطقة، بعد العملية العسكرية الإسرائيلية في إيران».
وتستهدف الحكومة المصرية بحسب مدبولي «أن يكون لديها 3 سفن للتغييز (تحويل الحالة السائلة إلى الغازية) اعتباراً من مطلع يوليو (تموز) المقبل، لتكون طاقاتها الاستيعابية 2250 قدماً مكعباً يومياً، بينما كانت هذه الطاقات العام الماضي نحو 1000 قدم مكعب فقط، كما نعمل كذلك على وجود سفينة تغييز رابعة احتياطياً»، مضيفاً أن «هناك تعاقدات على شحنات غاز واحتياطي ومخزون من المازوت، ونعمل على تأمين مختلف الاحتياجات من المواد البترولية المختلفة».
ووقعت مصر اتفاقيات عدة مع شركات طاقة وتجارة هذا الأسبوع لشراء ما لا يقل عن 150 شحنة من الغاز الطبيعي المسال في أكبر عملية استيراد تقوم بها على الإطلاق والتي ستكلفها أكثر من ثمانية مليارات دولار بالأسعار الحالي، لتغطية عامي 2025 و2026، وفق «رويترز».
وجدد مدبولي في مؤتمر صحفي السبت من محافظة البحيرة شمال مصر، «التأكيد على تعهد الحكومة بأنها لن تلجأ لتخفيف الأحمال، وأن عمل سفن الثلاثة لن يجعل القطاع معرض لأي مشكلة إذا حدث أي انقطاع للشبكات الأخرى المربوطة مع الدول الأخرى المحيطة»، داعياً المواطنين إلى «ترشيد الاستهلاك حتى يتم تجنيب حدوث أزمة انقطاع للتيار هذا العام، خاصة أن معظم القراءات تشير إلى أن الصراع الدائر حالياً من المتوقع أن يستمر لفترة أطول، وليس من المتوقع أن ينتهي خلال بضعة أيام».
وتعتمد مصر على مصادر متنوعة لإنتاج الكهرباء، إذ يبلغ إجمالي القدرة المركبة لمحطات توليد الكهرباء 59.7 ألف ميغاواط، وفق بيانات رسمية، حيث إن إجمالي توليد الكهرباء من الوقود الأحفوري يبلغ نحو 53.3 ألف ميغاواط، في حين تزيد الحصة المتبقية على 6.3 ألف ميغاواط على مصادر الطاقة المتجددة، ويشكّل الغاز الطبيعي الحصة الكبرى من توليد الكهرباء وتستهدف الحكومة تخفيض استهلاكه بنسبة 25%.
تكلفة كبيرة
في تصريح لـ«إرم بزنس»، يرى وزير البترول الأسبق، الدكتور أسامة كمال، أن إعلان توقف إمدادات الغاز الإسرائيلي إلى مصر «يحمل تأثيرات اقتصادية ذات تكلفة أغلى، إذ كانت تستورد مصر من الشرق نحو مليار قدم مكعب غاز يومياً، بسعر 7.5 دولار على مليون وحدة حرارية، وبعد التوقف ستستبدله بمازوت أو سولار أو غاز مستورد، وفي ظل الظروف الحالية بالمنطقة سنجد السعر تضاعف إلى 15 دولاراً».
وبشأن تأثيرات توقف إمدادات الغاز الإسرائيلي على تخفيف أحمال الكهرباء بمصر، أضاف كمال أن «المعلن حتى الآن أنه لن يمس ولن يكون هناك أي تأثير على شبكة الكهرباء، وأن الأمر مرتبط بأنشطة صناعية فقط»، متخوفاً من أن استمرار الحرب بين إسرائيل وإيران في ضوء الوضع الحالي هو ما يحمل مخاطر على الشبكة مستقبلاً، ولا أحد يستطيع أن يجزم متى تنتهي تلك الحرب.
ووفق وزير البترول الأسبق، فإن البدائل سواء بالاعتماد على المازوت والسولار والغاز المسال المستورد من الخارج مع ما هو متاح من الإنتاج المحلي من الغاز تأتي في ظل وضع معقد ومركب وتحمل مخاوف مستقبلية، ونأمل ألا تحدث ويكون هناك استقرار بشبكة الكهرباء وكذلك في إمدادات الغاز، رغم الصعوبات في الاستيراد في ظل تطورات المنطقة».
فيما تشير مبادرة بيانات المنظمات المشتركة (جودي) إلى أن إنتاج مصر من الغاز الطبيعي انخفض من 4.6 مليار متر مكعب في يناير 2024 إلى 3.3 مليار في فبراير 2025، وهو أدنى مستوى منذ أبريل 2016، بحسب «رويترز».
وعلى مسافة ليست بعيدة، قال استشاري الطاقة وعضو المجلس العربي للطاقة المستدامة، الدكتور محمد سليم سالمان، في تصريحات خاصة لـ«إرم بزنس»، إن إعلان توقف الإمدادات من الغاز الإسرائيلي إلى مصر يشكل تحدياً إضافياً أمام أمن الطاقة في البلاد، ما يستدعي تسريع إجراءات ترشيد الاستهلاك وتعظيم الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، وفي مقدمتها الطاقة الشمسية، لتفادي الدخول في برامج أوسع لتخفيف الأحمال الكهربائية، خاصة في فصل الصيف.
ويرتفع استهلاك مصر من الكهرباء في الصيف نحو 25% ليتراوح بين 38 و40 غيغاواط/ ساعة يومياً، مقابل 32 غيغاواط/ ساعة تمثل إجمالي الأحمال الكهربائية في فصل الشتاء، بحسب تقديرات حكومية نهاية 2024.
وتغطي واردات الغاز من إسرائيل حوالي 15% من احتياجات مصر من الغاز الطبيعي، وفق سالمان، وهي نسبة مؤثرة في مزيج الطاقة الوطني، لافتاً إلى أن الدولة المصرية، ممثلة في وزارة البترول، تحركت بشكل سريع وقامت بشراء كميات من الغاز الطبيعي المسال من السوق العالمي بنحو 150 شحنة، بتكلفة إجمالية تقدر بحوالي 8 مليارات دولار، وذلك بهدف سد الفجوة وضمان استمرارية الإمدادات.
غير أن عملية التغويز وإعادة تحويل هذه الكميات من الحالة السائلة إلى الحالة الغازية تواجه تحديات فنية وجغرافية نتيجة لمواقع وحدات التغويز في كل من البحرين الأبيض المتوسط والأحمر، ما يفرض ضغوطاً إضافية على منظومة التشغيل، بحسب سالمان.
كما يضاعف استمرار التصعيد في الأوضاع الإقليمية، خاصةً بين إسرائيل وإيران، من مخاطر الإمدادات في المنطقة، وهو ما يبرز أهمية الإسراع في تنفيذ مشروعات الطاقة المتجددة، ورفع كفاءة الاستخدام المحلي للطاقة بما يحقق قدراً أعلى من الاستدامة والأمان الطاقي.
وتعمل الحكومة المصرية على التوسع في إقامة محطات الطاقة الشمسية لإنتاج الكهرباء، وافتتحت في ديسمبر 2024، محطة «أبيدوس 1» للطاقة الشمسية في محافظة أسوان (جنوب مصر) بقدرة 500 ميغاواط.
تستهدف الحكومة زيادة إنتاج الطاقة المتجددة بنحو 42% بحلول عام 2035، بالإضافة إلى تعظيم إجراءات كفاءة الطاقة بهدف ترشيد الاستهلاك في القطاعات كافة بنسبة 18% حسب تصريحات أوردتها وسائل إعلام محلية للرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة حسام هيبة.
فيما تُقدّر الحكومة المصرية زيادة بنحو 25% في تكلفة دعم الكهرباء ضمن موازنة العام المالي 2024-2025، لتصل إلى نحو 2.5 مليار جنيه (49.1 مليون دولار)، وفقاً لبيانات وزارة المالية.
ووسط الضغوط الاقتصادية، يدعو صندوق النقد الدولي، إلى ضرورة استعادة أسعار الطاقة إلى مستويات استرداد التكاليف بحلول ديسمبر 2025، بما في ذلك أسعار الكهرباء.
وفي أغسطس الماضي، أعلنت الحكومة المصرية عن زيادة كبيرة في أسعار الكهرباء، حيث تراوحت بين 14% و40% للمنازل التي تستخدم العدادات مسبقة الدفع، وبنسبة للقطاع التجاري تتراوح بين 23.5% و46%، والقطاع الصناعي بنسبة تراوحت بين 21% و31%.