أحمد عادل يكتب عن آفاق شركات التكنولوجيا الناشئة والأجهزة القابلة للارتداء في مصر

أحمد عادل يكتب عن آفاق شركات التكنولوجيا الناشئة والأجهزة القابلة للارتداء في مصر

تشهد مصر، اليوم، مرحلة فارقة في رحلتها نحو التحول الرقمي، وهي مرحلة تُعيد رسم ملامح الاقتصاد الوطني من خلال دعم ريادة الأعمال وتعزيز دور الشركات الناشئة، خاصة في القطاعات التكنولوجية المرتبطة بالتصنيع المحلي.

من بين أبرز المجالات التي باتت تشكل محورًا للاهتمام والنمو قطاع تصنيع الإلكترونيات، وخصوصًا الأجهزة الذكية القابلة للارتداء والذي يجمع بين الابتكار، التخصص، والطلب المتزايد محليًا وإقليميًا.

وقد شهدت السنوات القليلة الماضية جهودًا ملموسة من الدولة لتهيئة بيئة مواتية لنمو الشركات الناشئة، من خلال إطلاق مبادرات مثل حاضنات الأعمال، وبرامج دعم الابتكار، والتمويل التنافسي، وتوفير بنية تحتية رقمية متطورة.

كل هذه السياسات مجتمعة ساهمت في خلق مناخ محفز لريادة الأعمال، ما شجّع على بروز شركات تكنولوجية مصرية قادرة على المنافسة إقليميًا وعالميًا.

ولا يمكن إغفال دور المؤسسات التعليمية والجامعات المصرية التي بدأت في السنوات الأخيرة توجيه اهتمام أكبر للتكنولوجيا وريادة الأعمال من خلال إنشاء مراكز للابتكار، وشراكات مع القطاع الصناعي، مما يوفر بيئة معرفية داعمة لظهور حلول محلية ذات جدوى اقتصادية عالية.

وفي هذا السياق تمثل CardoO نموذجًا مصريًا واقعيًا لهذا التحول، استطاع أن يجمع بين التصنيع المحلي والابتكار التقني .

وخلال عام 2025 ، أمكنها أن تحقق نموًا استثنائيًا في الإيرادات السنوية تجاوز 700% مقارنة بالعام السابق، في حين لم يتجاوز معدل النمو العالمي لسوق الأجهزة القابلة للارتداء نسبة 5.4% عام 2024، مما يعد شهادة حية على قدرة الشركات المصرية على تحقيق التفوق حين تتوفر الرؤية والاستراتيجية والدعم المطلوب.

اقرأ أيضا: كيف تتحرك الشركات الناشئة للتوسع في قطاعي الشحن والنقل؟

لقد بدأنا في CardoO ، برؤية واضحة هي تقديم أجهزة ذكية مبتكرة للمستهلك المصري والعربي، بأسعار مناسبة، مع التركيز على الجودة وسهولة الاستخدام.

وقد ساعدنا في هذا المسار التوسع الكبير في قاعدة المستخدمين، والتي تجاوزت 150 ألف مستخدم نشط في مصر، ومعدل استخدام يومي يصل إلى ساعة لكل مستخدم.

هذه الثقة تُعد وقودًا لنمونا، ودليلًا على أن المستخدم أصبح في قلب عملية التطوير لدينا.

كما شهد عام 2025 توسعًا ملحوظًا في محفظة منتجات CardoO، والتي نمت من 4 منتجات إلى أكثر من 15 منتجًا، تتنوع بين ساعات وسماعات ذكية، أجهزة تتبع صحية، مكبرات صوت، بالإضافة إلى ملحقات تقنية مثل الشواحن وبنوك الطاقة، وجميعها يتم تطويرها محليًا بالتعاون مع شركاء تصنيع مصريين، في خطوة تعزز سلاسل القيمة وتخلق فرص عمل متخصصة في قطاع التكنولوجيا.

التحديات الهيكلية أمام الشركات الناشئة في مجال تصنيع الإلكترونيات

رغم هذه الإنجازات، فإن طريق الشركات الناشئة في مجال الإلكترونيات الذكية ليس مفروشًا بالورود. فثمة تحديات جوهرية يجب التعامل معها بجدية، إذ لا تزال سلاسل التوريد المحلية تعاني من ضعف يجعل العديد من المكونات تعتمد على الاستيراد، ما يزيد من التكاليف ويعرض الصناعة للتقلبات العالمية.

كما تواجه هذه الشركات صعوبة في الوصول إلى تمويل طويل الأجل يمكّنها من تنفيذ توسعات صناعية مستدامة.

وتبقى فجوة المهارات الفنية من أبرز التحديات، إذ ما زال هناك نقص في الكفاءات المتخصصة بمجالات مثل تصميم الدوائر الإلكترونية، والبرمجيات المدمجة، وتطبيقات الذكاء الاصطناعي.

يضاف إلى ذلك التعقيدات الإدارية والبيروقراطية التي تعطل الحصول على التراخيص وتعيق النفاذ السلس إلى الأسواق الخارجية.

ولمواجهة هذه التحديات، فإن هناك حاجة إلى تبني مجموعة من الحوافز والسياسات الاستراتيجية التي تدفع بالشركات التكنولوجية المصرية نحو العالمية.

ويتطلب الأمر توفير صناديق تمويل متخصصة للصناعات التكنولوجية المتقدمة، وتبسيط الإجراءات الجمركية والإدارية عبر نظام الشباك الواحد، فضلًا عن تعزيز التعاون بين الجامعات والشركات لتأهيل الكوادر الفنية وتطوير المهارات.

كما ينبغي التوسع في إنشاء مناطق صناعية ذكية تتيح بنية تحتية متكاملة للشركات، مع دعم جهود التصدير من خلال المعارض الدولية وتقديم خدمات تسويقية ولوجستية تساعد في التوسع الخارجي، فالمنتج المصري يحتاج فقط إلى منصة للعرض، وثقة تؤسسها الجودة والابتكار.

مصر نقطة الانطلاق نحو الخليج وأفريقيا

وتعد الأسواق الخليجية والأفريقية فرصة واعدة للشركات المصرية الناشئة في مجال التكنولوجيا، لما تتمتع به من نمو سكاني سريع، وارتفاع في معدلات التبنّي الرقمي، واحتياج فعلي لحلول ذكية ميسورة التكلفة.

اللافت أن العديد من الدول الأفريقية تسعى اليوم لتبني نماذج رقمية أكثر تطورًا، ويُعد السوق المصري أقرب من حيث الثقافات وتكلفة التصنيع، ما يعطي الشركات المصرية ميزة تنافسية قوية في هذا الاتجاه.

في هذا السياق، تستعد CardoO لإطلاق عملياتها في السعودية خلال الربع الثالث من 2025، ضمن خطة توسع تشمل الخليج وأفريقيا، مع دراسة أسواق ناشئة مثل أمريكا اللاتينية.

وقد شاركنا بالفعل في فعاليات تقنية إقليمية كبرى مثل GITEX Africa وLEAP، لبناء شبكة شركاء استراتيجيين وتقديم منتجاتنا لجمهور أوسع.

التصنيع المحلي هو الرهان الحقيقي

في النهاية يعزز التصنيع المحلي من قدرة الشركات المصرية على بناء منظومة تكنولوجية مستقلة، ويوفر سرعة في الاستجابة لمتغيرات السوق، ويقلل من تكاليف الإنتاج، ويمنحها مرونة أكبر لتقديم حلول تتماشى مع متطلبات المستهلك المصري والعربي.

وفي ظل هذا المشهد المتطور، تصبح التكنولوجيا المصرية مرشحة لتكون في قلب المستقبل، إذا ما استمرت الدولة في دعم هذه المنظومة، من خلال سياسات ذكية وشراكات استراتيجية تدمج بين الطموح الريادي والرؤية الاقتصادية.

إن قصة نجاح CardoO ليست سوى بداية لموجة من الابتكارات المصرية القادرة على المنافسة إقليميًا وعالميًا.

ويجب أن يتجه التفكير الوطني نحو تحويل مصر إلى مركز إقليمي لصناعة الإلكترونيات الذكية، لا يخدم فقط السوق المحلية، بل يُصدر منتجاته إلى أسواق ناشئة تبحث عن الجودة والتكلفة المعقولة.

وتحقيق ذلك يتطلب الاستمرار في دعم السياسات التحفيزية، وتشجيع الربط بين الشركات الكبرى والناشئة، وتعزيز ثقافة الابتكار والإنتاج داخل السوق المصرية.

ويمكن للشركات الناشئة الحديثة أن تستفيد من هذه التجربة في عدة محاور أساسية، أولًا، أهمية التوجه إلى السوق المحلي بفهم عميق لاحتياجاته، وتقديم حلول ذكية بأسعار تتناسب مع قدرات المستهلكين.

ثانيًا، الرهان على التصنيع المحلي كأداة للسيطرة على الجودة وتقليل التكلفة وتعزيز الهوية الوطنية للمنتج.

ثالثًا، التوسع المدروس والتوجه إلى أسواق ذات طبيعة مشابهة ثقافيًا واقتصاديًا، كما فعلت CardoO في توجهها نحو الخليج وأفريقيا.

رابعًا، الاستفادة من تحليل بيانات الاستخدام لتطوير المنتج استنادًا إلى التجربة الواقعية للمستهلك وليس الافتراض النظري.

وأخيرًا، بناء علامة تجارية تتمتع بثقة الجمهور وتقدم تجربة متكاملة، وليس فقط منتجًا منفصلًا.

في هذا السياق العالمي المتغير، تملك مصر فرصة ذهبية لتعزيز مكانتها كمركز إقليمي للتصنيع الذكي، والفرصة لا تنتظر أحدًا، لقد بدأنا الطريق، والمستقبل لنا.

بقلم:
المهندس أحمد عادل، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة CardoO