“فاينانشيال تايمز”: الصين تحاول تعزيز علاقاتها مع جيرانها الآسيويين وسط صراع التجارة العالمية

لاقت دعوة الصين إلى تعزيز التعاون التجاري مع جيرانها الآسيويين وشركائها أيضا في دول “مجلس التعاون الخليجي”، أصداء إيجابية بين بلدان تعتمد اقتصاداتها بصفة رئيسية على عجلة التصدير.
وعمد رئيس الوزراء الصيني، لي كيانج، وفق تقرير صحيفة فاينانشيال تايمز اليوم /الجمعة/، خلال اجتماع قادة أعمال من جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط في كوالالمبور هذا الأسبوع ، إلى تسليط الضوء على رسالة رئيسية مفادها” في الوقت الذي يطيح فيه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بنظام التجارة العالمي، فإن بكين تفتح ذراعيها لشركائها لإبرام اتفاقات وإدارة أعمال”.
وفي اللقاءات التي أعقبت اجتماعات قمة “رابطة دول جنوب شرق آسيا” (آسيان) و”دول مجلس التعاون الخليجي” التي استضافتها العاصمة الماليزية، لفت لي كيانج إلى أن الدول المشاركة في القمة تمثل نحو ربع الاقتصاد العالمي وربع تعداد العالم، إلا أن تجارتها تقل كثيراً عن تلك النسبة، ولا تعكس ثقلها الاقتصادي على مستوى العالم.
ونقلت الصحيفة عن رئيس الوزراء الصيني قوله “وسط تصاعد الصراع، والمنافسة، والمواجهة على المستوى الجيوسياسي، بوسعنا أن نخلق فرصاً استراتيجية عندما نعمق الثقة المتبادلة فيما بيننا.” وتابع قائلاً “ووسط ازدياد الميول الحمائية والانفرادية، يمكننا إطلاق العنان لفرص سوقية هائلة عندما نواصل الانفتاح أكثر فأكثر”.
وتشير الصحيفة البريطانية إلى أن الرسالة التي بعثها المسؤول الصيني البارز كان لها أصداء قوية لدى كثيرين من القادة المشاركين في القمة، ممن يعتمدون في تجارتهم على الولايات المتحدة التي تركتهم عرضة للتقلبات والهشاشة بسبب الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب الشهر الماضي.
وبينت أنه رغم أن محكمة تجارية أمريكية قررت مساء الأربعاء وقف العمل برسوم “يوم الاستقلال”، فإنها أضافت إلى المشهد مزيداً من عوامل اللا يقين.
وفي تصريح خاص للصحيفة البريطانية، قال نائب وزير التجارة الماليزي، ليو شين تونج، إن “كل ذلك يعتمل في أذهان كل شخص هنا. إنها نقطة انعطاف- إنها تعد أكبر تغير يطرأ على التجارة العالمية منذ 1945”.
وزاد المسؤول الماليزي قائلاً إن “الجميع يفكر فيما يتعين فعله بعيداً عن السوق الأمريكي”.
ولفت رئيس الوزراء الصيني إلى أن الدول التي شاركت في القمة الآسيوية الخليجية تتمتع بناتج محلي إجمالي مجمع يصل إلى 25 تريليون دولار، وملياري نسمة، لكن التجارة بين الدول الأعضاء في هذا التكتل لا تمثل سوى 5 في المائة من مجمل التجارة العالمية.
ويشير المسؤول الماليزي في تصريحاته للصحيفة إلى أن التجمع في القمة كان على دراية بأن الصينيين سوف يدخلون في محادثات مع الخليج “سواء مع أو بدون مشاركة دول جنوب شرق آسيا. لذا كنا بحاجة إلى التأكيد أننا جزء من تلك المحادثات “.
وبعيداً عن قاعة الاجتماعات الرئيسية، وفي دهاليز انعقاد القمة، تبادلت الوفود من الشرق الأوسط، والصين، وجنوب شرق آسيا، بطاقات التعارف والنقاشات بشأن الاستثمارات والمشروعات المشتركة.
ولفت مدير تنفيذي لإحدى شركات المقاولات الماليزية المشاركة في الاجتماعات إلى “إن الصينيين كانوا يحاولون الانخراط في كل اتفاق”، وتابع قائلاً “إنهم كانوا على الدوام مهتمين بالمنطقة، لكنهم الآن يقولون ’إذا كانت الولايات المتحدة لا تود العمل معكم، فإننا نود ذلك’. واقع الحال يؤكد أنه يصعب تجنبهم”.
ومن بين الصفقات التي أُبرمت خلال اجتماعات كوالالمبور، جاءت اتفاقية شركة “تشينا هاربور الهندسية”، المملوكة للحكومة الصينية، لتطوير ميناء ومنطقة صناعية على الساحل الشمالي الشرقي لماليزيا.
وبعيداً عن المشاركة السياسية من زعماء وقادة الدول والحكومات، شارك عدد من المستثمرين ورجال الأعمال والمديرين التنفيذيين البارزين، في الوقت الذي ضم الوفد الصيني الموسع مديرين تنفيذيين بارزين من البنك المركزي الصيني “بنك أو تشينا”، مجموعة الاتصالات “زد تي إي”.
وتنخرط رابطة “الآسيان” في مرحلة إعداد لاتفاقية تجارية مع “دول مجلس التعاون الخليجي” .
وكان رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم، الرئيس الحالي لرابطة “آسيان”، قام قبل أيام من فوز ترامب بالرئاسة الأمريكية في نوفمبر الماضي، بدعوة الصين للمشاركة في أسبوع المباحثات المنعقد حالياً.
وخاض الدبلوماسيون الصينيون حملات ترويجية نشطة في جنوب شرق آسيا، منذ الكشف عن الرسوم الجمركية “التبادلية” التي أعلنها ترامب في الثاني من أبريل الماضي.
كان وزيرا التجارة في كل من ماليزيا وسنغافورة، قد حذرا الأسبوع الماضي من أن دول جنوب شرق آسيا خضعت لضغوط لاختيار جانب في الصراع بين القوتين العظميين عالمياً.
وتعد منطقة شرق آسيا بين المناطق الأكثر تضرراً بالرسوم الجمركية التي يفرضها ترامب، إذ تأتي فيتنام وكمبوديا بين الدول ذات الفائض التجاري الضخم مع الولايات المتحدة، وقد طبق عليها رسوم جمركية أكثر من 40 في المائة.
وقد أملهت واشنطن الدول المشمولة بقرارات رفع الرسوم الجمركية، وعلقت تنفيذ تلك التعريفات حتى يوليو المقبل للسماح لتلك الدول بالتفاوض المباشر معها.
واتفق قادة رابطة “آسيان” خلال اجتماعهم على أن أي تنازلات تُقدم إلى الولايات المتحدة من أجل تخفيض الرسوم الجمركية ينبغي ألا تأتي على حساب دول أخرى أعضاء في التكتل.
وحينما سئل رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم أثناء انعقاد القمة عما إذا كان حضور الصين يعكس تفضيل دول رابطة الآسيان للقوة العظمى الجارة لها عن الولايات المتحدة، أجاب أنه لايزال يستهدف الحفاظ على العلاقات مع كلا القوتين الاقتصاديتين.
وقال “إذا كان السؤال يعني العمل مع الصينيين، فالإجابة نعم، سوف نعمل معها. ومع الولايات المتحدة؟ نعم. لزاماً علينا ذلك. فمن المنطقي للغاية مواصلة التعاون وبناء علاقات طيبة معقولة”.
وأضاف رئيس الوزراء الماليزي أنه كتب شخصياً إلى ترامب يطلب منه عقد قمة أمريكية مع رابطة الآسيان في وقت لاحق هذا العام. وقال مسؤولون حكوميون ماليزيون إنهم لا يزالون ينتظرون من واشنطن أن تحدد الموعد لتلك القمة.
ويلفت نائب وزير التجارة الماليزي ليو إلى أن “الولايات المتحدة تحيط نفسها بجدار- لذا لابد لنا أن نقرر ما الذي سنفعله لاحقاً”.