توطين الصناعة: أداة استراتيجية في أوقات النزاع

فى خضم التحديات الجيوسياسية المتصاعدة التى تؤثر على سلاسل الإمداد العالمية، وآخرها الحرب الإيرانية الإسرائيلية، تحولت استراتيجية توطين الصناعة من مجرد خيار اقتصادي إلى ضرورة قصوى فى يد الدولة لتعزيز أمنها وتحصينها ضد صدمات سلاسل الإمداد.
وأكد مستثمرون لـ”البورصة”، أن الأزمات الاقتصادية المتلاحقة، وتحديدا تداعيات جائحة كورونا وما تلاها من الحرب الروسية الأوكرانية وغيرها ، دفعت مصر إلى ضع توطين الصناعة على رأس أولويتها لضمان استمرار عمل المصانع وتوفير احتياجات السوق المحلي من السلع الاستراتيجية، ما يعزز من مرونتها وقدرتها على الصمود فى مواجهة أى تحديات عالمية جديدة.
الدسوقي: المنتجات الغذائية والقطاعات الزراعية على رأس الأولويات
قال كمال الدسوقي عضو اتحاد الصناعات ، إن توطين الصناعة يمثل سياسة راسخة وتوجهًا استراتيجيًا تبنته الدولة ضمن رؤية مصر 2030، فمع الأزمات العالمية المتتالية، رغم تأثيرها السلبي العام، إلا أنها تخفف من حدة أعبائها كلما ارتفعت نسبة التوطين والاعتماد على تلبية احتياجات السوق من الداخل.
أضاف أن هذا التوجه يقلل بشكل كبير ، الاعتماد على سلاسل الإمداد العالمية وما يرد من الخارج، ليقتصر على الضرورات القصوى فقط.
وأوضح، أن الهجمات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، والتي وصفها بـ “الحرب الخطيرة” التى قد تمتد لتشمل دولاً أخرى، تدفع مصر مجددًا نحو تعزيز الاعتماد على الصناعات المحلية، ففى تقديره، تعد هذه الصناعات هى القادرة على دعم الدولة وتحمل العبء فى أوقات الأزمات.
وشدد على أن جميع القطاعات باتت ذات أولوية قصوى فى مسار التوطين حاليًا، وتأتي المنتجات الغذائية والقطاعات الزراعية على رأس هذه الأولويات، تليها العديد من القطاعات الصناعية الأخرى.
حافظ: استمرار التوترات الإقليمية سيؤثر بشكل واضح على تكلفة النقل
وقال أحمد حافظ رئيس المجلس التصديري لمواد البناء والحراريات والصناعات المعدنية، إن استمرار التوترات الإقليمية الحالية سيؤثر بشكل واضح على تكلفة النقل، ما سينعكس على أسعار المنتج النهائي فى مختلف القطاعات الصناعية، وهو ما يعزز من أهمية الإسراع بتوطين الصناعات المحلية لتقليل حجم التأثر.
أضاف أن تأثيرات الأوضاع الجيوسياسية لن تقتصر على مصر فقط، وإنما ستمتد إلى جميع الأسواق العالمية، وهو ما يتطلب تحركًا سريعًا لتقليل الاعتماد على الخارج وتعزيز الإنتاج المحلى.
بشر: الحكومة ستسرع خطواتها فيما يخص مشروعات الطاقة واستخراج الغاز
في السياق نفسه، قال حازم بشر عضو المجلس التصديري للصناعات الكيماوية والأسمدة، إن الحكومة من المتوقع أن تسرع خطواتها فيما يخص توطين مشروعات الطاقة، لاسيما فى مجال استخراج الغاز، لما لذلك من تأثير مباشر على الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، خاصة صناعة الأسمدة.
أضاف أن مشروع توطين إنتاج «الصودا آش» يعد من النماذج المهمة الجارى العمل عليها حاليًا بالتعاون بين الحكومة والقطاع الخاص، بالشراكة مع مستثمر صينى، لافتًا إلى أن المشروع سيقام فى منطقة العلمين الجديدة ومن المقرر افتتاحه قريبًا، ما يمثل خطوة متقدمة نحو تقليل الواردات في هذا القطاع الحيوي.
مبروك: “الأجهزة الكهربائية” تسعى لتوسيع قاعدة الشراكات الصناعية
وقال حسن مبروك، رئيس شعبة الأجهزة الكهربائية بغرفة الصناعات الهندسية باتحاد الصناعات، إن توطين الصناعة أصبح أولوية قصوى لمختلف القطاعات، خاصة فى ظل التحديات التى واجهتها المصانع المحلية خلال فترة التوترات الأزمات الاقتصادية بسبب نقص مستلزمات الإنتاج.
أضاف أن الغرفة كانت من أوائل الجهات التى بادرت بالتحرك عند تعطل عدد من خطوط الإنتاج، مشيراً إلى أن المرحلة الراهنة تشهد تركيزاً كبيراً من الغرفة على جذب الشركات الأجنبية وتوسيع قاعدة الشراكات الصناعية، بما يسهم في تعزيز التصنيع المحلي وتقليل الاعتماد على المكون المستورد.
وأشار إلى أن قطاع التكييفات يُعد من أبرز القطاعات التى شهدت دخول استثمارات أجنبية حديثاً، إذ تستعد شركتا “أوكس” و”هايسينس” لتدشين مصنعين جديدين فى منطقتى خليج السويس والسادات، على أن يتم افتتاحهما خلال النصف الثانى من العام المقبل.
الصياد: يجب تنويع مصادر الاستيراد وتقليل الاعتماد على مورد واحد كالصين
وقال شريف الصياد رئيس المجلس التصديرى للصناعات الهندسية، إن التوترات الجيوسياسية التى تشهدها المنطقة فى الوقت الراهن ستؤدى إلى انعكاسات مباشرة على أسعار الشحن والبترول، وهو ما سيؤثر بدوره على أسعار المنتج النهائى، مشيرًا إلى أن هذا الوضع سيدفع الحكومة لتكثيف جهودها بشأن توطين المنتجات الصناعية.
أضاف أن استمرار الحرب لفترة أطول سيدفع العديد من الدول إلى البحث عن طرق شحن بديلة تتمتع بمخاطر أقل .. الأمر الذى سينعكس على زيادة تكلفة النقل، كما أن أسعار البترول مرشحة أيضًا للارتفاع فى ضوء تطورات الأزمة، وهو ما سيضيف أعباءً جديدة على تكلفة الإنتاج.
وأشار الصياد، إلى أن هذه المعطيات ستدفع الدولة نحو الإسراع في تنفيذ استراتيجية توطين المنتجات الصناعية، بهدف تقليل فاتورة الاستيراد والحد من تداعيات أي اضطرابات خارجية على الاقتصاد المحلي.
ولفت إلى أن توطين المنتجات يمثل توجهًا استراتيجيًا لا يرتبط فقط بالأزمات الحالية، بل يستهدف خفض التكلفة النهائية للمنتج المحلي، وزيادة تنافسيتها التصديرية، مشيرًا إلى أن الاعتماد على مكونات وعناصر إنتاج محلية سواء فى العمالة أو الخامات يمنح المنتج مرونة أكبر في ضبط التكلفة، ويوفر فرصة للتوسع في الإنتاج.
وأوضح أن بعض المنتجات يصعب توطينها بسبب عدم توافر خاماتها الأساسية في مصر، لذلك من الضروري تنويع مصادر الاستيراد وتقليل الاعتماد على مورد واحد، مثل الصين، التي تعد المورد الرئيسي لمكونات إنتاج عديدة في السوق المحلي.
عبدالسلام: مصر تمتلك مقومات قوية تؤهلها لتكون مركزا إقليميا للتصنيع
وقال محمد عبد السلام رئيس غرفة صناعة الملابس الجاهزة، إن توطين الصناعة فى التوقيت الحالى أصبح ضرورة اقتصادية خاصة فى ظل الأزمات العالمية المتتالية التى تعيد التفكير فى مفاهيم سلاسل الإمداد، ومصر من الدول التى بدأت نحو توطين الصناعة لتعزيز آمنها وتفادى الأزمات.
أضاف لـ “البورصة”، أن التحدى الأساسي لا يقتصر فقط على إنشاء مصانع جديدة لكن فى القدرة على تعميق منتجات بعينها تحقق الاكتفاء المحلى من مستلزمات الإنتاج المستوردة.
وأوضح عبدالسلام، أن مصر تمتلك مقومات قوية تؤهلها لتكون مركزا إقليميا للتصنيع فى أكثر من قطاع ، مع التأكيد على أن يكون الاستثمار مرتبط بالتعليم الفنى وتحديث المواصفات والجودة.
حنفي: أولوية قصوى لتوطين صفيح المعلبات والألومنيوم الفويل
وقال محمد حنفي، المدير التنفيذي لغرفة الصناعات المعدنية باتحاد الصناعات، إن أبرز المنتجات التى لها أولوية قصوى فى التوطين حاليا، تشمل صفيح المعلبات، والألومنيوم الفويل، وعبوات الكانز المستخدمة فى التعبئة، بالإضافة إلى الصاج البارد والساخن.
وأضاف أن توطين هذه المنتجات سيدعم القطاع الصناعي بشكل كبير، كما سيسهم فى خفض الضغط على العملة الأجنبية وتعزيز تنافسية السوق المحلى.