تراجع إصدارات الديون في الخليج، إلا أن ثقة المستثمرين تبقى ثابتة.

تراجعت إصدارات الديون في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل حاد خلال الأشهر الخمسة الأولى من عام 2025، مسجلة انخفاضاً بنسبة 22% على أساس سنوي لتصل إلى 87.5 مليار دولار، وفقاً لبيانات «لندن ستوك اكستشانج غروب» (LSEG).
ويعود هذا الانخفاض بشكل أساسي إلى التباطؤ الحاد في الإصدارات السيادية السعودية، رغم أن مبيعات الشركات من السندات التقليدية والسندات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، والمعروفة بالصكوك، قد عوّضا بعضاً من التراجع، وفقاً لتقرير نشره موقع AGBI.
وكانت دول الخليج قد جمعت ما يقارب 113 مليار دولار خلال نفس الفترة من عام 2024، مما يعكس تحوّلاً واضحاً في ديناميكيات السوق. وقالت جِنان التيتون، كبيرة الباحثين في «لندن ستوك اكستشانج غروب»: «شهدنا تحولاً واضحاً في تركيبة المُصدِرين، فبينما هيمنت الحكومات، لا سيما الحكومة السعودية، على الإصدارات في العام الماضي، تراجع نشاطها بشكل كبير في عام 2025».
وفي المقابل، ارتفعت الإصدارات من قبل الشركات بنسبة 52% مقارنة بالعام الماضي، لتشكل الآن 42% من إجمالي الديون الجديدة المصدرة في الخليج. وبرزت البنوك كمصدر رئيسي ضمن هذا النشاط، إذ استحوذت على أكثر من نصف إصدارات الشركات.
وأشارت التيتون إلى أن هذا الارتفاع في إصدار السندات من قبل البنوك يعكس ضغوط السيولة الناجمة عن تراجع الإيرادات النفطية وتباطؤ نمو الودائع، ما دفع المؤسسات المالية إلى التوجه نحو أسواق الدين.
إصدارات العملات الأجنبية
سجّلت إصدارات الديون المقومة بالعملات الأجنبية في الخليج ارتفاعاً بنسبة 9% خلال الفترة ذاتها لتصل إلى 72.4 مليار دولار. وبلغت مبيعات السندات التقليدية ضمن هذا الإجمالي 42.3 مليار دولار، بارتفاع نسبته 11%، في حين ارتفعت مبيعات الصكوك بنسبة 6% إلى 30 مليار دولار.
وواصلت الأدوات المقومة بالدولار الأميركي هيمنتها على هذه الإصدارات، لتشكل 92% من إجمالي الدين الجديد بالعملات الأجنبية، فيما توزعت النسبة المتبقية على عملات أخرى مثل اليوان الصيني واليورو والجنيه الإسترليني.
ولا تزال شهية المستثمرين، خاصة في آسيا، قوية تجاه الديون الخليجية، اذ قال نديم عمتوري، مدير أبحاث الائتمان في شركة «أرقام كابيتال» في دبي: «الطلب على الديون السيادية الخليجية ذات التصنيف الاستثماري لا يزال قوياً، سواء من المستثمرين المحليين أو الآسيويين». وأضاف أن «السندات السيادية السعودية تبدو رخيصة نسبياً من وجهة نظر المستثمرين، وبالتالي فهي جذابة، في حين تبدو سندات عمان والبحرين مرتفعة الثمن».
وتُعد البحرين الدولة الأكثر مديونية بين دول المجلس، إذ يبلغ الدين العام نحو 130% من الناتج المحلي الإجمالي، ما يزيد من المخاوف حول أوضاعها المالية وإمكانية زيادة المعروض، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع علاوات المخاطر على أدواتها المالية.
انخفاض بإصدارات العملات المحلية
أما على صعيد الإصدارات بالعملات المحلية، فقد تراجعت بشكل حاد خلال الفترة من يناير وحتى مايو، مسجلة انخفاضاً يقارب 70% لتصل إلى 15 مليار دولار فقط. وانخفضت مبيعات الصكوك الجديدة بنسبة 69% إلى 12.8 مليار دولار، بينما هبطت مبيعات السندات التقليدية بنسبة 58% إلى 2.3 مليار دولار.
وبحسب التيتون، يعكس هذا التراجع حالة من «العودة إلى الوضع الطبيعي» بعد نشاط استثنائي في عام 2024. وأضافت: «لعبت الصكوك دوراً رئيسياً في دفع عجلة إصدارات الدين في الخليج خلال 2024، حيث وصلت الأحجام إلى مستويات استثنائية بفضل برامج إدارة الالتزامات وإعادة التمويل».
وتُستخدم برامج إدارة الالتزامات من قبل الحكومات لإعادة هيكلة محافظ الديون من خلال تمديد آجال الاستحقاق، وخفض تكاليف التمويل، وتقليل مخاطر إعادة التمويل.
ونتيجة لهذه التغيّرات، عادت السندات التقليدية لتتفوق على الصكوك في عام 2025، إذ شكلت 51% من إجمالي الإصدارات خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام، مقارنة بـ49% للصكوك، بعد أن كانت الصكوك تستحوذ على 61% من الحصة السوقية في نفس الفترة من 2024.
انتعاش في مايو
عادةً ما تُسعَّر ديون الأسواق الناشئة المقومة بالدولار على أساس فارق عائد مقارنة بسندات الخزانة الأميركية، ويُستخدم غالباً العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات كمرجع رئيسي لهذا التسعير.
وقد تسببت التقلبات في عوائد سندات الخزانة الأميركية، خصوصاً عائد السندات لأجل 10 سنوات، في تراجع مؤقت للإصدارات الخليجية خلال شهر أبريل. وبلغ العائد 4.46% بنهاية مايو، مرتفعاً بمقدار 0.2 نقطة مئوية منذ نهاية مارس، في ظل موجة بيع واسعة لهذه السندات.
وجاء هذا الاضطراب بعد إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن رسوم جمركية جديدة في مطلع أبريل، ما أحدث تقلبات في الأسواق العالمية، سواء للأسهم أو أدوات الدين.
إلا أن نشاط الإصدارات في الخليج شهد انتعاشاً خلال مايو، ما يشير إلى أن التراجع كان ظرفياً. وقالت التيتون: «يشير هذا إلى أن انخفاض أبريل كان مدفوعاً بعوامل تتعلق بتوقيت السوق والمعنويات، وليس بتغيّر جوهري في ظروف التسعير».