الأسواق الناشئة تتحول إلى ساحات معركة فى الحرب التجارية

الأسواق الناشئة تتحول إلى ساحات معركة فى الحرب التجارية

«ريد ويل»: بكين مهتمة بالبيع إلى 7.5 مليار شخص لا يعيشون فى الولايات المتحدة

خلال رحلة حديثة إلى باكستان، تجول المستثمر فى الأسواق الناشئة جيمس جونستون، فى سيارة “بى واى دي” صينية الصنع لزيارة منشآت إنتاج أقامتها شركة “شاومي” الصينية لصناعة هواتف محمولة بأسعار معقولة.

ويمثل امتداد بعض أكبر العلامات التجارية الصينية إلى اقتصاد جنوب آسيا تحولاً فى التجارة العالمية كان محجوباً بفعل التوترات الجمركية بين الولايات المتحدة والصين.

ويتجلى هذا التحول ليس فقط من خلال إعادة توجيه صادرات بكين، بل أيضاً عبر نقل استثماراتها فى قطاع التصنيع منخفض التكلفة إلى الدول النامية، فى إطار استعدادها لمواجهة حرب تجارية أوسع مع الولايات المتحدة، حسبما أوضحته صحيفة “فاينانشيال تايمز” البريطانية.

كما يُعد هذا التوسع دليلاً على الترسانة المحتملة التى تمتلكها بكين للرد على فرض الرئيس الأمريكى دونالد ترامب رسوماً جمركية تتجاوز نسبتها 100%، مما قد يجعل العديد من السلع الصينية بعيدة عن متناول المستهلكين الأمريكيين الذين غذّوا آلة التصدير الصينية لعقود.

وقال جونستون، الرئيس المشارك لأسواق الحدود والأسواق الناشئة فى شركة “ريد ويل” لإدارة الاستثمارات: “الصين مهتمة حقاً بالبيع إلى 7.5 مليار شخص لا يعيشون فى الولايات المتحدة”، مضيفاً أن “الصين تبنى القدرة التصنيعية لتلبية هذا الطلب العالمي”.

ومع فائض تجارى تجاوز تريليون دولار خلال العام الماضي، ستجد بكين نفسها قريباً تحت ضغط لتعويض الوصول المحدود إلى السوق الأمريكية، صاحبة أكبر عجز تجارى فى العالم، عبر إيجاد مصادر طلب جديدة.

ووفقاً لتحليل من “جيفريز”، فقد تضاعفت صادرات الصين إلى الاقتصادات النامية الكبرى منذ انتخاب ترامب رئيسًا، لترتفع من أقل من 670 مليار دولار عام 2017 إلى 1.35 تريليون دولار حتى فبراير الماضي، مما يمثل أكثر من ثلث إجمالى الصادرات الصينية.

فى المقابل، تراجع نصيب صادرات الصين إلى اقتصادات مجموعة السبع لأقل من الثلث خلال الفترة ذاتها.

وعلقت “جيفريز” بالقول: “لهذا السبب، تبدو الصين أقل عرضة لتهديدات ترامب الجمركية مقارنة بالعديد من الدول الأخرى”.

وهذا قد يفسر أيضاً الثقة التى أظهرتها بكين فى الرد على الرسوم الأمريكية.

فقد قال جونستون إن “الصين قادرة على اتخاذ هذه الخطوات لأنها ترى أن اقتصادها أصبح متنوعاً بما يكفى بعيداً عن الاعتماد على صادرات التصنيع إلى الولايات المتحدة”.

وجزء من هذا التحول فى التجارة يعكس الاستثمارات الصينية فى اقتصادات تقوم بتوسيع تجارتها مع الولايات المتحدة، مثل فيتنام وماليزيا، وهو ما أدى إلى اتهامات أمريكية بإعادة توجيه السلع الصينية عبر خطوط التجميع فى دول أخرى.

ومع ذلك، من المتوقع أن ترتفع الفوائض التجارية لهذه الدول.

وقال رئيس قسم الأسواق الناشئة العالمية فى “أوكسفورد إيكونوميكس”، جابرييل ستيرن: “استهداف الصين وحدها يعنى أن العجز التجارى الأمريكى مع شركائها الرئيسيين سيرتفع على الأرجح أكثر”.

«روديوم»: الهند والبرازيل وجنوب أفريقيا وتركيا بدأت إطلاق قضايا للدفاع التجارى

وأضاف ستيرن: “جزئيًا، يعود ذلك إلى أن الصين بات لديها حوافز ضخمة للالتفاف على الرسوم عبر دمج دول مثل فيتنام بشكل أعمق فى سلاسل الإمداد، وحينها سيرد ترامب”.

لكن حرباً تجارية شاملة بين الولايات المتحدة والصين عبر سلاسل التوريد العالمية قد تُلحق ضرراً بالاقتصادات النامية التى ارتبط نموها لعقود بأحجام التجارة العالمية.

وقال الخبير الاقتصادى للأسواق الناشئة لدى “جى بى مورجان”، جهانجير عزيز: “على مدى الأعوام الـ25 الماضية، نادراً ما انفصل مسار نمو الأسواق الناشئة عن التجارة العالمية”.

وأضاف أن “الصين والأسواق الناشئة الأخرى فى مرمى النيران، ليس فقط عبر الأضرار الدورية قصيرة الأجل، بل أيضاً عبر تدمير نماذج نموها القائمة على التجارة”.

وأشار الباحث الأول فى الاقتصاد العالمى والتمويل فى معهد “تشاتام هاوس”، ديفيد لوبي، إلى أن هناك أدلة على أن الصين تسعى لاستغلال هذه اللحظة، إذ ازداد حجم تجارتها مع الأسواق الناشئة.

ففى الأعوام الأخيرة، استوردت دول مثل باكستان وجنوب إفريقيا ألواحاً شمسية صينية بأسعار منخفضة للتغلب على انقطاعات الكهرباء ونقص الطاقة.

كما تساعد الألواح والبطاريات الصينية فى نشر الطاقة الشمسية فى السعودية بتكاليف تُعد من الأدنى عالمياً، فى إطار جهود المملكة لتنويع اقتصادها بعيداً عن النفط.

ومع ذلك، كانت القصة مختلفة بالنسبة لمصنعى الصلب والكيماويات والمنسوجات والإلكترونيات منخفضة التكلفة فى الأسواق الناشئة، وهى الصناعات التقليدية التى ساعدت دولاً كثيرة فى الصعود اقتصاديًا.

فقد تعرضت هذه الصناعات لموجات من الإمدادات الصينية الرخيصة، مع استمرار بكين فى دعم المصنعين المحليين رغم توجهها نحو إنتاج سلع أكثر تطورًا، مثل السيارات الكهربائية.

وقال لوبي: “لدى الدول النامية مواقف مختلفة تجاه تغلغل السلع الصينية فى أسواقها. فمن ناحية، هى سعيدة بالوصول إلى منتجات رخيصة. ومن ناحية أخرى، بدأت تظهر دلائل على شعورها بالإحباط من استحواذ الصين على حصة كبيرة من أسواقها المحلية”.

لقد فرضت جنوب أفريقيا رسوماً لمكافحة الإغراق على واردات الصلب الصينى العام الماضى لإنقاذ أكبر مصانعها، فيما اتخذت البرازيل وتركيا والهند إجراءات مماثلة.

كما أقامت دول مثل المكسيك وإندونيسيا وتايلاند وماليزيا حواجز أمام الواردات منخفضة القيمة مثل الملابس، رداً على دخول عمالقة التجارة الإلكترونية الصينيين إلى أسواقها.

وقالت مجموعة “روديوم” البحثية فى مارس: “لم تعد اختلالات التجارة تقتصر على نزاع أمريكي-صينى .. بل إن دولاً ناشئة مثل الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا وتركيا بدأت إطلاق قضايا للدفاع التجارى ضد الواردات الضارة”.

ومؤخراً، أزالت بكين الرسوم الجمركية على واردات من عشرات الدول الإفريقية الأفقر، بعد شكاوى من اتساع العجز التجارى معها.

لكن العديد من هذه الدول تفتقر إلى القدرة التصنيعية للاستفادة من هذا الإجراء.

وفى الوقت ذاته، تستعد اقتصادات نامية أكبر لموجة جديدة من السلع الصينية المحولة بعيداً عن الأسواق الأمريكية بسبب الارتفاع الحاد فى الرسوم.

وقال لوبي: “إنه وضع متناقض بعض الشيء، فكل خطوة يتخذها ترامب تبدو وكأنها هدية تُقدم للصين، مما يسهل عليها تعزيز علاقاتها مع دول الجنوب العالمي. لكن فى الوقت نفسه، فإن استراتيجية الصين التجارية هى أيضاً مصدر لهذا النزاع”.