المدينة المنورة تعزز استثماراتها لتصبح وجهة سياحية رائدة بحلول عام 2030

المدينة المنورة تعزز استثماراتها لتصبح وجهة سياحية رائدة بحلول عام 2030

يشهد الحجاج القادمون إلى مكة المكرمة لأداء فريضة الحج مشهداً غير مألوف، مع اختفاء رافعات البناء التي هيمنت على أفق المسجد الحرام لأكثر من عقد. ويأتي ذلك مع اكتمال مشروع التوسعة الكبرى، الذي ضاعف الطاقة الاستيعابية لأقدس مواقع المسلمين لتبلغ مليوني مصلٍ، في خطوة تُعد مفصلية ضمن تحوّل عمراني غير مسبوق تشهده مكة.

وفقاً لتقرير نشره موقع AGBI، يمثّل الانتهاء من ترميم الحرم المكي مرحلة رئيسة ضمن خطة السعودية الأوسع لجذب 30 مليون حاج ومعتمر سنوياً بحلول عام 2030. ففي العام 2023، استقبلت المملكة رقماً قياسياً بلغ 18.5 مليون زائر دولي لأداء مناسك الحج والعمرة على مدار العام، وتتوقع الجهات الرسمية أن يرتفع هذا العدد في 2024.

ورغم التقدم المحرز في مكة، يشير الخبراء إلى ضرورة تسريع التطوير في المدينة المنورة، لتحقيق أهداف المملكة السياحية طويلة الأمد. وتقع المدينة المنورة على بعد 440 كيلومتراً شمال مكة، وتشهد حالياً أوسع تحول عمراني لها منذ أكثر من ألف عام.

وبحسب أسامة القادري، رئيس قسم استشارات الضيافة والسياحة والترفيه في «نايت فرانك» (Knight Frank)، تُعتبر مكة والمدينة المنورة حالياً السوقين الأوليين التي تستهدفها شركات الفنادق الدولية عند دخولها إلى السعودية.

ورغم أن زيارة المدينة ليست جزءاً إلزامياً من الحج، إلا أنها عادةً ما تكون ضمن برامج السفر لمعظم الحجاج من بين أكثر من 2.2 مليار مسلم حول العالم. ومع ذلك، تعاني المدينة من نقص في عدد غرف الفنادق مقارنة بمكة، حيث لا تتجاوز ثلث سعتها الفندقية.

لكن الفجوة بدأت تضيق، إذ تشير بيانات شركة «كوستار» (CoStar) الأميركية المتخصصة في تحليلات العقارات إلى وجود أكثر من 20 ألف غرفة فندقية قيد الإنشاء في المدينة المنورة، مقابل أقل من 18 ألف غرفة في مكة. كما يشهد قطاع الضيافة في المدينة نمواً أسرع في الإيرادات، حيث ارتفع متوسط الدخل لكل غرفة متاحة بنسبة 21% سنوياً منذ 2022، وهو ضعف تقريباً معدل النمو في مكة، وفقاً لشركة الاستشارات العقارية «جايه إل إل» (JLL).

ومن أبرز المشاريع الجارية في المدينة المنورة مشروع «رؤى المدينة»، وهو تطوير متعدد الاستخدامات بمساحة 1.5 مليون متر مربع بالقرب من المسجد النبوي، أي بحجم يعادل نحو 280 ملعب كرة قدم أميركية. وبدعم من «صندوق الاستثمارات العامة» السعودي، يتضمن المشروع 3.5 كيلومتر من الطرق تحت الأرض، تعلوها مجمعات تجارية وسكنية، بالإضافة إلى 47 ألف غرفة فندقية.

وتم توقيع اتفاقيات مع علامات تجارية عالمية مثل «هيلتون»، و«ماريوت الدولية»، و«أكور». ومن المتوقع افتتاح المرحلة الأولى من المشروع عام 2026، على أن يتم الانتهاء الكامل بحلول 2030.

وبعيداً عن السياحة الدينية، تسعى المدينة المنورة إلى تعزيز مكانتها كمركز للسياحة الصحية والثقافية. وقال فهد حميد الدين، الرئيس التنفيذي لـ«الهيئة السعودية للسياحة»: «الأراضي واسعة وليست جبلية كمكة المكرمة؛ ما يجعل من السهل تطوير مراكز العافية ودور التقاعد».

وفي إطار «رؤية المملكة 2030» التي تشجع على الانفتاح الثقافي وتهدف إلى جذب 150 مليون زائر سنوياً، سُمح لغير المسلمين بزيارة المدينة المنورة منذ 2021. وتحوي المدينة، التي تعود تاريخها إلى أكثر من ثلاثة آلاف عام، مواقع ثقافية وتاريخية ذات جاذبية للسياح من مختلف الاهتمامات.

وتبقى أسعار الأراضي والعقارات في المدينة المنورة منخفضة نسبياً مقارنة بمكة، حيث تتراوح أسعار الشقق بين 2500 و5100 ريال سعودي للمتر المربع، مقابل 2600 إلى 5400 ريال في ضواحي مكة. وتُعد هذه الفجوة السعرية، إلى جانب الأجواء الهادئة للمدينة، عاملاً يجذب المسلمين الأثرياء الراغبين في التملك والتقاعد فيها.