الدين الأمريكي: عودة شبح الأزمة الاقتصادية

الدين الأمريكي: عودة شبح الأزمة الاقتصادية

في عام 2019، نشر الاقتصاديان البارزان لورانس سامرز وجايسون فورمان مقالاً بعنوان «من يخاف من عجز الميزانية؟»، زعما فيه أن القلق المستمر في واشنطن بشأن الدين الوطني مبالغ فيه.

وانضم إليهما خبراء آخرون، بمن فيهم كبير الاقتصاديين السابق في صندوق النقد الدولي، في استنتاجات مماثلة، السبب أن المتشائمين من الدّين كانوا يركزون على الرقم الخاطئ.

وفقاً لهؤلاء الاقتصاديين، يظل الدين أمراً مهماً، لكن ما إذا كان سيصبح مشكلة خطيرة يعتمد ليس على حجمه المطلق (الذي بلغ حوالي 28 تريليون دولار آنذاك، ويقترب اليوم من 36.5 تريليون دولار)، بل على معادلة بسيطة تتضمن المتغيرين (r) «معدل الفائدة»، و(g) «معدل النمو الاقتصادي».

طالما أن معدل النمو الاقتصادي (g) يتجاوز معدل الفائدة (r) على الدين الوطني، فإن تكلفة خدمة الدين ستظل مستقرة، ما يتيح للحكومة تجديد الدين إلى أجل غير مسمى دون قلق كبير.

تحول جذري في المعادلة

لكن ما كان صحيحاً آنذاك لم يعد كذلك اليوم، فالجمع بين سياسات التعريفات الجمركية التي تعيق النمو في عهد ترامب ومشروع قانون الضرائب الذي يفاقم العجز من قبل الحزب الجمهوري قد يدفع العلاقة بين (r) و(g) إلى منطقة شديدة الخطورة، وقد علّق سامرز مؤخراً قائلاً: «في فترة زمنية قصيرة، تحولت الصورة المالية من الضوء الأخضر المريح إلى منطقة الضوء الأحمر»، وبعبارة أخرى، حان الوقت ليعود هوس واشنطن بالدين إلى الواجهة.

خلال جائحة كورونا، أنفق الكونغرس تريليونات الدولارات لدعم الاقتصاد دون القلق بشأن تمويل هذه النفقات، وصل عبء الدين الأميركي إلى مستويات غير مسبوقة، لكن أسعار الفائدة ظلت منخفضة، ولم يظهر «محاربو السندات» أو دوامات الدين المتوقعة.

في السنوات اللاحقة، رفع الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة بشكل كبير للسيطرة على التضخم، ما أدى إلى ارتفاع مدفوعات الفوائد الحكومية إلى 881 مليار دولار في عام 2024، وهو مبلغ يتجاوز ما أنفقته الولايات المتحدة على برنامج ميديكيد أو الدفاع الوطني.

تراجع التصنيف الائتماني

ثم أثار دونالد ترامب فوضى في الاقتصاد العالمي، في 16 مايو 2025، خفّضت وكالة موديز التصنيف الائتماني للولايات المتحدة من Aaa إلى Aa1، مشيرة إلى ارتفاع الدين الحكومي على مدى أكثر من عقد وتزايد نسبة مدفوعات الفوائد إلى مستويات تفوق بكثير تلك الموجودة في الدول ذات التصنيف المماثل.

بهذا التخفيض، أصبحت موديز آخر وكالة تصنيف ائتماني رئيسة تجرد الولايات المتحدة من تصنيفها الممتاز، بعد تخفيضات مماثلة من ستاندرد آند بورز في 2011 وفيتش في 2023. وقد تسبب ذلك في ارتفاع أسعار الفائدة على السندات الحكومية طويلة الأجل إلى مستويات قريبة من أعلى نقطة في عقدين.

التعريفات الجمركية وتباطؤ النمو

قد لا يشكل ارتفاع أسعار الفائدة مشكلة كبيرة إذا كانت سياسات ترامب تحفز نمواً اقتصادياً قوياً يحافظ على تفوق (g) على (r)، لكن على العكس، تراجعت معظم توقعات النمو الموثوقة هذا العام بسبب هذه السياسات.

مع اقتراح ترامب تعريفات جمركية جديدة بشكل عشوائي – بما في ذلك، هذا الصباح فقط، تعريفة بنسبة 50% على الاتحاد الأوروبي و25% على جميع منتجات أبل المستوردة – تواجه الشركات حالة من عدم اليقين المشلّة، ما سيؤدي إلى مزيد من التراجع في النمو.

في الوقت نفسه، يزعم الجمهوريون في الكونغرس أن التخفيضات الضريبية الضخمة المقترحة في مشروع قانون المصالحة ستوفر ازدهاراً اقتصادياً، لكن تحليلات مستقلة عديدة أظهرت أنها لن تؤثر بشكل كبير على النمو، ناهيك من تعويض التأثير السلبي للتعريفات الجمركية.

السيناريو الأسوأ

إن التقارب بين ارتفاع أسعار الفائدة وتباطؤ النمو يخلق الظروف المثالية لتحويل الدين الوطني الأميركي إلى أزمة حقيقية، عندما يظل (r) أعلى من (g) لفترة طويلة، تنشأ دورة مفرغة: تكاليف خدمة الدين المتزايدة تدفع الحكومة للاقتراض أكثر لتغطية مدفوعاتها، فيما يطالب المستثمرون بأسعار فائدة أعلى، ما يرفع تكاليف الدين أكثر، وهكذا.

في أفضل السيناريوهات، تتكشف هذه العملية تدريجياً، وتكون العواقب مؤلمة لكنها ليست كارثية، مع تخصيص المزيد من الميزانية لتغطية تكاليف خدمة الدين، ستتقلص الموارد المتاحة للبرامج الاجتماعية والاستثمارات المنتجة.

أما إذا تسارعت كرة الثلج الخاصة بالدين، فقد تكون العواقب أكثر خطورة، قد يستنتج المستثمرون أن الدين الأميركي لم يعد استثماراً آمناً، ما يؤدي إلى ما يشبه الاندفاع المصرفي على سوق الخزانة، حيث يسارع المستثمرون لبيع سنداتهم مقابل النقد.

دروس من التاريخ القريب

شهدت المملكة المتحدة نسخة من هذا السيناريو في عام 2022، عندما أعلنت رئيسة الوزراء آنذاك ليز تراس عن تخفيضات ضريبية كبيرة كادت تفجر عجز الميزانية، دخلت أسواق السندات في حالة ذعر، وارتفعت أسعار الفائدة طويلة الأجل، وانهار الجنيه الإسترليني، وبدا النظام المالي البريطاني على شفا الانهيار، لم تنتهِ الأزمة إلا بعد إلغاء الميزانية وإقالة تراس لاستعادة الثقة.

خيارات صعبة في الأفق

إذا حدث سيناريو مماثل في الولايات المتحدة، ستواجه البلاد خيارات قاسية: إما فرض تدابير تقشفية مؤلمة لتهدئة الأسواق، وإما التخلف عن سداد الدين (ما قد يتسبب في أزمة اقتصادية حادة، وربما عالمية)، وإما طباعة النقود لتسديده (ما سيؤدي إلى تضخم جامح).

لا يبدو أن هذه الاحتمالات تقلق ترامب وحلفاءه في الكونغرس، الذين يواصلون المضي قدماً في أجندتهم، متجاهلين التحذيرات، ربما يراهنون على أن الاقتصاديين، الذين توقعوا أزمات دين لم تتحقق من قبل، سيكونون مخطئين مرة أخرى، إنها مقامرة محفوفة بالمخاطر.

الخلاصة

مع وصول الدين الأميركي إلى 36.5 تريليون دولار – أي 122% من الناتج المحلي الإجمالي – وتوقعات تشير إلى ارتفاعه إلى 156% بحلول 2055، لم تعد المعادلة الاقتصادية البسيطة التي حمَت أميركا من أزمات الدين في الماضي تعمل لصالحها.

إن الجمع بين السياسات التجارية العدائية وخطط التخفيضات الضريبية الضخمة يضع الاقتصاد الأميركي – والعالمي – على مسار خطير، قد تكون عواقبه أشد من أي أزمة مالية شهدناها في العقود الأخيرة.