كيف تستقطب البنوك مدخرات المصريين من الأماكن غير الرسمية؟

رغم رفع أسعار الفائدة طوال سنوات، وتنوع أدوات الادخار المصرفي.. لا يزال عدد من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة يفضلون الاحتفاظ بأموالهم في صورة نقدية خارج الجهاز المصرفي، بعيدًا عن الحسابات البنكية أو القنوات الاستثمارية الرسمية.
حتى بعد بدء البنك المركزي سياسة التيسير النقدي، وخفض أسعار الفائدة بإجمالي 3.25% منذ بداية العام الحالي 2025، تظل معدلات الفائدة في مصر مرتفعة ومربحة للمودعين، بحسب مصادر مصرفية تحدثت لـ”البورصة”.
ومؤخرا أثار حادث سرقة فيلا الدكتورة نوال الدجوي رئيس مجلس أمناء جامعة أكتوبر للعلوم الحديثة والفنون، جدلًا كبيرًا بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب اكتنازها مبالغ مالية طائلة داخل المنزل دون توجيهها لتنفيذ مشروعات استثمارية أو إيداعها في البنوك للاستفادة من العوائد المرتفعة.
وضمت قائمة الثروة المكتنزة داخل الفيلا، 50 مليون جنيه مصري، و350 ألف جنيه إسترليني، و 3 ملايين دولار، بالإضافة إلى 15 كيلو مشغولات ذهبية.
من جانبهم، استنكر خبراء مصرفيون ، التحليلات التي تصف الحادث بأنه ” ظاهرة تعكس ضعف ثقة أصحاب رؤوس الأموال والمدخرات في القطاع المصرفي ونظامه”.
وأكد الخبراء، أن اكتناز الثروات داخل المنازل، هي حالات فردية ترجع لأسباب شخصية وعائلية أحيانًا، وربما نتيجة ضعف المعرفة والثقافة، أو خشية من الرقابة والضرائب وأجهزة الدولة المختلفة.
وجيه: الضعف النسبي في وعي وثقافة الأفراد يستدعي التوسع في مبادرات الشمول المالي
قالت الدكتورة شيماء وجيه الخبيرة المصرفية، إن القطاع المصرفي يحظى بثقة عالية من العملاء، نظرًا لجدارته وقدرته على الصمود حتى في ظل التوترات والمتغيرات على كافة الأصعدة المحلية والإقليمية والعالمية.
ودللت على ذلك بارتفاع معدلات الشمول المالي في مصر، ما يعكس تزايد أعداد المتعاملين داخل القطاع المصرفي بفضل تنوع منتجاته وخدماته المختلفة بشكل يضمن مواكبة حاجة العملاء.
وارتفع معدل الشمول المالي في مصر ليصل إلى 74.8% بنهاية العام الماضي، مقابل 70.7% بختام 2023، بحسب تقرير الشمول المالي الصادر عن البنك المركزي.
أشارت وجيه، إلى أن البنوك تمتلك قدرا كبيرا من السيولة النقدية ، بشكل يضمن تيسير عمليات سحب العملاء ودائعهم الادخارية في أي وقت، وفقًا للإجراءات المتبعة.
وارتفعت ودائع القطاع العائلي بالعملة المحلية لدى القطاع المصرفي إلى 6.1 تريليون جنيه بنهاية ديسمبر الماضي، فيما بلغت ودائعه بالعملة الأجنبية نحو 1.8 تريليون جنيه، من إجمالي محفظة 13.6 تريليون جنيه، بحسب النشرة الشهرية للبنك المركزي.
أكدت وجيه، أنه لا يزال هناك ضعف نسبي في وعي وثقافة بعض الأفراد، ما يستدعي التوسع في مبادرات الشمول المالي وخاصة في المناطق الريفية، موضحة أن اكتناز الدجوي مدخراتها في بيتها يرجع لأسباب شخصية وعائلية.
وتابعت:” معدلات النقد المتداول خارج القطاع المصرفي هي معدلات طبيعية، ولا تعكس زيادات حقيقية قوية”.
وارتفع حجم النقد المتداول خارج البنوك إلى 1.3 تريليون جنيه في مارس الماضي، مقابل 1.2 تريليون جنيه خلال فبراير 2025، بحسب بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري.
وأرجعت وجيه الزيادة الطفيفة في حجم النقد إلى عوامل محلية وإقليمية وعالمية، مشيرة إلى أن الأوضاع العالمية والإقليمية تُثير التخوفات لدى البعض من أن تتعثر البنوك في سداد ودائع العملاء كما حدث في لبنان، مستنكرة حدوث ذلك في مصر مهما تصاعدت الأزمات بفضل سياسات البنك المركزي.
أضافت أن تراجع معدلات الفائدة محليًا، مع التوقعات بمزيد من الخفض خلال 2025، قد يجعل بعض المودعين يوجهون استثماراتهم إلى قطاعات اقتصادية مختلفة.
وبالفعل بعض أصحاب رؤوس الأموال، وجهوا مدخراتهم نحو القطاع العقاري نظرًا لتحقيقه عوائد مرتفعة خلال الفترة الحالية.
وخفض البنك المركزي أسعار الفائدة للمرة الثانية على التوالي خلال اجتماعه الأخير، بنحو 1%، ليصل إجمالي الخفض إلى 3.25% منذ بداية 2025، بعد تثبيت متكرر عند معدلاتها المرتفعة.
أضافت أن تخفيض أسعار الفائدة، لا يعني أن العائد على الأوعية الادخارية المختلفة تأثر سلبًا، بفضل تراجع معدلات التضخم، والفائدة الحقيقية، أي أن الفارق بين سعر الفائدة ومعدل التضخم، يظل مرتفع.
شوقي: سهولة وسرعة توجيه الأموال للأنشطة الاستثمارية وراء اكتناز السيولة في المنزل
وقال الدكتور أحمد شوقي الخبير المصرفي، إن احتفاظ بعض الأفراد بثرواتهم المالية دون توجيهها للبنوك، لا يعكس أبدًا ضعف القطاع المصرفي أو تذبذب الثقة فيه، وإنما يرجع لأسباب وعوامل أخرى.
وأوضح أن النسبة غير المشمولة ماليًا تنقسم إلى شريحتين : الأولى من هم دون الوعي والإدراك بما يقدمه القطاع المصرفي من أمان وربحية. والشريحة الأخرى ، تضم بعضا من أصحاب رؤوس الأموال الضخمة.
وشدد على ضرورة نشر الوعي لدى الشريحة الأولى بسهولة ومزايا وتنوع ما تقدمه البنوك من خدمات ومنتجات مختلفة، من خلال حملات توعوية لمختلف الأعمار والفئات المجتمعية، خاصة المناطق الريفية والمحافظات الإقليمية، لتعزيز نسبة الشمول المالي.
أضاف أن الشريحة الثانية تفضل اكتناز المال ويظل بحوزتها ظنًا منها في سهولة وسرعة توجيه الأموال لأي من الأنشطة الاستثمارية التي تتطلب سرعة اتخاذ القرار والتنفيذ.
وطالب شوقي ، أن تعزز البنوك توجهها نحو التحول الرقمي وتوفير مزيد من التيسيرات المصرفية، مع رفع حدود السحب والإيداع والتحويل، لسد حجج الشريحة الثانية في أن البنوك تفتقر بعض المزايا.
أضاف أن بعض أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة يبحثون عن سبل ادخار بعيدة عن رقابة الدولة ومحددات التعامل في البنوك، وهذا يتطلب مزيدا من اليقظة من جهة الحكومة، للتحقق من مصدر هذه المبالغ.
سليمان: البعض يرغب في عدم إظهار حجم معاملاته النقدية أمام أجهزة الدولة والضرائب
وأكد أيمن سليمان المسؤول بقطاع الائتمان في بنك مصر، أن شريحة كبيرة من الأفراد تفضل الاحتفاظ بالسيولة النقدية خارج البنوك، خصوصا إذا كانت تتضمن عملات أجنبية وذهب، مما ينعكس سلبا على سعر الصرف والاستقرار النقدي.
ودلل على ذلك بارتفاع نسبة النقد المتداول خارج خزانة البنوك من إجمالي المعروض النقدي.
ويستحوذ النقد المتداول خارج خزانة القطاع المصرفي على حوالي 40% من إجمالي المعروض النقدي بقيمة 1.3 تريليون جنيه من حوالي 3.21 تريليون جنيه بنهاية مارس 2025، بحسب بيانات صادرة عن البنك المركزي.
ويشمل المعروض النقدي إجمالي حجم النقد المتداول خارج خزانة البنك، بالإضافة إلى حجم الودائع الجارية.
واعتبر سليمان تلك الظاهرة من أكثر القضايا حساسية لما تمثله من تحديات كبيرة أمام جهود الدولة لتعزيز خطتها نحو الشمول المالي.
أضاف أن هدف تلك الشريحة من تجنب التعامل من خلال البنوك، هو الرغبة في عدم إظهار حجم معاملاتهم النقدية الحقيقية أمام أجهزة الدولة وخاصة مصلحة الضرائب.
ولفت إلى أن طبيعة التعاملات التجارية الكبيرة تتطلب سيولة مالية فورية تفتقرها البنوك أحيانًا، بالإضافة إلى وجود صفقات غير معلنة تحتم عليهم سرعة ومرونة مالية، وهذا ما ينجم عنه زيادة حجم الاقتصاد غير الرسمي.
أكد سليمان، على ضرورة تعزيز دور الحكومة واتخاذها إجراءات قوية وملموسة لتحجيم ذلك النشاط، لضمان سلامة مصادر الأموال.
وتابع:” ثمة أسباب نفسية وسلوكية لدى البعض تجعلهم يكتنزون مدخراتهم في المنازل لعدم الثقة في البنوك رغم جدارة وقوة القطاع المصرفي التي ظهرت في مواجهة كافة الأزمات”.
ولفت إلى بعض أوجه القصور في البنوك التي تنفر نسبة من الأفراد غير المشمولة ماليا مثل الأعطال المتكررة في السيستم رغم قوة التحول الرقمي، وازدحام الفروع رغم التوسع الجغرافي، مما يؤثر بالأخير على معدل الشمول المالي.