استثمار في قطاع النقل: طموحات تونسية تواجه تحديات البنية التحتية المتدهورة

استثمار في قطاع النقل: طموحات تونسية تواجه تحديات البنية التحتية المتدهورة

رغم إدراك تونس لأهمية قطاع النقل كرافعة للنمو الاقتصادي، فإن الواقع يكشف عن تفاوت صارخ في جودة البنية التحتية بين المناطق الساحلية والداخلية، ما يعمّق الفجوات التنموية، ويقيّد حركة الأفراد والبضائع.

ورغم شروع السلطات في تنفيذ مشاريع ضخمة بدعم من مؤسسات مالية دولية، فإن التحديات لا تزال قائمة: من سوء حالة الطرق، إلى محدودية الأثر الاقتصادي لمشاريع الربط الحالية. فهل تنجح تونس في تحويل استثمارات النقل إلى محرك فعلي للنمو العادل؟ أم تبقى الطرق غير الممهدة رمزاً لتنمية غير مكتملة؟.

الطرق السريعة

ووفق تصريحات متلفزة للخبير في مجال النقل يوسف بن رمضان فإن الطريق الساحلي الرئيسي، الذي يمتد من بنزرت مروراً بتونس وصفاقس والحدود الليبية في الجنوب يمثل وحده 80% من شبكة الطرق السريعة في تونس، مما يتيح الحركة السريعة للبضائع والأفراد بين مدنها الأكثر تطوراً.

وفي الوقت نفسه يرى رمضان، أن الطرق في المناطق الداخلية غير متطورة، وتشهد ازدحاماً متكرراً، وبالنسبة لطرقها السريعة فهي ذات حارة واحدة.

وتواجه تلك الطرق صعوبة في استيعاب نقل المواد الزراعية والمواد الخام، ولا تؤدي محدودية الربط إلى عزل مؤسسات الأعمال والمجتمعات الريفية فحسب، بل تقيد أيضاً من إمكانية الحصول على الوظائف والتعليم والخدمات الأساسية، مما يعزز حلقة التفاوتات الاقتصادية، بحسب بن رمضان.

الممرات الاقتصادية

وفي محاولة لمواجهة هذه التحديات، أطلقت تونس عدة مشاريع بالشراكة مع مؤسسات مالية دولية، أبرزها مشروع ممرات النقل البري الذي أدى إلى بناء وإعادة تأهيل أكثر من 220 كيلومتراً من الطرق، وأسهم في خلق ما يزيد على 80,000 شهر عمل، واستفاد منه مباشرة أكثر من 373 ألف شخص، نصفهم تقريباً من النساء.

ويوضح طارق بوعزيزي المدير العام للنقل البري، في حديث مع «إرم بزنس»، أن مشروع الممرات الاقتصادية في تونس مبادرة يمولها البنك الدولي بقيمة 278 مليون دولار، وتقوم على الدروس المستفادة من مشروع ممرات النقل البري.

ويضيف بوعزيزي أن تحسين الطرق فقط لا يضمن التحول الاقتصادي، فعلى الرغم من تحسن خدمات الربط، فإن المنافع النقدية الناتجة عن توفير وقت السفر لصادرات تونس الرئيسية – مثل زيت الزيتون والتمور – بلغت أقل من 1% من إجمالي قيمة صادراتها.

تحديات النقل

وطبقا لتقرير صدر حديثاً عن البنك الدولي، تخسر تونس نحو 4.5% من إجمالي الناتج المحلي بسبب الإصابات الناجمة عن حوادث الطرق، مع وقوع عدد كبير من حالات الوفاة خارج المدن.

ويرجع ذلك إلى نقص خدمات الصيانة وضعف الاستثمار، ما يؤدي إلى سوء حالة الطرق وارتفاع تكاليف النقل، وعدم توافر إمكانية الوصول إلى الطرق الصالحة للسير في جميع أحوال الطقس، الأمر الذي يعوق الخدمات الأساسية والفرص الاقتصادية.

وبحسب تقرير البنك الدولي، تُعتبر حالة الطرق في تونس دون المستوى المطلوب، وتعاني ضغوطاً شديدة، حيث إن 50% منها فقط يتلقى أقل قدر من خدمات الصيانة.

وطبقاً للتقرير، تؤدي التفاوتات في البنية التحتية للطرق بين المناطق الساحلية والمناطق التي لم تنل حظها من التنمية والتطوير إلى أوجه عدم المساواة الاقتصادية، حيث تعاني المناطق الفقيرة غيابَ الأمن والسلامة على طرقها، فضلاً عن تدني مستوى كفاءتها.

الطرق والفقر

ويظهر تقرير البنك الدولي أن المناطق الساحلية تتمتع بمعدلات فقر منخفضة نسبياً – تبلغ 3.5% في تونس، و4.3% في بن عروس، و5.4% في أريانة، بينما يبلغ معدل الفقر القطري 16.6%. كما توفر فرص عمل بدرجة أكبر، وكذلك إمكانية الوصول إلى الأسواق، والخدمات العامة. وعلى النقيض من ذلك، فإن الولايات الداخلية، لا سيما في الشمال الغربي والوسط الغربي، لا تزال تعاني من محدودية الفرص الاقتصادية.

ويشير التقرير إلى أن معدلات الفقر في بعض الجهات؛ مثل القيروان (34.9 %) والكاف (34.2 %) والقصرين (32.8 %) تعكس استمرار التحديات المتعلقة بتطوير البنية التحتية والاستثمار والتكامل الاقتصادي.

ومن أجل التغلب على هذا التباين، يشير بوعزيزي إلى أن تونس تعمل على تقوية الروابط بين مختلف المناطق وتحسين فرص النمو، وذلك بهدف تحقيق تنمية أكثر توازناً في جميع أنحاء البلاد، وهو ما يمكن أن تساهم فيه الاستثمارات في البنية التحتية للطرق.

مبادرات أوروبية

وفي إطار الدعم الدولي والأوروبي لتطوير الطرق التونسية، يرى الخبير الاقتصادي آرام بلحاج في تصريح لـ«إرم بزنس» أن مشاريع تطوير الطرق تهدف إلى أن تتحول تونس إلى مركز للشحن العابر، وتحقيق منافع أكبر تتراوح بين 11 – 14% من إجمالي الناتج المحلي.

ويوضح أنه توجد العديد من المبادرات الأوروبية التي تهدف للنهوض بالبنية التحتية وشبكة الطرق في البلاد مثل مبادرة TRANSTRAC التي أطلقها بنك الاستثمار الأوروبي، والتي تركز على إعداد تقييمات وخطط العمل اللازمة لتحقيق السلامة على الطرق، وإجراء دراسات جدوى حول ممرات الطرق الشاملة، ومبادرة LOGISMED التي تهدف إلى تعزيز البنية التحتية اللوجستية والنقل في منطقة البحر المتوسط ومنها تونس.

ويؤكد بلحاج أن مشروعات تطوير الطرق في تونس تطرح فرصاً متزايدة لتحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة التي تحقق المنفعة للاقتصاد التونسي وتخرجه من دائرة النمو غير المتكافئ في المدن التونسية عبر تطوير الطرق والموانئ تحديث قطاع النقل.

توقعات اقتصادية

ويتوقع تقرير للبنك الدولي بعنوان «أكثر من مجرد طرق» اطلعت عليه «إرم بزنس» أن يسجل الاقتصاد التونسي نمواً نسبته 1.9% في 2025 مدفوعاً بتحسن في القطاع الزراعي والسياحي، رغم استمرار الضغوط على قطاعي الصناعة والتمويل الخارجي.

في حين تظهر بيانات البنك المركزي التونسي أن التضخم بدأ في التراجع تدريجيًا إلى 5.6%، مما أتاح له تخفيض سعر الفائدة إلى 7.5%. ومع تقلص العجز في الحساب الجاري إلى 1.7% من الناتج المحلي الإجمالي وتحسن إيرادات السياحة، تظل تحديات التجارة الخارجية والعجز التجاري ماثلة، خاصة مع تزايد واردات الطاقة.