معضلة «الفيدرالى» والرسوم الجمركية.. حماية الاقتصاد أم احتواء التضخم؟

كبيرة الاقتصاديين فى «ويلز فارجو»: «المركزى الأمريكى» يواجه موقفاً بالغ الصعوبة
تسببت الرسوم الجمركية التى فرضها الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى صدمة للأسواق العالمية، ووضعت مجلس الاحتياطى الفيدرالى الأمريكى أمام معضلة شائكة: «هل ينبغى خفض أسعار الفائدة لتجنب تباطؤ اقتصادى حاد، أم الإبقاء عليها مرتفعة لمواجهة موجة تضخم جديدة؟»
وتميل التوقعات فى الأسواق نحو خفض الفائدة.
فبعد الهبوط الحاد الذى شهدته الأسواق المالية فور إعلان الرئيس الأمريكى عن رسوم «يوم التحرير»، بدأ المتداولون يراهنون على أن مجلس الاحتياطى الفيدرالى سيخفض أسعار الفائدة أربع أو خمس مرات هذا العام، بعدما كانوا يتوقعون ثلاث مرات فقط قبل إعلان ترامب المفاجئ.
لكن الرسالة التى وجهها رئيس الاحتياطى الفيدرالى جيروم باول كانت أكثر تشدداً فيما يتعلق بأسعار الفائدة.
فقد أكد يوم الجمعة أن الرسوم الجمركية سيكون لها تأثير «مستدام» على معدلات التضخم فى الولايات المتحدة، وهو ما سيجعل من الصعب على البنك المركزى أن يبدأ فى خفض الفائدة.
ويشكل هذا التباين أحد العوامل التى قد تحدد ملامح الاقتصاد الأمريكى خلال 2025. فقد بدأت المصارف الكبرى فى «وول ستريت» بالفعل فى إعادة النظر فى توقعاتها، إذ رفعت تقديراتها للتضخم، وخفضت فى المقابل توقعاتها للنمو، محذرة من احتمال دخول الولايات المتحدة فى ركود إذا لم يتراجع ترامب عن سياساته الجمركية التصعيدية.
ويعنى ذلك ضرورة أن يتدخل «الاحتياطى الفيدرالي» لخفض أسعار الفائدة، وهو ما يتوافق مع موقف ترامب. ففى وقت قريب من تصريحات باول يوم الجمعة، وبينما كان مؤشر «ستاندرد آند بورز» يشهد عمليات بيع مكثفة، كتب الرئيس على منصة «تروث سوشال» أن الوقت الآن سيكون «مثالياً» لكى يخفض باول تكاليف الاقتراض.
وأضاف قائلاً: «إنه دائماً متأخر، لكنه يستطيع الآن أن يغير صورته، وبسرعة.. خفض أسعار الفائدة، جيروم، وتوقف عن التلاعب بالسياسة!»
لكن كثيراً من الاقتصاديين لا يرون الأمور بهذه البساطة.
فالتضخم وفق مؤشر الإنفاق الاستهلاكى الشخصى يبلغ حالياً 2.5%، وهو أعلى من هدف الاحتياطى الفيدرالى البالغ 2%، فيما تتوقع الجهات الرسمية أن تؤدى الرسوم الجمركية إلى تسريع وتيرة التضخم من جديد. وقالت كبيرة الاقتصاديين فى «ويلز فارجو»، سارة هاوس، إن البنك المركزى يواجه موقفاً بالغ الصعوبة حالياً، وتوقعت أن يحتفظ بمعدلات الفائدة بين 4.25% و4.5% «لأطول فترة ممكنة». كما أكدت كبيرة الاقتصاديين فى وزارة العمل الأمريكية سابقاً، أدريانا كوجلر، أن الحفاظ على توقعات التضخم طويلة الأجل يجب أن يكون «أولوية»، مشيرة إلى أن الإقبال المبكر على شراء سلع مثل السيارات عقب إعلانات الرسوم قد يدعم النمو على المدى القصير.
من جانبه، عبر الرئيس التنفيذى لشركة «بلاك روك»، لارى فينك، عن قلقه من التضخم أيضاً، وقال يوم الإثنين إنه يرى «احتمالاً صفرياً» لخفض الفائدة فى المستقبل القريب، مضيفاً: «أنا قلق بشأن التضخم إذا تم تطبيق كل الرسوم الجمركية المقترحة فعلاً».
وألمح مسئولو الاحتياطى الفيدرالى إلى أنهم لن يتحركوا إلا عند ظهور مؤشرات واضحة على أن التعافى الاقتصادى قد بدأ يتراجع، أو أن تأثير صدمة ترامب التجارية على الأسعار قد تلاشى.
وبالتالي، سيبقى البنك المركزى فى «وضعية ترقب وانتظار».
رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولى: ربما يجب إرجاء خفض الفائدة حتى سبتمبر
وقال رئيس معهد بيترسون للاقتصاد الدولي، آدم بوزن، إن البنك المركزى لن «يحكم مسبقاً» على تأثير الرسوم أو السياسات المالية لترامب، مثل التخفيضات الضريبية الكبيرة. وأوضح بوزن أن «هذه هى المقاربة التى اعتمدها باول وقيادة البنك للتعامل مع هذا الوضع السياسي»، مضيفاً أن البنك «يمكنه، وربما يجب عليه، الانتظار حتى سبتمبر» قبل أن يقرر خفض أسعار الفائدة.
لكن الأسواق تتوقع أن يأتى الخفض بشكل أبكر، مع احتمال تقليص الفائدة بمقدار 0.25 أو 0.5 نقطة مئوية فى اجتماع يونيو المقبل، وهو جدول زمنى أسرع مقارنة بتخفيض ربع النقطة الذى كان يُتوقع فى يوليو فقط الأسبوع الماضي.
ورغم هذه التوقعات، يرى معظم الاقتصاديين أن الاحتياطى الفيدرالى سيعطى الأولوية لضغوط الأسعار على حساب خطر الركود، خصوصاً بعد معركته الطويلة خلال العامين الماضيين لاحتواء واحدة من أسوأ موجات التضخم فى التاريخ الحديث.
وقالت كلوديا سام، المسئولة السابقة فى الاحتياطى الفيدرالى والتى تعمل الآن كبيرة الاقتصاديين فى «نيو سينتشرى أدفايزرز»: «فى بيئة كهذه، حيث هناك دفع إضافى نحو التضخم، من غير المرجح أن يُقدم الفيدرالى على خفض استباقى للفائدة كأمان».
وأضاف فنسنت راينهارت، المسئول السابق فى الاحتياطى الفيدرالى والذى يعمل حالياً كبير الاقتصاديين فى «بى إن واى إنفستمنتس»، أن صُناع السياسة النقدية قد يواجهون صعوبة فى تطوير استراتيجية واضحة نظراً للآفاق «غير المؤكدة على الإطلاق»، مضيفاً أن «الخطر فى انتظار دليل واضح على تأثير الرسوم الجمركية فى الاقتصاد هو أن الاحتياطى الفيدرالى قد يتأخر فى التحرك».
وتابع أن «الانتظار لأطول فترة ممكنة قد يعنى الانتظار أكثر من اللازم». وتعتمد كثير من الأمور فى البداية على ترامب ومدى شدة الرسوم التى سيُصر على فرضها.
فقد اقترح الرئيس الأمريكى يوم الإثنين رفع الرسوم على الصين، التى تُعد أكبر مصدّر فى العالم، فى الوقت نفسه أشار إلى انفتاحه على التوصل إلى اتفاقيات تجارية مع دول مثل اليابان.
وإذا قرر ترامب المضى قدماً فى فرض الرسوم الأشد قسوة، فقد يكون الأثر السلبى على الطلب الاستهلاكى كافياً لتبديد المخاوف بشأن التضخم، ونقل التركيز بالكامل نحو صحة الاقتصاد. وفى هذا السياق، قال كريشنا جواها من «إيفركور آى إس آي»، إن «الاحتمال الأكبر هو أن هذا لن يؤدى إلى تضخم طويل الأمد فى نهاية المطاف».