خاص| 9 أسئلة شائكة عن قانون الإيجار القديم.. «خبير قانوني» يكشف جذور الأزمة

تظل قضية قانون الإيجارات القديم في مصر من المسائل الشائكة والمستمرة التي تؤثر على ملايين المصريين من ملاك ومستأجرين على حد سواء.
وقد تصاعد الجدل حول هذا القانون بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وذلك في ظل التطورات التشريعية والقضائية التي تهدف إلى إصلاح هذا النظام القانوني الذي مضى عليه عقود طويلة.
ويحمل هذا القانون تداعيات عميقة على سوق العقارات المصري والاقتصاد الوطني بشكل عام، مما يجعل أي تعديلات تطرأ عليه محط اهتمام واسع النطاق. وقد ازدادت حدة النقاشات بعد صدور أحكام قضائية هامة واقتراحات حكومية لإجراء تعديلات جوهرية على القانون.
وفي هذا الصدد، حاورت «الأسبوع» صبرة القاسمي الخبير القانوني بشأن قانون الإيجارات القديم وتأثير ذلك على المستأجرين مستقبلًا.. وإلى نص الحوار:
في البداية.. ما هى جذور قانون الإيجارات القديم في مصر؟
تعود جذور قانون الإيجارات القديم في مصر إلى منتصف القرن العشرين، وتحديدًا إلى الفترة التي أعقبت ثورة 1952، وكان الهدف الأساسي من إصدار هذه القوانين في ذلك الوقت هو معالجة أوجه عدم المساواة الاجتماعية وتوفير سكن ميسر التكلفة لقطاع كبير من المواطنين.
وقد استندت هذه القوانين إلى مبادئ أساسية، أبرزها مفهوم “مدى الحياة” الذي يمنح المستأجر الحق في الإقامة في الوحدة المؤجرة طوال حياته، بالإضافة إلى حق المستأجر في “توريثها لأبنائه” من بعده، وذلك غالبًا مع زيادات طفيفة أو معدومة في قيمة الإيجار.3 وقد تضمنت التشريعات الرئيسة التي أرست هذه المبادئ القانون رقم 121 لسنة 1947، والقانون رقم 7 لسنة 1965، وبشكل خاص القانون رقم 136 لسنة 1981 “في شأن بعض الأحكام الخاصة بتأجير وبيع الأماكن وتنظيم العلاقة بين المؤجر والمستأجر”، الذي يعتبر من أهم القوانين التي نظمت هذه العلاقة. وفي وقت صدورها، كانت هذه القوانين تهدف إلى تحقيق فوائد اجتماعية هامة، مثل توفير الأمن السكني وضمان القدرة على تحمل تكاليف السكن لشريحة واسعة من السكان.
وماذا عن أحكام المحكمة الدستورية العليا بشأن قانون الإيجارات القديم؟
لعبت المحكمة الدستورية العليا دورًا محوريًا في دفع عملية إعادة تقييم قانون الإيجارات القديم في الوقت الراهن، وقد أصدرت المحكمة في نوفمبر من عام 2024 حكمًا هامًا قضى بعدم دستورية الفقرة الأولى من المادتين الأولى والثانية من القانون رقم 136 لسنة 1981.1 وقد استندت المحكمة في حكمها إلى أن التجميد الدائم لقيمة الإيجارات يشكل تعديًا على حقوق الملكية الخاصة للملاك.
وفي خطوة تهدف إلى تحقيق الاستقرار القانوني، قررت المحكمة تأجيل سريان أثر هذا الحكم إلى اليوم التالي لانتهاء دور الانعقاد التشريعي الحالي لمجلس النواب، مما منح البرلمان فرصة لوضع تشريع جديد ينظم العلاقة بين المالك والمستأجر.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه ليست المرة الأولى التي يتم فيها الطعن في دستورية قانون الإيجارات القديم، حيث صدرت أحكام سابقة تتعلق بمد عقود الإيجار لفئات معينة من الورثة.
ما هى التعديلات الحالية والجهود التشريعية؟
تم بالفعل إقرار تعديلات تخص الأماكن غير السكنية (مثل الوحدات التجارية والإدارية المؤجرة للأشخاص الاعتبارية) بموجب القانون رقم 10 لسنة 2022، وذلك بناءً على أحكام سابقة للمحكمة الدستورية.
وقد تضمنت أحكام هذا القانون زيادة سنوية في قيمة الإيجار بنسبة 15% لمدة خمس سنوات، على أن ينتهي عقد الإيجار ويعود العقار إلى المالك في مارس 2027.5 ويشمل هذا القانون فئات محددة من المستأجرين غير السكنيين، مثل الهيئات الحكومية والشركات والجمعيات.24 وتعتبر هذه التعديلات بمثابة خطوة أولى نحو معالجة ملف الإيجارات القديمة، وقد تمثل نموذجًا لتعديلات مستقبلية قد تطال الوحدات السكنية.
التعديلات المقترحة للوحدات السكنية
تقدمت الحكومة بمشروع قانون إلى مجلس النواب لمعالجة وضع الوحدات السكنية التي لا تزال خاضعة لقانون الإيجارات القديم، وخاصة تلك التي تم التعاقد عليها قبل 1 فبراير 1996.2 ويتضمن المشروع المقترح عدة بنود رئيسية:
زيادات كبيرة في قيمة الإيجار: اقتراح بزيادة قيمة الإيجار الشهري للوحدات السكنية إلى 20 ضعف قيمتها الحالية، مع حد أدنى للإيجار قدره 1000 جنيه في المدن والأحياء و 500 جنيه في القرى.
زيادة سنوية في قيمة الإيجار: زيادة سنوية إضافية بنسبة 15% على قيمة الإيجار المعدلة لمدة خمس سنوات.
فترة انتقالية مدتها خمس سنوات: فترة خمس سنوات تبدأ من تاريخ العمل بالقانون الجديد، يتم بعدها إنهاء عقود الإيجار القديمة بحكم القانون، ويلتزم المستأجرون بإخلاء الوحدات ما لم يتم الاتفاق على تجديد العقود بشروط جديدة مع الملاك.
أولوية في الحصول على وحدات بديلة: منح المستأجرين الذين تنتهي عقودهم بموجب القانون الجديد أولوية في الحصول على وحدات سكنية أو غير سكنية بديلة (إيجار أو تمليك) من الوحدات المتاحة لدى الدولة، وذلك وفقًا للشروط والإجراءات التي سيحددها رئيس مجلس الوزراء.
شروط الإخلاء: ينص القانون على التزام المستأجر أو من امتد إليه عقد الإيجار بإخلاء المكان المؤجر في نهاية المدة المحددة، وفي حال الامتناع، يحق للمالك طلب إصدار أمر بالطرد من قاضي الأمور الوقتية.
إلغاء القوانين السابقة: يتضمن المشروع المقترح إلغاء القانونين رقم 49 لسنة 1977 ورقم 136 لسنة 1981 بعد انتهاء الفترة الانتقالية.
وتشهد أروقة البرلمان مناقشات وجدالات مستمرة حول هذه التعديلات المقترحة، حيث تتباين الآراء حول مدى عدالة هذه الشروط وتأثيرها العملي على كل من الملاك والمستأجرين.
دور القانون رقم 4 لسنة 1996
يمثل القانون رقم 4 لسنة 1996 “بشأن سريان أحكام القانون المدنى على الأماكن التى لم يسبق تأجيرها والأماكن التى انتهت أو تنتهى عقود إيجارها دون أن يكون لأحد حق البقاء فيها” نقطة تحول هامة في تاريخ قوانين الإيجارات في مصر.14 فقد أخضع هذا القانون عقود الإيجار الجديدة التي أبرمت بعد تاريخ صدوره لأحكام القانون المدني، وبالتالي استثناها من نظام قانون الإيجارات القديم.14 وتخضع العقود المبرمة بعد هذا التاريخ لمبدأ “العقد شريعة المتعاقدين” ولا تسري عليها أحكام الامتداد القانوني أو تثبيت الأجرة التي كانت سائدة في القانون القديم.14 وتركز التعديلات الحالية بشكل أساسي على العقود التي تم إبرامها قبل صدور هذا القانون.
كيف ترى وجهات نظر الملاك بشأن الإيجارات القديمة؟
يرى الملاك أن قانون الإيجارات القديم كان مجحفًا بحقهم، حيث حرمهم على مدى عقود من تحقيق عائد عادل على ممتلكاتهم بسبب تجميد الإيجارات عند قيم زهيدة لا تعكس القيم السوقية الحالية.2 وقد أدت هذه الإيجارات المنخفضة إلى صعوبات مالية كبيرة للملاك في صيانة العقارات والحفاظ عليها.3 ويؤكدون أن التعديلات المقترحة، على الرغم من أنها قد تمثل تحديًا لبعض المستأجرين، إلا أنها خطوة ضرورية نحو تصحيح هذا الخلل التاريخي واستعادة حقوق الملكية.6 وقد يرى بعض ممثلي الملاك، مثل رابطة ائتلاف ملاك العقارات القديمة، أن التعديلات الحكومية جاءت مخيبة للآمال ويطالبون بتشريع جديد يركز على فترة انتقالية أقصر وزيادات أكبر في قيمة الإيجار.
وماذا عن وجهات نظر المستأجرين؟
في المقابل، يعرب المستأجرون، وخاصة ذوو الدخول المحدودة وكبار السن الذين أقاموا في هذه الوحدات لعقود طويلة، عن قلقهم البالغ إزاء التعديلات المقترحة، حيث يعتمدون بشكل كبير على الإيجارات الميسرة التي يوفرها القانون القديم.1 ويخشون من احتمالية تشريدهم ومعاناتهم من صعوبات اقتصادية إذا تم رفع الإيجارات بشكل كبير وإنهاء العقود بعد فترة انتقالية قصيرة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.2 ويستندون في آرائهم القانونية إلى التأكيد على العقد الاجتماعي الضمني الذي نشأ على مدى عقود من الإيجار بموجب القانون القديم، وعلى مسؤولية الدولة في توفير السكن الملائم لمواطنيها.4 كما يعربون عن شكوكهم حول مدى كفاية وجدوى وعود الحكومة بتوفير وحدات سكنية بديلة.1 وتطالب جمعيات المستأجرين بفترات انتقالية أطول وزيادات تدريجية في الإيجار وضمانات أقوى لتوفير السكن البديل.
وما هو وجهات نظر البرلمان والحكومة؟
تؤكد الحكومة على أن التعديلات المقترحة ضرورية للالتزام بحكم المحكمة الدستورية العليا وإعادة التوازن إلى العلاقة بين المالك والمستأجر، مع الأخذ في الاعتبار الآثار الاجتماعية المحتملة.1 وقد أعرب المسؤولون الحكوميون عن التزامهم بعدم حدوث أي إخلاء قسري دون توفير سكن بديل مناسب، مع التأكيد على مراعاة البعد الاجتماعي للقضية.1 وخلال المناقشات البرلمانية، عبر أعضاء مجلس النواب عن وجهات نظر مختلفة، بما في ذلك مخاوف بشأن التأثير الاجتماعي، ومدى كفاية الفترة الانتقالية، وحجم الزيادات المقترحة في الإيجار.1 وقد تم تشكيل لجان برلمانية لدراسة التشريع المقترح وإجراء جلسات استماع عامة لجمع آراء جميع الأطراف المعنية.
هل يمكنك ذكر حالات وأمثلة بشأن الإيجارات القديم؟
توجد العديد من الأمثلة التي توضح تأثير قانون الإيجارات القديم، حيث توجد عقارات في مواقع متميزة يتم تأجيرها بمبالغ رمزية للغاية، ويواجه الملاك صعوبات كبيرة في صيانة عقاراتهم بسبب انخفاض دخل الإيجار.3 على سبيل المثال، قد تكون هناك عمارة في حي الزمالك لا تدر على مالكها سوى بضعة جنيهات شهريًا كإيجار، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية أبسط تكاليف الصيانة.
بموجب التعديلات المقترحة، من المتوقع أن تشهد الإيجارات زيادات كبيرة. فعلى سبيل المثال، إذا كان الإيجار الشهري لوحدة سكنية خاضعة للقانون القديم هو 100 جنيه، فقد يرتفع إلى 2000 جنيه في الشهر بعد تطبيق القانون الجديد، ثم يزداد بنسبة 15% سنويًا لمدة خمس سنوات.2 وهذا يمثل عبئًا كبيرًا على المستأجرين ذوي الدخول المحدودة.
فيما يتعلق بالأماكن غير السكنية، فقد شهدت بالفعل تطبيق القانون رقم 10 لسنة 2022. فإذا كان الإيجار الشهري لمحل تجاري مؤجر لشركة بموجب القانون القديم هو 500 جنيه، فقد ارتفع إلى 2500 جنيه بمجرد تطبيق القانون، ثم بدأ في الزيادة بنسبة 15% سنويًا.