الجيل الخامس: مصر تبدأ حقبة الاتصالات عالية السرعة

بعد سنوات من الترقب والتجارب الأولية، تدخل مصر رسمياً عصر الجيل الخامس من شبكات المحمول، في خطوة يُتوقع أن تُحدث تحولاً جذرياً في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، وتفتح آفاقاً جديدة في الاقتصاد الرقمي، والصناعة، والتعليم، والرعاية الصحية.
وتطلق شركات الهاتف المحمول الأربع العاملة في السوق المحلي وهي «فودافون مصر» و«أورنج مصر» و«إي آند مصر» و«المصرية للاتصالات» خدمات الجيل الخامس، اليوم الأربعاء، بعدما حصلت على التراخيص من الجهاز القومي لتنظيم الاتصالات في العام الماضي مقابل 150 مليون دولار لكلّ منها.
الترويج للخدمات الجديدة
وبدأت الشركات الأربع الترويج لخدماتها الجديدة عبر إرسال رسائل نصية لمستخدميها لإعلامهم ببدء تشغيل خدمة الجيل الخامس، متضمنة رابطاً يوضح خطوات تفعيل الخدمة على الهواتف المتوافقة.
ويتوقع خبراء اتصالات وتكنولوجيا معلومات تحدثوا مع «إرم بزنس» في أحاديث منفصلة، أن توفر تكنولوجيا الجيل الخامس سرعات إنترنت أعلى وزمن استجابة أقل؛ ما يسهم في تحسين تجربة المستخدم بشكل كبير، بالإضافة إلى دعم التطبيقات الحديثة.
وفي حديثه مع «إرم بزنس» يرى إيهاب سعيد رئيس شعبة الاتصالات بغرفة القاهرة التجارية، أن هذا التطور يأتي في إطار استراتيجية الدولة لتعزيز التحول الرقمي، ورفع كفاءة البنية التحتية للاتصالات، بما يدعم النمو في مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية.
ويشير إلى أن الأشهر الماضية شهدت اختبارات ميدانية واسعة في بضع مناطق من العاصمة الإدارية والقاهرة الكبرى والإسكندرية، تمهيداً لتقديم الخدمة في مناطق محددة كمرحلة أولى.
ثورة تقنية تتجاوز السرعة
ووفق سعيد لا تقتصر أهمية الجيل الخامس على زيادة سرعة الإنترنت فحسب، بل يتجاوز ذلك ليشكل قاعدة تكنولوجية متقدمة تتيح تقنيات مثل الذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء، والسيارات ذاتية القيادة، وتطبيقات الواقع المعزز والافتراضي.
وتتميز شبكات الجيل الخامس بتوفير سرعات فائقة لنقل البيانات تصل إلى 20 غيغابت في الثانية، وهو ما يفوق سرعة الجيل الرابع بأكثر من عشرين ضعفاً.
كما تتيح زمن استجابة لا يتجاوز أجزاء من الثانية؛ ما يفتح الباب أمام استخدامات جديدة في الصناعات الرقمية والقطاع الصحي والتعليمي والخدمات المالية.
فرص اقتصادية واستثمارية
من جانبه، يشير أستاذ الاتصالات بجامعة الزقازيق إبراهيم لطفي في حديثه مع «إرم بزنس»، إلى أن تدشين الجيل الخامس يمثل فرصة اقتصادية مهمة للدولة ولشركات الاتصالات على حد سواء، إذ يُتوقع أن يُسهم في جذب استثمارات أجنبية في مجالات التكنولوجيا والبنية الرقمية.
وبحسب مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري فإن مصر ضمن أعلى 5 دول استثماراً في التكنولوجيا في إفريقيا خلال عام 2024، ووصل حجم الصفقات المصرية إلى 297 مليون دولار بعدد صفقات بلغ 89 صفقة.
وباعتقاد أستاذ الاتصالات، فإن هذا التوجه يدعم خطة الحكومة المصرية للتحول الرقمي الكامل، خاصة في العاصمة الإدارية الجديدة التي تمثل نموذجاً للمدن الذكية، بالإضافة إلى المحافظات الكبرى.
وتُقدّر بعض الدراسات أن تعميم الجيل الخامس يمكن أن يضيف نحو 1.3% إلى الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية بحلول عام 2030، من خلال تعزيز الإنتاجية، وتحفيز الابتكار، وتوفير آلاف الوظائف في القطاعات الرقمية.
استثمارات في البنية التحتية
ومنذ عام 2019، استثمرت الشركات المشغلة للهاتف المحمول فى مصر 2.7 مليار دولار للحصول على الترددات والتراخيص؛ وفق بيان صدر عن وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات في الـ19 من مايو الماضي.
وتضمنت هذه الاستثمارات توسعة نطاقات التردد، وزيادة انتشار شبكات الألياف الضوئية، وتحسين جودة الخدمة، بما يجعل مصر أكثر استعداداً لاحتضان الجيل الخامس مقارنة بالعديد من الأسواق الإقليمية.
ووفق البيان ذاته، بلغ عدد الأسر المتصلة بالإنترنت الثابت فى مصر أكثر من 12.7 مليون أسرة، وارتفع متوسط سرعة الإنترنت الثابت 13 ضعفاً.
فيما بلغ عدد الاشتراكات فى خدمات الهاتف المحمول نحو 120 مليون مشترك فى عام 2024، مع نمو استخدام الإنترنت عبر الهاتف المحمول بأكثر من 10% خلال عام واحد.
دعم الاقتصاد الرقمي
بدوره، يؤكد رئيس المنتدى المصري للدراسات الاقتصادية رشاد عبده، أن إطلاق شبكات الجيل الخامس رسمياً في مصر سوف يدعم الاقتصاد الرقمي للدولة الذي تجاوز 276 مليار جنيه وفقاً لِما أعلنه رئيس الوزراء المصري مصطفى مدبولي في تصريحات سابقة.
ويوضح عبده في حديثه مع «إرم بزنس» أن السرعات العالية وزمن الاستجابة المنخفض الذي توفره شبكات الجيل الخامس سيسهمان في تحسين كفاءة المعاملات المالية الرقمية، مثل: الدفع الإلكتروني، والمحافظ الذكية، والخدمات المصرفية عبر الهاتف المحمول.
وتظهر بيانات البنك المركزي المصري قفزة كبيرة في حجم المعاملات الإلكترونية، التي تجاوزت 22 تريليون جنيه بنهاية عام 2024، بزيادة تفوق 200% مقارنة بعام 2021 الذي بلغ فيه إجمالي المعاملات 7 تريليونات جنيه.
كما ارتفع عدد العمليات المنفذة إلى 6 مليارات حركة، مقارنة بمليار حركة فقط في 2021؛ ما يعكس نمواً بنسبة 500% في حجم النشاط الإلكتروني خلال ثلاث سنوات فقط.
كذلك ارتفعت معاملات التجارة الإلكترونية إلى أكثر من 260 مليون عملية بقيمة إجمالية بلغت 180 مليار جنيه بنهاية 2024، مقارنة بنحو 29 مليار جنيه فقط في عام 2021، أي بزيادة تجاوزت 500% في قيمة المعاملات خلال هذه الفترة.