هل يؤدي تخفيض الفائدة إلى تسريع نشاط الطروحات في السوق المالية؟

هل يؤدي تخفيض الفائدة إلى تسريع نشاط الطروحات في السوق المالية؟

مع تراجع أسعار الفائدة فى السوق المصري تتجه أنظار السوق إلى الطروحات العامة المرتقبة، في ظل آمال بأن تسهم الفائدة المنخفضة في خفض معدلات الخصم والتي ستعزز من جاذبية الأسهم المُدرجة حديثًا.

وبينما تؤكد النظرية المالية أن تراجع الفائدة يرفع من القيم العادلة للأصول، يرى خبراء أن نجاح الطروحات لا يعتمد فقط على أرقام التقييمات، بل يتوقف على قدرة مدير الطرح على الترويج الفعّال للفرص الاستثمارية، وجودة الورقة المالية، بالإضافة إلى عدة عوامل أخرى.

عوني: نجاح الاكتتابات مرهون بالترويج الجيد

وقال سيف عوني، العضو المنتدب لشركة إيليت للاستشارات المالية، إن انخفاض أسعار الفائدة ينعكس إيجابيًا على تقييمات الشركات من الناحية النظرية، إذ يؤدى تراجع معدلات الخصم المستخدمة في نماذج التدفقات النقدية إلى رفع القيمة الحالية للأسهم، ومن ثم رفع قيمتها العادلة.

وأوضح أن التأثير العملي لانخفاض الفائدة على الطروحات مرهون بقدرة مدير الطرح على الترويج الجيد للسهم، وإقناع المستثمرين بأن العائد المتوقع يفوق العائد المتاح على أدوات الدخل الثابت، مشيرًا إلى أن هذا العامل هو الفيصل في نجاح الطرح، وليس انخفاض الفائدة وحده.

وأضاف أن الدور الحاسم في الطروحات يعود إلى قدرة مدير الطرح على تسويق القصة الاستثمارية بشكل احترافي، وليس فقط تقديم أرقام وتقييمات على الورق، فحتى مع ارتفاع القيمة العادلة للسهم نتيجة تراجع الفائدة، قد لا ينجح الطرح إذا لم يتم تسويقه بفاعلية.

وشدد على أن انخفاض الفائدة يمثل “عاملًا مساعدًا” فقط، لكنه لا يكفى لإنجاح الطروحات دون وجود رؤية ترويجية واضحة، مضيفًا أن الأرقام قد تكون مغرية، لكن غياب الترويج الاحترافي قد يُفشل الطرح.

من الناحية الفنية، يؤدي تراجع الفائدة إلى انخفاض معدل الخصم المستخدم في نماذج التقييم المالي، ما يرفع من القيمة الحالية للتدفقات النقدية المتوقعة، ويعزز من التقييمات العادلة للشركات، غير أن نجاح الطرح لا يتوقف على الأرقام وحدها، بل على قدرة مدير الطرح في تسويق القصة الاستثمارية.

قباني: السوق مهيأ لانتعاشة بدءًا من النصف الثاني

قال هيثم قباني، الرئيس التنفيذي لشركة بيتا كابيتال للاستشارات المالية، إن خفض الفائدة لا يعني بالضرورة تسريع الشركات لخطط الطرح، بل قد يدفع بعضها إلى التراجع مؤقتًا عن هذه الخطط، في ظل انخفاض تكلفة الاقتراض من البنوك، ما يجعل خيار التمويل البنكي أكثر جاذبية من التنازل عن حصص ملكية.

وأوضح أن الاتجاه النزولي للفائدة يجعل الشركات تعيد تقييم مصادر تمويلها، لاسيما مع تراجع تكلفة الدين مقارنة بالإصدار العام، موضحا أن الرواج في سوق الطروحات لن يكون بالضرورة فور خفض الفائدة، بل سيظهر تدريجيًا خلال النصف الثاني من العام.

وأضاف قباني، أن السوق حاليًا مهيأ لاستقبال طروحات جديدة، سواء حكومية أو خاصة، في ظل التراجع المستمر في العائد على أدوات الادخار، ما يعيد توجيه السيولة نحو البورصة، خصوصًا من المستثمرين الأفراد الذين كانوا يعتمدون على الشهادات الادخارية ذات العائد المرتفع.

وكشف عن اختيار شركة “برايم القابضة” لإدارة طرح شركة “هيدج ستون”، ضمن خطة طروحات مرتقبة في السوق مما يؤكد على جاهزية السوق، متوقعًا أن يشهد النصف الثاني من العام الجاري بين 4 إلى 6 طروحات جديدة، بالتزامن مع مزيد من الخفض في أسعار الفائدة والتي قد تنخفض بنحو 3 إلى 5% حتى نهاية العام، مشيرًا إلى أن كسر مستوى 20% في أسعار الفائدة سيكون نقطة تحول تدعم عودة النشاط بقوة.

ويرتبط نجاح الطروحات في النصف الثاني من العام الجاري بمدى كفاءة الترويج، وتوافر شركات جاهزة للطرح بقصص نمو واضحة، إلى جانب تحسن معنويات المستثمرين واستقرار الأوضاع الاقتصادية والمالية، وهي عوامل يرى محللون أنها بدأت تتشكل تدريجيًا في السوق المصري.

مسعود: القطاع الخاص يقود موجة الإدراج المقبلة

وقال محمد فاروق مسعود، العضو المنتدب لشركة «جلوبال إنفيست» لتداول الأوراق المالية، إن تأثير تراجع أسعار الفائدة على برنامج الطروحات يظل محدودًا في الوقت الراهن، إذ ما زالت معدلات الفائدة عند مستويات مرتفعة تتجاوز 20%، وهو ما يبقي كلفة الاقتراض مرتفعة ويجعل الطرح في البورصة خيارًا جذابًا نسبيًا لبعض الشركات.

أضاف أن الانخفاض التدريجي في الفائدة قد ينعكس إيجابيًا على السوق، لا سيما مع تفهم الشركات لأهمية القيد في البورصة كأداة تمويلية لا تتطلب دفع فوائد بل توزيع أرباح على المساهمين، مشيرًا إلى أن التحسن في بيئة الطروحات سيكون تدريجيًا مع مزيد من خفض الفائدة.

وتوقع مسعود أن يشهد القطاع الخاص نشاطًا ملحوظًا في الطروحات خلال الفترة المتبقية من العام، قبل أن تتباطأ وتيرته العام المقبل في حال سجلت الفائدة مزيدًا من التراجع، ما قد يدفع بعض الشركات إلى تفضيل التمويل البنكي الأرخص على حساب الطرح.

ورأى أن بعض القطاعات ستكون أكثر استعدادًا للاستفادة من بيئة الفائدة المنخفضة، أبرزها شركات البتروكيماويات والخدمات المالية غير المصرفية، والتي قد تشهد رواجًا في الطروحات خلال المرحلة المقبلة.

عمارة: تراجع الفائدة يدعم تسريع الطروحات الحكومية

ومن جانبه قال ياسر عمارة، العضو المنتدب لشركة إيجل للاستشارات المالية، إن خفض أسعار الفائدة من شأنه تعزيز جاذبية سوق المال أمام المستثمرين، نظرًا لانخفاض العائد على الأدوات الادخارية، بما يدفع شريحة من المدخرين لتحويل جزء من استثماراتهم إلى البورصة باعتبارها بديلًا ذا عائد أعلى، سواء من خلال توزيعات الأرباح أو ارتفاع أسعار الأسهم.

وأوضح أن الأثر الإيجابي لخفض الفائدة يمتد كذلك إلى جانب العرض، لاسيما الشركات المُنتظر طرحها ضمن برنامج الطروحات الحكومية، إذ يساهم انخفاض الفائدة في خفض العائد الخالي من المخاطر، وهو أحد المكونات الرئيسية في احتساب معدل الخصم الذي يُستخدم لتحديد القيمة العادلة للسهم، ما يُترجم في النهاية إلى تقييمات أكثر جاذبية تدعم شهية المستثمرين.

ورجّح عمارة أن يشهد النصف الثاني من العام الجاري نشاطًا استثنائيًا في تنفيذ برنامج الطروحات، مدعومًا باستقرار المؤشرات الكلية، وتزايد ثقة المستثمرين في ضوء استقرار سعر الصرف وتوقع تدفقات استثمارية من دول الخليج، خاصة في ظل النموذج الجديد الذي تطبقه وزارة المالية في إصدارات الصكوك الدولارية بضمان أصول الدولة.

وأضاف أن البورصة أصبحت مهيأة حاليًا لاستقبال طروحات من الحجم الكبير، خاصة مع تجاوز متوسط التداول اليومي 5 مليارات جنيه، إلى جانب توافر سيولة لدى المؤسسات والصناديق المحلية والخليجية.

وأشار إلى أن الشركات التي تعتمد على التمويل البنكي ستتمهل في اتخاذ قرارات اقتراض جديدة لحين اتضاح مسار الفائدة، مع توقعات باستمرار الاتجاه التيسيري حتى نهاية العام، لتتراوح أسعار الفائدة بين 14% و16%، ما يعزز دورة النشاط الاقتصادي.

ولفت إلى أن التأثير الإيجابي لانخفاض الفائدة يشمل معظم القطاعات المدرجة، باستثناء قطاع البنوك، الذي يعتمد على إعادة توظيف السيولة لدى البنك المركزي بعوائد مرتفعة وخالية من المخاطر، مما قد يحد من استفادته نسبيًا.

ومعدل الخصم هو النسبة التي تُستخدم في النماذج المالية لتحويل القيمة المستقبلية للنقود إلى قيمتها الحالية، ويُعد عنصرًا أساسيًا في تقييم الاستثمارات وتحديد القيمة العادلة للأصول.

ويُستخدم المعدل لتقدير القيمة الحالية للتدفقات النقدية المتوقعة من مشروع أو أصل مالي، وبالتالي كلما ارتفع معدل الخصم، انخفضت القيمة الحالية، والعكس صحيح.

ويعكس معدل الخصم عدة عوامل منها تكلفة الفرصة البديلة، ومعدل العائد المطلوب، والمخاطر المرتبطة بالاستثمار، وقد يتم احتسابه باستخدام متوسط تكلفة رأس المال المرجح أو معدل العائد الخالي من المخاطر مضافًا إليه علاوة مخاطرة.

فهمي: الفائدة ليست العامل الحاسم الوحيد

قال هيثم فهمي، خبير أسواق المال، إن قرار الشركات بالطرح في البورصة غالبًا ما يكون لأغراض تمويلية، لكنه قد يكون أيضًا بهدف التخارج، أو خلق قيمة سوقية، أو أغراض استراتيجية أخرى، مشيرًا إلى أن سعر الفائدة يُعد محفزًا لكنه ليس العامل الوحيد المؤثر في قرار الطرح.

وأوضح أن الشركات التى تطرح بغرض التمويل تعتمد في قرارها بشكل أساسي على متوسط التكلفة المرجح لرأس المال، والذي يختلف من شركة لأخرى حسب حجم ديونها وتقييمها السوقي.

وتوقع فهمي أن يشهد النصف الثاني من العام نشاطًا أكبر في سوق الطروحات، مدفوعًا بتبسيط الإجراءات التنظيمية، وارتفاع مستويات السيولة داخل السوق خلال الفترة الماضية، لكنه ربط تسارع وتيرة الطروحات بدرجة أكبر بمستوى الاستقرار في المشهد الاقتصادي العالمي وظروف السوق المحلي، وليس فقط بمستوى الفائدة.

وأشار إلى أنه لا يمكن تحديد قطاع بعينه مرشح للريادة في الطروحات، لأن كل شركة تحدد قرارها بناءً على أهدافها الخاصة من الطرح.
وفيما يتعلق بتأثير سعر الفائدة على تقييم الشركات، أوضح فهمي أن التأثير يكون محدودًا نسبيًا، إذ أن خفض الفائدة المتوقع خلال العام الجاري ليصل إلى حدود 20%، قد يؤدي إلى زيادة في التقييم لا تتجاوز 3% في بعض الحالات، خاصة عند استخدام نموذج “خصم التدفقات النقدية، وهو أحد أساليب التقييم وليس الوحيد.

وأضاف أن تحديد “معدل الخلو من المخاطر” في نموذج التدفقات النقدية لا يعتمد على سعر الفائدة المعلن من البنك المركزي، بل على متوسط العائد على السندات طويلة الأجل، عادة لأجل 10 سنوات، وهو معدل لا يتغير بشكل سريع مع كل تعديل في سعر الفائدة.