السلاح الفريد للصين يعدل قواعد الصراع التجاري

تُظهر الصين، منذ أكثر من 15 عامًا، نواياها في تحويل بعض مفاتيح سلاسل الإمداد العالمية إلى أوراق ضغط استراتيجية، وهي خطة مستوحاة من نظام القيود التصديرية الأمريكي الذي تعتبره بكين محاولة لعرقلة صعودها العالمي.
لكن التطورات الأخيرة، لا سيما السباق المحموم للحصول على تراخيص تصدير للعناصر الأرضية النادرة، وتحديدًا بعد الاتصال الهاتفي بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والصيني شي جين بينج، تشير إلى أن بكين طوّرت سلاحًا تجاريًا أكثر دقة وتأثيرًا.
وبحسب محللين ومسؤولين في القطاع تحدثوا لوكالة رويترز، فإن الصين تبدو مستعدة للموافقة على مزيد من صادرات هذه العناصر الحيوية، لكنها لن تتخلى عن نظامها الجديد الذي يمنحها نظرة غير مسبوقة على نقاط الاختناق في سلاسل الإمداد العالمية، من محركات السيارات الكهربائية إلى أنظمة التوجيه في الصواريخ الذكية.
ويقول “تشو جونوي”، الباحث في مركز Grandview ببكين: “استلهمت الصين هذه الاستراتيجية من العقوبات الشاملة التي تنفذها الولايات المتحدة، وبدأت منذ سنوات في بناء منظومتها الخاصة للقيود التصديرية، كخيار أخير عند الحاجة”.
وكان ترامب قد صرح بعد المكالمة الأخيرة أن الطرفين بصدد “تسوية بعض النقاط، خاصة فيما يتعلق بمغناطيسات العناصر النادرة”، لكنه لم يوضح ما إذا كانت بكين تعهدت بتسريع إصدار التراخيص، بعد أن فرضت واشنطن قيودًا على تصدير برمجيات تصميم الرقائق ومحركات الطائرات للصين، متهمة إياها بتأخير تراخيص التصدير عمدًا.
وتسيطر الصين تقريبًا على سوق مغناطيسات العناصر النادرة، وهي مكوّن أساسي في صناعة محركات السيارات الكهربائية. وفي أبريل، أدرجت بعض الأنواع الأكثر تطورًا ضمن قائمة المواد التي تحتاج إلى موافقة مسبقة للتصدير، ما أعطى قسم صغير داخل وزارة التجارة الصينية (عدد موظفيه حوالي 60 شخصًا) سلطة التحكم في نقطة حساسة من الصناعة العالمية.
ونتيجة لذلك، أغلقت عدة شركات أوروبية خطوط إنتاج هذا الأسبوع بعد نفاد المخزون. ورغم أن القيود الصينية جاءت ضمن حزمة إجراءات انتقامية من الرسوم الأميركية، إلا أن تأثيرها عالمي ولا يقتصر على واشنطن فقط.
ويقول نوح باركن، مستشار أول في مجموعة Rhodium الأمريكية: “الصين تملك الآن قدرة إنكار مقنعة، لا يمكن لأحد إثبات أنها تفعل ذلك عمدًا، لكن بطء إصدار التراخيص هو رسالة واضحة للضغط ومنع أي تصعيد أميركي إضافي”.
ولا تمتلك الصين فقط 70% من إنتاج العناصر النادرة عالميًا، بل تحتكر تقريبًا عمليات التكرير والمعالجة، ما يمنحها قدرة استراتيجية في رسم خريطة سلاسل الإمداد العالمية.
وعلى الرغم من احتمالية تسريع التراخيص كما لمح ترامب، إلا أن النظام الجديد يمنح الصين معلومات حساسة حول كيفية استخدام الشركات لهذه المواد — وهي معلومات لا تملكها حكومات أخرى بسبب تعقيدات سلاسل التوريد.
على سبيل المثال، يُتوقع أن مئات الموردين اليابانيين سيحتاجون إلى موافقة صينية لتجنب تعطيل الإنتاج، بحسب مصدر مقرب من المفاوضات مع بكين.
ويقول مسؤول أمريكي في إحدى الشركات التي تحاول بناء سلسلة توريد بديلة: “الصين لا تدير الصادرات، بل تدير النفوذ وتكتسب ميزة استراتيجية على حساب أمريكا”.