محمد العريان: اعتداءات إسرائيل على إيران تشكل صدمة سلبية للاقتصاد العالمي الذي يعيش مرحلة هشة.

محمد العريان: اعتداءات إسرائيل على إيران تشكل صدمة سلبية للاقتصاد العالمي الذي يعيش مرحلة هشة.

حذر خبير اقتصادي عالمي من أن الهجمات الإسرائيلية الأخيرة على إيران تشكل صدمة سيئة لاقتصاد عالمي يمر بمرحلة خطيرة وهشة، وتثير الكثير من المخاطر بالنسبة للنمو والتضخم في ضوء المرونة المحدودة للأدوات المالية والنقدية اللازمة للتعاطي مع مثل تلك الظروف الخطرة.

وفي مقال رأي نشرته صحيفة “فاينانشيال تايمز” رهن الخبير الاقتصادي الشهير محمد العريان رئيس “كوينز كوليدج” بجامعة كامبريدج، مدى الخطورة المرتقبة ومداها بحجم الهجوم الإسرائيلي الأحادي ومدته، غير أنه في ضوء حالة اللايقين المرتفعة أصلا، فإن الأسواق تستجيب بشكل سلبي.

وعرض العريان عدداً من الظواهر الخطرة منها أن أسعار النفط الخام يجري تداولها بنسبة 5 في المائة أعلى لترتفع نحو 70 دولاراً للبرميل، ويعد ذلك منخفضاً عن ذروته التي بلغها حين سجل في يناير 82 دولاراً للبرميل، فيما يترقب المستثمرون بشدة ردود فعل بلدان “أوبك+” لكن الأسعار عرفت مسارها للارتفاع في الأسابيع الأخيرة، ما أثار مخاوف حدوث ركود تضخمي في الاقتصاد العالمي.

كما تراجعت أسواق الأسهم، ما قاد إلى تصاعد حالة انعدام اليقين إزاء النشاط الاقتصادي مع ازدياد مخاطر أن يصبح المستلكون والمنتجون أكثر تردداً.

وفي مطلع هذا الشهر توقع البنك الدولي حدوث تباطؤ للنمو العالمي إلى 2.3 في المائة في عام 2025، وهو ما يقل بنحو نصف درجة مئوية من توقعات سابقة له صدرت في بداية العام الجاري مع أن المؤسسة الدولية لم تتوقع حدوث ركود عالمي، فإنها حذرت من أن إذا تحققت على أرض الواقع توقعاته للعامين المقبلين فإن متوسط النمو العالمي في الأعوام السبعة الأولى من العقد الثاني لهذه الألفية سيكون أبطأ نمو يسجله منذ ستينيات القرن الماضي ويفترض ذلك متوسطاً لسعر النفط الخام عند 66 دولاراً للبرميل في عام 2025، و61 دولارا للعام الذي يليه، وسط تراجع أوسع نطاقاً لأسعار الخام.

ويرى الخبير الاقتصادي الذي يعمل مستشاراً لشركتي “أوليانز” و”جرامرسي” أن البنوك المركزية سيكون حالياً تكثيف حيويتها لمواجهة ضغوط تضخمية يصعب الثقة في قدرتها على احتوائها وهذا يقلل من احتمالية أن تنجح أي عمليات تخفيض لمعدلات الفائدة في مواجهة أي تباطؤ للنمو، وفي الوقت نفسه فإن الاستجابة المادية ستأتي في وقت لا زالت فيه معدلات الفائدة مرتفعة وفي ظل حساسية أعلى من المستثمرين حيال العجوزات والديون، كما أن الموازنات قد تتعرض لمزيد من الضغوط جراء نقص حصيلة الضرائب ومطالبات زيادة الانفاق.

وقال العريان إن مثل هذه المؤثرات الاقتصادية والمالية السلبية تنطبق بشكل خاص على المملكة المتحدة ولم يكشف تقرير مراجعة الإنفاق هذا الأسبوع عن أهمية النمو الاقتصادي فحسب، بل أبرز أيضاً مدى خطورة تعرض الأسر المثقلة بالضغوط لمزيد من الضرائب في ميزانية أكتوبر المقبلة.

ويجادل العريان بأن الاقتصاد العالمي يواجه مؤثرات سلبية غير مباشرة فحالة انعدام اليقين التي يشعلها الثوران الجديد للشرق الأوسط يمكن اعتبارها عنصراً مضافاً لعملية التآكل المستمرة في النظام الاقتصادي العالمي بقيادة الولايات المتحدة، فضلاً عن تحفيز عوامل التفتت الاقتصادي وتقويتها وفي المقابل، فإن ذلك سيشجع الدول على إبداء ثقة أقل في الآليات المشتركة لاحلال الاستقرار ما سيدفعها بدلاً من ذلك إلى تبني تدابير للتأكيد على صلابتها الذاتية داخل حدودها وفي نهاية المطاف سيصب ذلك في خانة الإضرار بالاقتصاد العالمي.

ويؤكد الخبير الاقتصادي أنه لا يمكننا إغفال أهم معيارين ماليين عالميين سندات الخزانة الأمريكية والدولار، وقد كان رد فعلهما المبدئي تجاه الهجوم الإسرائيلي ضعيفاً نسبياً فقد ارتفع كلاهما لكنهما لم يحققا “مكاسب الملاذ الآمن” التي كنا نتوقعها في ضوء التجارب التاريخية وهذا يعد مؤشر مهم على المدى الطويل.

ونظراً للنفوذ بعيد المدى الذي مارسته الولايات المتحدة على الاقتصاد العالمي وطول أمد حالة التفرد والاستثنائية الاقتصادية التي تمتعت بها فإن الكثير من بقية دول العالم “بالغوا” في قيمة الدولار والأصول الأمريكية بوجه عام لذا فكلما انحسر دور الأمريكي كلاعب محوري في النظام العالمي، كلما زاد الحافز لدى الدول لتقليص مبالغاتها، وفق تأكيد العريان.

وبغض النظر عن الطريقة التي تنظر إليها من ناحية التأثيرات الاقتصادية والمالية، يؤكد العريان أن “التطور الأخير في الشرق الأوسط يعد أنباء سيئة جاءت في وقت ردئ فهي تُذكِّر الاقتصادات والأسواق بأنه ينبغي عليها التعامل مع مجموعة متزايدة من عوامل زعزعة الاستقرار السياسي والجيو سياسي، كما أنه يشجع على التحرك التدريجي من البنية الاقتصادية القائمة إلى بنية أخرى أكثر تشظياً وتنطوي على مخاطر أكبر لعدم الاستقرار المالي.”