تأثير تغيّر المناخ على الشرق الأوسط: كيف يؤثر الجفاف على مستقبل الأمن الغذائي؟

تأثير تغيّر المناخ على الشرق الأوسط: كيف يؤثر الجفاف على مستقبل الأمن الغذائي؟

وسط تراجع في معدلاته وسدود تثير توتراً بين دول الجوار ومناخ متطرف يفرض شروطه، يمضي الأمن المائي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، بحسب دراسات حديثة، محملاً بعقبات عدم الحوكمة وتردي البنية التحتية، منتظراً مستقبلاً قد يحمل انعداماً للأمن الغذائي وأزمات اقتصادية ثقيلة.

حذّر خبراء في المياه والطاقة والاقتصاد الدولي، في تصريحات لـ«إرم بزنس» من تداعيات خطيرة لـ«شح مائي وكذلك شح غذائي مرتبط به» في الشرق الأوسط، ولا سيما في العراق وسوريا ومصر والسودان وفلسطين، معتقدين أن الحلول العاجلة المدعومة دولياً بتفاهمات وشراكات قد تكون حلاً أولياً لمواجهة مستقبل غير مستقر مائياً، وكذلك محملاً بأزمات اقتصادية قد تكون ثقيلة على مجتمعات تلك البلدان، ولا سيما على مستوى الأمن الغذائي.

أزمة معقدة

سلّطت دراسة حديثة نشرتها مؤسسة «كارنيغي» لمجموعة من الباحثين، الضوء على العراق، وسوريا وفلسطين وكذلك مصر والسودان، محذرة من «التداعيات المتنامية للعوامل المناخية على الأمن البشري، بما في ذلك انعدام الأمن الغذائي والمائي، وفقدان سُبل العيش».

وبشأن العراق، أفادت الدراسة، التي نشرت أواخر مايو الماضي، بأن نقص المياه في تلك البلاد ناجمٌ عن عوامل عدّة منها تردّي البنى التحتية، وضعف إمكانيات الدولة، ومشاريع توليد الطاقة الكهرومائية التي تواصل تركيا وإيران بناءها من جهة المنبع، والظروف المناخية القاسية في ذلك ارتفاع درجات الحرارة، وموجات الجفاف الحادة والطويلة، وتراجع معدّلات هطول الأمطار.

ووفق الدراسة، فإن «بعض التقارير توقعت أن يُصبح العراق أرضاً بلا أنهار بحلول عام 2040، مع جفاف نَهرَيهِ الرئيسَين دجلة والفرات اللذين يؤمّنان ما نسبته 98% تقريباً من إمدادات المياه في البلاد، وذلك إن لم تتّم معالجة التهديدات المناخية المُحدقة».

وكان العراق يتلقى نحو 30 مليار متر مكعب من المياه في عام 1933، وتقلّصت هذه الكمية إلى 9.5 مليار في العام 2023، ويُتوقّع أن يصل نصيب الفرد من المياه إلى 479 متراً مكعباً بحلول العام 2030، ما سيجعل البلاد تعاني ندرة المياه، بحسب الدراسة.

سوريا هي أيضاً من بين الدول التي تواجه أزمة مياه، وعلى مدى 12 عاماً من الحرب، واجهت دمشق تحديّات عدّة منها تغيّر المناخ، وموجات الجفاف، ودمار البنية التحتية الأساسية، وضعف المؤسسات الحكومية، والتدنّي الحاد في منسوب مياه نهر الفرات العابر للحدود، الذي ينبع من تركيا، وأدّى ذلك إلى انعدام أمن المياه والغذاء والطاقة، وفاقم الزلزال الذي ضرب جنوب تركيا وشمال غرب سوريا في فبراير 2023 الأزمات الإنسانية إضافةً إلى انعدام الأمن الغذائي.

واليوم، يقاسي 12 مليون سوري انعدام الأمن الغذائي، ويُعدّ 1.8 مليون آخرون معرّضين لخطر انعدام الأمن الغذائي، ونصف السكان يفتقرون إلى الأمن المائي ويعاني أكثر من نصف مليون طفل سوء التغذية الحاد، ويعيش 90% من السوريين في فقر مدقع ويحتاج 15.3 مليون شخص إلى مساعدات إنسانية، بحسب الدراسة.

ووفق الدراسة، تسحب دولتا المصبّ الأبعد في مجرى النهر، مصر والسودان، القدرَ الأكبر من مياه النيل سنوياً، بما نسبته 57% و31% على التوالي، ولكن تدهورت العلاقات مع أديس أبابا مع بناء وملء سدّ النهضة، الذي سيؤثّر في تدفّق النيل الأزرق، وبالتالي في توقيت إمدادات المياه في مصر وحجمها، رغم اعتمادها الكبير عليه خاصة وهو يلبّي 93% من حاجاتها من المياه، وتستمدّ 98% من مواردها المائية من خارج حدودها.

وستكون تأثيرات تغيّر المناخ في فلسطين مشابهة لتبعاته في بلدان أخرى في منطقة شرق المتوسط، ويُرجَّح أن تنخفض مستويات تساقط الأمطار والثلوج ربما بمعدّل 4% لكل ارتفاع في درجات الحرارة بمقدار درجة مئوية واحدة، وسط حاجة لأن ترفع إسرائيل قيودها على استخداماتهم المائية، بحسب الدراسة.

أسباب وحلول عاجلة

نائب الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط لشؤون المياه والبيئة الوزير السابق للمياه في فلسطين، الدكتور شداد العتيلي، قال لـ«إرم بزنس»، إن أزمة المياه تتعمق لأسباب أولها عدم الاستقرار السياسي، فإسرائيل مثلاً تسيطر على مجرى مياه نهر الأردن، وعلى جميع مصادر المياه الجوفية والسطحية بفلسطين.

وأوضح أن الأزمة بالعراق وسوريا نتيجة سدود حجز المياه من جانب تركيا وكذلك أزمة حوض النيل بحكم سد النهضة والخلاف الآن بين مصر والسودان مع إثيوبيا، يضاف إليها أن أكثر من 60% من مصادرنا تأتي من خارج حدود الدول العربية وينطبق ذلك على النيل والفرات ودجلة وهذا أمر مؤثر للغاية.

السبب الثاني، بحسب العتيلي، يتمثل في عدم حوكمة المياه خاصة في القطاع الزراعي، موضحاً: «لدينا قرابة 70% من مصادر المياه المتاحة تذهب إلى القطاع الزراعي دون ترشيد للاستهلاك وللأسف دون تأمين الأمن الغذائي، مع عجز غذائي بالعالم العربي يفوق 70 مليار دولار مع استيراد أغذيتنا من الخارج ورغم الاستهلاك الكبير لقطاع الزراعة فإننا أيضاً لم نصل إلى الأمن المائي أو الأمن الغذائي».

ويضاف لتلك الأسباب «شح مصادر المياه بالأساس فلدينا جفاف ونضوب بالمياه المتجددة وعامل التغير المناخي يضرب منطقتنا الجافة وشبه الجافة بشدة تلك المنطقة التي تشكل 10% من مساحة العالم و6% من سكان العالم بما يقارب نصف مليار، للأسف 90% منهم يعانون الإجهاد المائي وندرة المياه ولدينا 19 دولة من أصل 22 دولة تحت خط الإجهاد المائي»، وفق العتيلي، موضحاً أن «أي دولة لا يصل حصة الفرد فيها إلى 1000 متر مكعب سنوياً فهي تحت شح المياه وأي دولة يقل تزويد الفرد فيها عن 500 متر هي في النطاق المطلق لشح المياه».

ويخلص المسؤول العربي المائي السابق إلى أن «لدينا في منطقتنا كل العوامل التي تعمق أزمة المياه ويضاف إليها أن بعض الدول التي ترغب في إدارة المياه لا تملك القدرات المائية فلديها شح مالي يؤثر ويعيق الشح المائي الذي بات مهدداً بالاستهلاك الكبير من المياه رغم كل ذلك».

والحلول لتلك الأزمات سواء المائية أو ما يليها من تأثيرات بالأمن الغذائي «معروفة منذ عشرات السنين ويتحدث عنها الجميع»، وفق تقديرات نائب الأمين العام للاتحاد من أجل المتوسط لشؤون المياه والبيئة، الدكتور شداد العتيلي، موضحاً أنه «ليس هناك جدية للأخذ بالحلول وفي مقدمتها حوكمة المياه وترشيد الاستهلاك وإنهاء الأزمات السياسية والاستخدام القليل للمياه المعالجة والدراسات حبر على ورق وبالتالي المنطقة مهددة بأن تكون معدومة الأمن المائي وما سيتبعه من تهديد للأمن الغذائي».

بدوره، يقول الخبير في الاقتصاد الدولي واقتصاديات الطاقة، الأكاديمي الدكتور نهاد إسماعيل، في حديث لـ«إرم بزنس»، إن «منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشهد أزمة مياه حادة وحسب أرقام الأمم المتحدة هناك 30 دولة تعاني نقصاً في الماء أو ندرة وشح في المياه منها 19 دولة في العالم العربي».

وبرأي إسماعيل، فإن «هذه الحالة ستؤدي إلى توترات ونزاعات حول الماء»، منبها إلى أنه «لا بد من ذكر معاناة الأراضي الفلسطينية التي تخضع للاحتلال حيث توجد أزمة مياه حادة، والاحتلال يمنع استغلال الأراضي الزراعية ويسيطر على مصادر المياه».

ويحذر الخبير في الاقتصاد الدولي من «تقديرات لبعض الدراسات تشير إلى أن الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستعاني هبوطاً في الإنتاج الزراعي بنحو 60% بحلول 2050».

وأهم الأسباب التي أدت إلى استفحال أزمة الماء تشمل بحسب إسماعيل، «الصراعات والنزاعات وغياب الاستقرار، والسودان، والعراق، سوريا، واليمن على سبيل المثال، بخلاف تعرض المياه الجوفية للاستنزاف والتلوث، ونمو العدد السكاني والطلب على الماء الذي يزداد استفحالاً واستخدام وسائل ري ذات كفاءة منخفضة تعمق الأزمة وتقلص القطاع الزراعي».

ويضاف إلى ذلك «سوء إدارة موارد المياه بسبب قواعد حوكمة ضعيفة، وعدم اتخاذ الإجراءات اللازمة التي ستؤدي إلى تقلص إجمالي إنتاج المنطقة بواقع 14% وفقاً لتقرير البنك الدولي عام 2023».

وباعتقاد إسماعيل، فإن «هناك حاجة ملحة لاتخاذ إجراءات سريعة رسمية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن المنطقة تشكل 6% من سكان الكرة وسيرتفع الطلب على الماء بنحو 50% بحلول 2030»، لافتاً إلى أنه «لعلاج أزمة الماء يجب اتباع استراتيجيات لمكافحة التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة، وتحديث شبكات المياه والتدوير للمياه غير الصالحة للشرب لاستخدامات أخرى، مثل: الري واتباع سياسات واستراتيجيات للحفاظ على ثروات الماء والاستقرار والنمو، والاستفادة من تجارب الدول المتقدمة والمنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة».

وحذر خبير الاقتصاد الدولي من أن غياب الاستقرار السياسي والاقتصادي في بعض البلدان العربية سيزيد الأزمة عمقاً، مشيرا إلى أن الحروب والصراعات والفساد والإهمال ستجلب كوارث للشعوب وتفاقم أزمة الأمن المائي وتجعل الجميع أمام مستقبل غير مستقر مائياً، ويكون محملاً بأزمات اقتصادية قد تكون ثقيلة على مجتمعات تلك البلدان.