انخفاض صادرات قطاع البناء والتشييد: هل هو نتيجة أزمة ثقة أم مشاكل في التمويل؟

انخفاض صادرات قطاع البناء والتشييد: هل هو نتيجة أزمة ثقة أم مشاكل في التمويل؟

آثار التراجع الكبير في صادرات خدمات التشييد والبناء المصرية، قلقا واسعا، إذ سجلت نحو 183.5 مليون دولار العام الماضي مقابل 303 ملايين دولار 2023، وبلغت نسبة الانخفاض 40%، بحسب بيانات البنك المركزي المصري.

ويرى عدد من ملاك شركات المقاولات، ومسئولون في الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، التقتهم “البورصة”، أن التراجع يعكس حالة من التقلبات في أسواق التشييد والبناء على المستوى الإقليمي، خصوصا في الدول التي كانت تعتمد بشكل رئيسي على الشركات المصرية في تنفيذ مشروعاتها القومية، ومنها ليبيا والسودان والعراق.

وأشاروا إلى أن شركات المقاولات تعاني من ضغط السيولة، وصعوبة الحصول على تمويل خارجي وخطابات الضمان من البنوك لتنفيذ مشروعات تصديرية، خاصة مع تراجع قيمة الجنيه، ما يضعف القدرة التنافسية مقارنة بنظيراتها من تركيا أو الهند.

سعد: خطابات الضمان من القطاع المصرفي المصري أصبحت مشكلة بلا حل

قال محمد سامي سعد رئيس الاتحاد المصري لمقاولي التشييد والبناء، إن هبوط صادرات خدمات التشييد المصرية، يرجع إلى أن عددا كبيرا من الدول تطلب “مطورين عقاريين” وليس “مقاولين” .

وأضاف أن هناك محورا آخر يتسبب في مشاكل كبيرة لدى شركات المقاولات فيما يخص التوسع خارجيا وهو صعوبة إصدار خطابات الضمان من القطاع المصرفي المصري، لافتا إلى ضرورة وضع حلول سريعة لإنعاش القطاع مرة أخرى والتوسع في السوق الخارجي.

وأوضح أن اتحاد المقاولين يسعى لعقد مؤتمر لمناقشة قضايا خطابات الضمان مع القطاع المصرفي وشركات المقاولات، مؤكدا على إيجاد العديد من الحلول للنهوض بالقطاع خلال الفترة المقبلة.

وقال شمس الدين يوسف؛ رئيس مجلس إدارة شركة الشمس للمقاولات، إن عقبات عدة تقف وراء تراجع صادرات مصر من خدمات التشييد والبناء، منها المعدل السريع الذي تعمل به شركات المقاولات داخل مصر خاصة في المشروعات القومية والتي تتطلب السرعة.. لذلك يكون الشغل الشاغل للشركات هو تسليم المشروعات الداخلية.

أضاف أن الفترة المقبلة يجب أن تشهد تأهيلا للمهندسين داخل الشركات والسوق المصري لمواكبة الأسواق العالمية، لافتا إلى أن القطاع منذ فترة خارج منظومة التشييد العالمية.

وفيما يخص التوسع في المشروعات الخارجية، قال يوسف، إن أغلب الفرص التي تحصل عليها الشركات في الأسواق الخارجية يرجع إلى زيادة الطلب وليس جودة المنتج المصري، مشيرا إلى أن هناك تأثيرا واضحا للتضخم على الشركات التي تعمل في الأسواق المحلية بسبب ارتفاع الأسعار وعدم صرف تعويضات توازي نسبة الارتفاع نفسها.

وفيما يخص الدول التي زادت منافستها للمقاول المصري قال شمس الدين، إن السوق التركي يعتبر أقوى منافس لمصر بسبب الدعم التي تقدمه الحكومة هناك، لأن تركيا تتحمل المصاريف الإدارية لشركات المقاولات التي تعمل في الخارج لمدة عام.

وِأشار إلى أن تذبذب سعر الصرف محلياً تسبب في تآكل رؤوس أموال شركات المقاولات، ولم تصمد سوى الشركات الكبيرة التي تمتلك مخزونا من رأس المال الثابت مثل الأراضي .

أضاف أن الانطلاق إلى الأسواق الخارجية مرتبط ارتباطا وثيقا بتسهيل حصول شركات المقاولات على خطابات الضمان لأننا نمتلك الخبرة والعامل الجيد، مشيرا إلى أن هذا كان سببا في انطلاق شركات المقاولات المصرية على الصعيد الأفريقي.

وتابع: “المشروعات القومية الكبرى داخل مصر عوضت جزءا كبيرا من تراجع الصادرات، خلال الأعوام الماضية .. والآن أصبح لدينا بعض الاكتفاء من تلك المشروعات، لذلك أصبح التوسع خارجيا هو الحل”، لافتا إلى أن تصدير المقاولات سيصب في المقام الأول في مصلحة الدولة.

لقمة: الشركات المصرية لم تنجح في اختراق الأسواق الأوروبية حتى الآن

وأكد محمد لقمة رئيس شركة ديتيلز للمقاولات، أن أحد أكبر العقبات التي تواجه قطاع التشييد والبناء عند التوسع خارجيا، هي القوانين المتعلقة بقطاع التشييد والبناء في الدول الاخرى والتي يجهلها اكثر من 95 % من العاملين في القطاع .

أضاف أنه يجب تفعيل دور المكاتب التجارية المصرية في مختلف دول العالم لترجمة جميع الخدمات الخاصة بقطاع التشييد، لأن ذلك يساعد الشركات على فهم الأسواق واتخاذ قرار الاستثمار بها.

أكد لقمة، أن المتغيرات الاقتصادية العالمية أسهمت في تعميق الأزمة، إذ أثرت زيادة تكلفة مواد البناء عالميًا، وارتفاع أسعار الشحن، على جدوى العديد من العقود المبرمة، ما دفع بعض الجهات المالكة للمشروعات إلى إعادة التفاوض أو تعليق التنفيذ.

وطالب لقمة، البنوك المصرية بتقديم الدعم الكامل للشركات التي تستهدف التوسع في الأسواق الخارجية من خلال تقديم تسهيلات للحصول على خطابات الضمان، بالإضافة إلى توفير العملة الصعبة.

وأوضح أن بعض شركات المقاولات الكبرى تعاني من ضغط السيولة، وصعوبة الحصول على تمويل خارجي لتنفيذ مشروعات تصديرية، خاصة مع تراجع قيمة الجنيه، ما يضعف القدرة التنافسية مقارنة بنظرائها من دول مثل تركيا أو الهند.

كما أن الإجراءات البيروقراطية، وتعقيد عمليات استخراج التصاريح والتأشيرات للعمالة، كانت من بين العوامل التي أبطأت حركة التوسع الخارجي، مطالبا بضرورة تبسيط الإجراءات وتقديم حوافز واضحة للشركات المصدّرة.

وتابع أن القطاع بحاجة إلى تدخل عاجل وتخطيط مدروس لاستعادة مكانته في تصدير الخدمات، خاصة في ظل امتلاك مصر طاقات بشرية وشركات ذات كفاءة عالية، مضيفا أن سرعة التحرك تبقى هي الفارق بين انكماش مستمر أو انتعاشة قريبة.

أضاف أن الشركات المصرية لم تنجح في اختراق الأسواق الأوروبية حتى الآن، بسبب صعوبة الأنظمة واختلاف قوانين التشييد والبناء، ويقتصر التنافس على الشركات الصغيرة.