هل تُعتبر باكستان حليفًا لإيران أم مجرد أداة دبلوماسية في صراع إقليمي ملتهب؟

حين تُعلن باكستان وقوفها إلى جانب إيران في خضم عاصفة إقليمية اشتعلت بالفعل فإن السؤال لا يكمن في البيان بحد ذاته بل فيما وراءه، نحن الآن في صلب معركة مفتوحة تشهدها المنطقة بأدوات غير تقليدية، فهل نحن أمام موقف دبلوماسي محسوب؟ أم انزياح فعلي في ميزان الاصطفاف الجيوبوليتيكي؟
باكستان التي لطالما اتخذت موقعًا رماديًا في الصراعات الإيرانية الخليجية تبدو اليوم وكأنها تميل نحو طهران في لحظة اشتعال خطرة فهل تغيّر شيء في عمق الاستراتيجية الباكستانية أم أن الأمر لا يعدو كونه خطاب تضامن شكلي في سياق الخطاب الإسلامي العام.
في الجغرافيا السياسية لا مكان للعواطف باكستان دولة نووية تملك أطول حدودها مع إيران من الشرق حيث تُجاور إقليم بلوشستان المتوتر وهي تدرك أن اتساع رقعة الصراع قد يرتد نارًا على حدودها الداخلية لهذا فإن تصريحها بالوقوف مع إيران قد يكون جزءًا من استراتيجية الوقاية الذاتية لا التعبير عن تحالف حقيقي.
لكن إذا تأملنا في الجغرافيا سنجد أن باكستان تمثّل فعلًا ظهيرًا جغرافيًا لإيران من جهة الشرق بحدود تمتد على أكثر من تسعمائة كيلومتر بينما يواجه ظهر إيران الغربي مجموعة من القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في العراق وسوريا والأردن والخليج وهي قواعد تتكئ على تحالفات قوية ومعلنة مع خصوم طهران.
هذا التباين الجغرافي يضع إيران في موقف بالغ الحساسية فمن جهة تمتلك حدودًا قابلة للاختراق ومن جهة أخرى تُحاصر من قبل خصومها عبر امتدادات قواعد أجنبية في خاصرتها العربية مما يجعل أي تحرك عسكري إيراني محفوفًا بالمخاطر ويدفعها لاستخدام خطاب الصواريخ كوسيلة ردع ضرورية في لحظة اشتباك إقليمي مفتوح.
فدول الخليج تبدو في مرمى النيران الإيرانية ليس فقط بحكم القرب الجغرافي بل أيضًا بسبب استضافتها للقواعد الغربية والأمريكية التي تُعد هدفًا مباشرًا في هذه المعركة المتعددة الجبهات ومع ذلك فإن الخليج لا يزال يعتمد على الحماية الخارجية ولم يُبادر لتشكيل مظلة أمنية ذاتية متماسكة.
واللافت أن كل هذا يجري في غياب شبه كامل لخطاب موحد من المنظمات الإسلامية التي يُفترض بها أن تتحرك وقت الأزمات للدعوة إلى السلم أو على الأقل إلى تحييد المدنيين فالمؤتمر الإسلامي غائب والجامعة العربية مشغولة بموازنات العلاقات فيما يظل العالم الإسلامي مشرذمًا في مواقفه وخطابه.
أما دول الجوار الأخرى مثل أذربيجان وتركيا وأفغانستان فإنها تتعامل مع الوضع بحذر عميق.
أذربيجان تنسق أمنيًا مع إسرائيل وتتوجس من النفوذ الإيراني داخل أراضيها خاصة في مناطق الجنوب ذات الغالبية الشيعية التي يُخشى من تأثرها بخطاب ولاية الفقيه
تركيا توازن بين علاقتها مع إيران ومصالحها في القوقاز وسوريا لكنها لا تملك رفاهية الاصطفاف الكامل مع طهران.
أفغانستان تمثل خاصرة رخوة معقدة تشكل مصدر قلق لكل من إيران وباكستان وقد شهدت في السنوات الأخيرة تصاعدًا في التوتر الطائفي بين السنة والشيعة لا سيما الهزارة في كابول وباميان.
أما دول وسط آسيا مثل تركمانستان وطاجيكستان وأوزبكستان وكازاخستان فإنها تراقب الوضع من موقع براغماتي بحت هذه الجمهوريات السوفييتية السابقة ترتبط بعلاقات اقتصادية وأمنية مع روسيا والصين وتتحفظ تقليديًا من تمدد النفوذ الإيراني رغم وجود أقليات شيعية في بعضها خاصة في طاجيكستان ذات الامتداد اللغوي والثقافي الأقرب لإيران.
لكن الأنظمة الحاكمة هناك تُفضّل الحياد الرسمي والابتعاد عن أي انخراط في صراع مذهبي أو عسكري في منطقة الخليج.
وهكذا لا يبدو أن إيران تملك عمقًا جغرافيًا آمنًا أو حزامًا إسلاميًا حقيقيًا يسندها سوى شبكة من الحلفاء غير الرسميين في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
باكستان قد تبدو في لحظة ما ظهيرًا مؤقتًا لكنها في حقيقة الأمر ورقة دبلوماسية تلعبها طهران بذكاء لموازنة الخطر القادم من الغرب وليس كحليف مستعد للقتال أو المغامرة من أجل المشروع الإيراني.
إن إعلان باكستان دعمها لإيران لا يُغلق باب التأويل بل يفتحه على مصراعيه ففي الشرق الأوسط حيث تُكتب التحالفات بالحبر السري وتُمسح بالمصالح فإن كل بيان يحمل سؤالًا أكبر من مضمونه.
هل نحن أمام بداية اصطفاف إسلامي جديد أم مجرد ارتباك دبلوماسي في زمن الانهيارات؟.
اقرأ أيضاًعاجل.. جيش الاحتلال الإسرائيلي يطالب الإيرانيين بإخلاء المفاعلات النووية فورًا
وزير الخارجية الإيراني: على واشنطن تحمل مسؤوليتها إزاء المشاركة بالهجمات الإسرائيلية
الحكومة الإيرانية: ردنا على إسرائيل سيتواصل كلما رأت قواتنا المسلحة ضرورة لذلك