الإبل في مصر: هل تسهم في تنظيم الثروة الحيوانية؟

الإبل في مصر: هل تسهم في تنظيم الثروة الحيوانية؟

في ظل الضغوط المتزايدة على قطاع الثروة الحيوانية بمصر، وارتفاع أسعار الأعلاف وتكاليف التربية، بدأت الأنظار تتجه نحو الإبل كمورد بديل ومستدام يمكن أن يلعب دوراً حيوياً في تحقيق الأمن الغذائي.

ويبرز هذا التوجّه بشكل خاص بالتزامن مع عيد الأضحى، حيث تتوافد أعداد كبيرة من الجمال إلى شوادر بيع اللحوم والأسواق الشعبية، لا سيما في سوق برقاش الشهير غرب القاهرة، الذي يعد مركزاً رئيسياً لتجارة الإبل.

وبحسب مختصين بمصر تحدثوا لـ«إرم بزنس»، فإن إمكانية استخدام الإبل كبديل استراتيجي يعزز منظومة الإنتاج الحيواني «غير مستبعد» لكن شريطة أن يكون سنداً وليس قائماً بذاته لأن هناك مسارات للدولة وحلولاً أخرى ربما تدعم الثروة الحيوانية أسرع.

ويرون أن الأمر عرض وطلب والإقبال المعتاد في مصر يكون على المواشي والأغنام بصورة أكبر، لكن الاهتمام بدعم إنتاج الأعلاف محليا وتحسين السلالات وغيرها سيدعم خطط الدولة الإيجابية في تنمية الثروة الحيوانية، غير أن تاجر جمال بسوق برقاش غربي العاصمة القاهرة، يرى في تصريحات لـ«إرم بزنس»، أهمية في الاعتماد على الجمال لضبط ميزان الثروة الحيوانية وخفض أسعار  اللحوم الأخرى، حيث سعرها أقل ولحمها مميزة وعليها إقبال في القاهرة ومحافظات لكن بحاجة لدعم استيرادها بصورة أكبر.

وتفيد بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء المصري، بانخفاض أعداد رؤوس الماشية والحيوانات في مصر من 19.9 مليون رأس في عام 2010 إلى 8.1 مليون رأس في 2021، وكان عام 2004 مفصليا في ذلك مع فترة انتشار الحمى القلاعية.

فيما أعلنت وزارة الزراعة المصرية في يونيو 2024، أن عدد رؤوس الثروة الحيوانية في مصر بلغ 7.5 مليون رأس خلال 2023 من دون الدواب، وسط استراتيجية حكومية قيد التنفيذ لتنمية تلك الثروة وليست هناك بيانات حديثة بشأنها في 2025.

تغيير ثقافة المستهلك

خالد زغلول، أحد تجار سوق برقاش لبيع الإبل، والذي يعد الأقدم بمصر والأكبر بالشرق الأوسط قال لـ«إرم بزنس»، إن «الجمال من الممكن أن تكون بديلة للأبقار والجاموس طوال العام وليس في عيد الأضحى والمناسبات الدينية»، لافتاً إلى أن الإبل «عليها إقبال في العاصمة القاهرة ومحافظات بمصر، فهناك أناس تحب لحمها وتعد منها كفتة وتأكل كبدتها الشهيرة ذات المذاق المميز».

وأكد زغلول أنه «لو اعتمدنا على الجمال ممكن نعطي فرصة أكبر لتنمية باقي الثروة الحيوانية خاصة وسعر أضحيته ولحومه أقل من باقي المواشي»، موضحاً أن سعر اللحم الجملي يسجل 350 جنيها (7 دولارات) وهو أقل 100 جنيه (2 دولار) من البقري ولحمه ممتاز فوق ما تتخيل، ولولا وجوده بالأسواق لوجدنا اللحوم الأخرى تتضاعف إلى 800 جنيه (16 دولارا)».

ويبدأ سعر الجمال الذي يباع ليس بالوزن ولكن كوحدة واحدة نظراً لعوامل الحجم والسن من 30 أو 40 ألف جنيه إلى 90 و130 ألفاً، ويمكن مشاركته كأضحية من 7 أشخاص وفق زغلول، بينما يتراوح متوسط سعر الأضحية (الخروف) الذي يفترض على شخص واحد بين 10 آلاف إلى 15 ألف جنيه، ومتوسط سعر الأضحية (عجل) بين 70 ألفاً و100 ألف جنيه، وفق تقديرات مبدئية بالأسواق خاضعة للارتفاع والانخفاض.

ويرى تاجر الجمال خالد زغلول، أنه لو عاد استيراد الجمال بكثرة من السودان وتجاوزنا الأرقام الحالية التي تكون بين 700 و1200 و1300 جمل من جانب التجار، فإن هذا مفيد للثروة الحيوانية وتفك أزمتها وتفك أزمة الفقراء الذي قد يستطعيون الحصول على لحم جملي ممتاز بسعر 200 جنيه بدلاً من 350 جنيها، وقد يجعل أسعار العجول والأبقار ولحومها تتراجع.

ويرجع قلة الاستيراد للجمال من السودان لظروف الحرب لديها، داعيا لتسليط الضوء على أهمية دعم استيراد الإبل وتسهيل أمر دخولها للبلاد ونشر ثقافة أكل لحومها وعدم اقتصارها على مواسم بعينها لضبط ميزان الثروة الحيوانية لأن مصلحة البلاد في ذلك بالحاضر والمستقبل.

وبالفعل لدى وزارة الزراعة اهتمام بجعل الجمال جزءاً أساسياً في تغطية احتياجات عيد الأضحى، وقالت وزارة الزراعة المصرية، في 27 مايو الماضي في بيان إنه «تم خلال الفترة الأخيرة استيراد 149 ألفا و380 طنا من اللحوم المجمدة لطرحها في الأسواق بأسعار مخفضة، و158 ألفا و35 رأساً من العجول الحية، إضافة إلى 46 ألفا و613 رأسًا من الجمال، و16 ألفا و579 رأساً من الأغنام».

وبحسب الوزارة، هذا سيطرح «بغرض الذبح الفوري والطرح للمواطنين في الأسواق والمنافذ بأسعار مخفضة، للمساهمة في رفع العبء عن كاهل المواطنين، خاصة فترة عيد الأضحى»، لافتة إلى توفيرها أكثر من 12 ألف رأس من الأضاحي البلدية الحية (الأبقار، الجاموس، الأغنام، الماعز) بأسعار مخفّضة من خلال المزارع المنتشرة بالبلاد.

مهمة ولكن

بالمقابل، هيثم عبد الباسط، رئيس شعبة القصّابين بالاتحاد العام للغرف التجارية، يرى في تصريحات لـ«إرم بزنس»، أن الإبل قد تكون سنداً في دعم الثروة الحيوانية ولكن لا يمكن الاعتماد عليها بشكل أساسي، ويتم الاستناد إليها في المناسبات الدينية ولكن صعب تستمر بشكل دائم كطبق رئيسي معتاد كلحوم الأبقار مثلا فهي كالأغنام في الأعياد وربما المناسبات أيضاً.

وأكد أن الدولة تعمل على تنمية الثروة الحيوانية بشكل كبير وتستورد وتنشأ محطات للتسمين ومصانع للأعلاف بخلاف تهجين السلالات.

كذلك يرى مصطفى وهبة، رئيس شعبة القصابين (الجزارين) بالغرفة التجارية في القاهرة، في حديث لـ«إرم بزنس» صعوبة حدوث ذلك الطرح حالياً، قائلاً إن «الجمال ولحمها يقبل عليها المستهلك في المناسبات، فكيف سأجبره عليها في غيرها، وعادة كله عرض وطلب والمستهلك يشترى ما يراه مناسبا»، لافتا إلى أن «الثروة الحيوانية لا تحتاج لتوفير أعداد كبيرة من رؤوس الماشية التي لا تذبح باللجوء للجمال كدعم لها ولكن تحتاج لتنميتها».

ويرى أن «التنمية الحقيقية للثورة الحيوانية، بتوفير أعلاف بأسعار أقل، بدلاً من الاستيراد»، موضحاً أن «مصر ليست بلادا منتجة للحوم ولكن مستوردة وحتى الجمال تستورد من الخارج والموجود بمصر قليل نسبيا، وهي الأخرى تحتاج أعلافا».

بحسب تقديرات محلية في مايو الماضي، تبين ارتفاع أسعار في 5 أصناف من الأعلاف خلال العام الماضي وهم: «كسب الصويا المستورد بنسبة 50% عن سعرها خلال العام 2023 ليصبح سعره 27 ألف جنيه للطن، بذور القطن بنسبة 35.3%، الردة بنسبة 10.6%، علف المواشي بنسبة 9%، وبذور الصويا المحلية بنسبة 6%».

فيما شهدت أسعار 5 منتجات أخرى ثباتا وهي: «علف الأغنام عند سعر 16 ألفاً و100 جنيه للطن، كسب الكتان عند سعر 23 ألفاً، النخالة الخشنة بسعر 13 ألفاً، قشر الصويا عند سعر 11 ألفاً و500 جنيه، ومخلفات الصويا عند سعر 13 ألفاً و500 جنيه».

وأضاف وهبة: «لو وفرت أهم عنصر في التريبة وهي الأعلاف بأسعار مناسبة فكل أنواع الحيوانات ستزداد سواء جمال أو غيرها وهذا سيؤثر إيجابيا على أسعار اللحوم فتنخفض، وفي حال وفرنا الأعلاف ستزداد فرص التربية وستكثر تربية السلالات ولدينا أيد عاملة مناسبة»، موضحا أن «الفلاحين “مربي الماشية” عزفوا قليلا عن التريبة بسبب أن التكلفة زادت بسبب الأعلاف والأرباح  قليلة».

جهود حكومية

وقبل أيام أطلق علاء فاروق وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، المرحلة الثانية لمبادرة «احلم»، تحت رعاية الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، لدعم صغار مربي الماشية، مؤكداً أهمية هذه المبادرة والتي نجحت في مرحلتها الأولى بدعم صغار المربين، واستطاعت توفير 1000 رأس من العجلات المحسنة، على أن تشمل المرحلة الثانية توفير الضعف وتطلعات بأن يتم تعميم تلك المبادرة بجميع محافظات الجمهورية، لدعم أكبر عدد من صغار المربين وتوفير فرص العمل، فضلًا عن زيادة الإنتاج المحلي، وتحقيق الأمن الغذائي والتنمية.

وفي 30 مايو الماضي، أعلنت وزارة الزراعة، في بيان، عن إصدار 207 تصاريح مزاولة نشاط تربية ماشية للمربي الصغير بالشهر ذاته، والموافقة على تسجيل 795 تسجيلة لمخاليط أعلاف وإضافاتها ومركزاتها وإصدار نحو 50 موافقة فنية لإقامة مشروعات ثروة حيوانية وداجنة جديدة، طبقًا لمعايير واشتراطات البعد الوقائي والأمان الحيوي في الظهير الصحراوي.

واستراتيجية تنمية الثروة الحيوانية بحسب ما نقلتها هيئة الاستعلامات المصرية (تابعة للرئاسة) مطلع يناير 2023 تتمثل في تحسين سلالات قطعان الأبقار والجاموس المحلية، وتمصير السلالات المتخصصة في إنتاج الألبان واللحوم ذات الإنتاجية العالية والمتأقلمة مع الظروف المصرية، مع زيادة الإنتاجية من الألبان واللحوم لتحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل فجوات الاستيراد وتدعيم ورفع مستوى معيشة صغار المربين والمزارعين.

وأهم التحديات التي تواجه تنمية الثروة الحيوانية، بحسب المصدر ذاته عدم وجود قاعدة للبيانات عن توزيع الثروة الحيوانية في المحافظات المختلفة، وقلة وجود المراعي الطبيعية مع ارتفاع الأسعار العالمية للأعلاف ومكوناتها.

إضافة إلى الحاجة إلى زيادة الوعي لدى صغار المربين بأساليب الرعاية التي تتناسب مع السلالات الجديدة، وتسارع نمو الطلب على المنتجات الحيوانية نتيجة الزيادة المطردة في عدد السكان، كما تسعى الخطة إلى إنشاء قاعدة بيانات، وتحسين سلالات رؤوس الماشية المحلية، والاهتمام بالصحة والرعاية البيطرية، ودعم المشروع القومي للبتلو، وتطوير مراكز تجميع الألبان.