آسيا تتصدر التحول نحو السيارات الكهربائية عالمياً مع تراجع حصة تسلا وأوروبا
ذكرت أحدث التقارير الاقتصادية عن صناعة السيارات الكهربائية أن آسيا ترسخ موقعها حاليا كمركز رئيسي لثورة السيارات الكهربائية عالميًا، مدفوعةً باتساع الأسواق الاستهلاكية، وتطور البنية التحتية، والسيطرة الفعلية على سلاسل الإمداد والمواد الخام الأساسية.
وفي المقابل، تواجه شركات كبرى مثل “تسلا” والمصنعون الأوروبيون التقليديون تراجعًا في الحصة السوقية وضغوطًا متزايدة من المنافسين الآسيويين.
وتشير تقديرات وحدة المعلومات الاقتصادية التابعة لمجلة “الإيكونوميست” إلى أن آسيا ستستحوذ على 63% من إجمالي مبيعات السيارات الكهربائية البالغة 115 مليون مركبة خلال الأعوام الخمسة المقبلة، مع توقعات بأن تمثل السيارات الكهربائية نحو 40% من إجمالي مبيعات السيارات الجديدة في القارة بحلول عام 2028.
وتقود الصين هذا التحول بقوة، حيث أنتجت في عام 2022 وحده نحو 3.3 ملايين سيارة كهربائية، ما يمثل نموًا بنسبة 400% مقارنة بعام 2019. هذا الرقم يفوق المبيعات العالمية المسجلة في عام 2020، ويمنح الشركات الصينية ميزة وفورات الحجم، ما يؤدي إلى انخفاض كلفة الإنتاج وزيادة القدرة التنافسية.
وتشكل البنية التحتية عاملًا حاسمًا في هذا التقدم، إذ تدير الصين أكثر من 800 ألف محطة شحن عامة، منها 760 ألف محطة شحن سريع، ما يمثل حوالي ثلثي شبكة الشحن العالمية. ويتوقع أن تتم إضافة نحو 35 ألف محطة جديدة على الطرق السريعة بحلول نهاية 2024. أما كوريا الجنوبية، فقد دعّمت أسطولها الصغير نسبيًا من السيارات الكهربائية – والذي يبلغ نحو 299 ألف مركبة – بشبكة قوية من 170 ألف محطة شحن، منها 35 ألفًا في العاصمة سيول وحدها.
وفي جنوب شرق آسيا، تشهد دول مثل إندونيسيا وفيتنام توسعًا سريعًا في البنية التحتية، مع تطور شبكات حضرية في مدن مثل جاكرتا وهو تشي منه، بينما تقدم تايوان نموذجًا متطورًا من خلال شبكتها الواسعة للدراجات الكهربائية “جوجورو”.
وتعزز هذه الاستثمارات المبكرة في البنية التحتية تحول المركبات الكهربائية من كونها رفاهية إلى وسيلة نقل يومية فعالة في مختلف أنحاء آسيا. كما أن تفوق الصين في إنتاج وتكرير المعادن الأساسية المستخدمة في البطاريات – مثل الليثيوم والكوبالت والنيكل والغرافيت – منحها موقع الصدارة في سلاسل التوريد العالمية. وتسيطر الصين حاليًا على أكثر من 60% من إنتاج أقطاب وبطاريات الليثيوم أيون عالميًا.
من جهتها، سجلت إندونيسيا إنجازًا نوعيًا، إذ ارتفعت حصتها من النيكل المكرر من 6% في عام 2009 إلى 61% في عام 2024، وذلك بفضل سياسة حظر تصدير الخامات الخام وتوجيهها نحو صناعة البطاريات.
وتدير شركات آسيوية كبرى مثل “هوايو كوبالت” شبكات تعدين في آسيا وإفريقيا، ما يعزز سيطرة القارة على الإمدادات الحيوية. وانخفضت تكلفة البطاريات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ إلى أقل من 140 دولارًا لكل كيلوواط/ساعة، ومن المتوقع أن تهبط إلى 80 دولارًا بحلول عام 2030، وهو ما يمنح المصنعين الآسيويين ميزة في تقديم سيارات أكثر كفاءة وأقل تكلفة.
أما شركة “تسلا”، التي كانت رائدة في الابتكار، فقد بدأت تواجه صعوبات ملحوظة. ففي الصين، تشير تقارير وكالة بلومبرج إلى تراجع مبيعاتها بنسبة تصل إلى 49%، نتيجة المنافسة الشرسة من شركات محلية مثل BYD وXpeng وLeapmotor التي تقدم نماذج أرخص وأكثر تطورًا من الناحية التقنية. كما لم يحقق نظام “القيادة الذاتية الكاملة” من تسلا، الذي يبلغ سعره نحو 9 آلاف دولار، الجاذبية المتوقعة لدى المستهلكين الصينيين الذين اعتادوا على تحديثات تقنية أسرع وأكثر مرونة.
وعلى الصعيد الأوروبي، تراجعت تسليمات تسلا بنسبة 49% في أبريل 2025، رغم النمو العام في سوق السيارات الكهربائية هناك، بينما سجلت انخفاضًا بنسبة 36% في المملكة المتحدة خلال مايو، بحسب وكالة بلومبرج.
ويعزز ذلك مكانة الشركات الصينية في السوق الأوروبية، حيث نجحت موديلات مثل BYD Dolphin في منافسة موديل 3 من تسلا، ما دفع المستهلكين إلى إعادة النظر في معايير القيمة والابتكار.
وتواجه الصناعة الأوروبية – كذلك – تحديات جذرية، حيث تراجعت حصة “ستيلانتيس” إلى 2.7% من السوق العالمية للسيارات الكهربائية، و”فولكسفاغن” إلى 6.6%، و”مرسيدس” إلى 1.9% فقط، وفق بيانات منتصف عام 2024.
يأتي ذلك في ظل توقف برامج الدعم الحكومي، وارتفاع تكاليف العمالة، وصعوبة الوصول إلى بطاريات منخفضة التكلفة، إلى جانب تخلف أوروبا في تقنيات البطاريات والقيادة الذاتية مقارنة بالصين.
ويقوم تفوق آسيا – في هذا السباق – على تكامل الطلب المحلي الهائل، والاستثمارات الواسعة في البنية التحتية، والسيطرة على الموارد.
وفي المقابل، يبدو أن الشركات الغربية التي لا تسرع من وتيرة انخراطها في المنظومة الآسيوية ستجد نفسها في موقع متأخر عن الركب العالمي.
ويشير خبراء إلى أن الحفاظ على القدرة التنافسية العالمية يتطلب من المصنعين الكبار تبني سياسات توسعية في آسيا، وتوطين سلاسل التوريد، وتطوير بنية تحتية موازية، وتقديم سيارات غنية تقنيًا وبأسعار مناسبة، على غرار النماذج التي تقدمها الشركات الصينية حاليًا.
المصدر:
وكالة أنباء الشرق الأوسط