الحكومة تعتمد على أصول رأس شقير لتغطية العجز المالي دون بيع الأصول.

أعادت الحكومة المصرية فتح ملف الصكوك السيادية كأداة تمويلية بديلة مستندة إلى الأصول، ضمن أدوات التمويل الإسلامي، في مسعى منها لسد جزء من العجز المالي دون التفريط في ملكية الأصول العامة.
وفي خطوة تعكس المساعى الجادة، تم نقل ملكية أرض تابعة لمنطقة رأس شقير الساحلية إلى وزارة المالية، تمهيدًا لإصدار صكوك بضمان هذا الأصل الحيوي.
وهذه الخطوة، رغم أهميتها، فتحت الباب أمام تساؤلات متكررة حول مدى جاذبية هذه الصكوك في ظل أسعار الفائدة المرتفعة؟ ومن يتحمل تبعات السداد؟ وهل تنتهي ملكية الأصل إلى حملة الصكوك حال تعثر الحكومة؟
وتُعد الصكوك، بخلاف السندات التقليدية، أدوات مالية لا تُطرح إلا بوجود أصل ملموس، ما يمنحها قوة في الضمان لكنها تُقيّد الدولة بعوائد الأصول المؤجرة وليس بأسعار السوق وحدها.
الشريف: آجال الصكوك المرتقبة قد تكون طويلة نسبيًا
قال الدكتور عاطف الشريف رئيس هيئة الرقابة المالية الأسبق، إن الدولة خصصت قطعة أرض مملوكة لها في منطقة رأس شقير بمحافظة البحر الأحمر لصالح وزارة المالية، لاستخدامها في خفض الدين العام من خلال إصدار صكوك سيادية، وفقًا لما نُشر بالجريدة الرسمية يوم الثلاثاء 10 يونيو 2025.
وأوضح لـ«البورصة»، أن نقل الملكية يأتي ضمن خطوات تجهيز الأصل لاستخدامه في الطروحات الحكومية، مشيرًا إلى أن تفاصيل هيكل الإصدار – سواء كان بيعًا لحق الانتفاع أو استخدامًا للمرافق والمشروعات المقامة على الأرض – ستتحدد عند الإعلان عن نشرة الطرح.
أضاف أن آجال الصكوك المرتقبة قد تكون طويلة نسبيًا، قد تصل إلى 10 سنوات، متوقعًا أن تتراوح حصيلة الإصدار حول ملياري دولار أو ما يعادلها بالجنيه المصري، سواء تم الإصدار بالعملة المحلية أو الأجنبية، وهذا العائد سيتوقف على عدد من العوامل المرتبطة بالتصنيف الائتماني والتسعير وشروط السوق.
وأشار إلى أن الحكومة لم تفصح بعد عن حجم الإصدار أو سياسة استخدام الحصيلة، وأن ما تم الإعلان عنه حتى الآن يقتصر على هدف خفض الدين العام فقط، دون الخوض في تفاصيل مساهمة الإصدار في تقليص عجز الموازنة أو سداد التزامات محددة.
الصاوي: الصكوك السيادية لا تُعد دينًا مباشرًا على الدولة
وأوضح أيمن الصاوي الرئيس التنفيذي لشركة “بكرة القابضة”، أن الصكوك السيادية تختلف جذريًا عن أدوات الدين المعتادة، فهي ليست دَينًا مباشرًا على الدولة، بل ترتكز على شراكة في الأصول، وتُقيّم على أسس مختلفة عن السندات، ما يمنحها طبيعة قانونية ومالية متميزة.
وأشار إلى أن هذه الآلية التمويلية قد تكون أكثر استدامة في الظروف الاقتصادية الحالية، داعيًا إلى ضرورة نشر الوعي بمفهوم الصكوك لدى المستثمرين لضمان نجاح الطرح واستقطاب رؤوس أموال محلية وأجنبية على حد سواء.
ورغم إعلان تخصيص الأرض، إلا أن تفاصيل الطرح لاتزال ضبابية، فحتى الآن، لم تحسم الحكومة نوع الصكوك المزمع إصدارها – سواء كانت من نوع الإيجارة، أو المشاركة، أو المضاربة – ولا مدة الطرح أو العائد المستهدف، كما لم تعلن بعد أن كانت ستُقام مشاريع جديدة على الأرض أم سيُكتفى بالعوائد من الاستخدام القائم.
وتشير السيناريوهات المتداولة إلى أن العوائد المتوقعة من الإصدار قد تُستخدم في تخفيف الضغط على العملة الأجنبية أو سداد أجزاء من الديون الدولارية، بما يعزز استقرار السوق ويسهم في خفض كلفة الاقتراض وتقليص فجوة العجز، التي قدرتها الحكومة بـ6% من الناتج المحلي في موازنة العام المالي الجديد.
ومن المنتظر أن يُحدد هيكل الطرح مصير ملكية الأرض.. ففي حال التزام الدولة بسداد الإيجارات المتفق عليها، ستستعيد الأرض عند نهاية أجل الصكوك، أما في حال التعثر، فقد تنتقل الملكية إلى حملة الصكوك بحسب ما تُقرره نشرة الطرح.
ولم تُفصح وزارة المالية حتى الآن عن العملة أو مستوى العائد المستهدف، لكن مصادر توقعت أن يكون العائد أعلى من السندات التقليدية لجذب المستثمرين في ظل ما تشهده الأسواق من تقلبات وتحديات تمويلية.
وخاضت الحكومة المصرية، أول تجربة في إصدار الصكوك في فبراير 2023، إذ طرحت صكوكًا بقيمة 1.5 مليار دولار، في حين بلغ حجم الاكتتاب نحو 6.1 مليار دولار، بمعدل تغطية تجاوز أربع مرات. وتم خفض العائد النهائي للإصدار إلى 10.875% مقابل سعر افتتاحي بلغ 11.625%.
نجلة: الهيكل النهائي مازال غير محدد.. والتوقعات مبهمة
وأوضح محمود نجلة، المدير التنفيذي لأسواق النقد والدخل الثابت في شركة الأهلي لإدارة الاستثمارات المالية، أن عملية نقل الأرض لصالح “المالية” ما هي إلا خطوة أولى في سلسلة إجراءات يُفترض أن تنتهي بطرح صكوك سيادية بضمان أصل ملموس، إلا أن الهيكل النهائي مازال غير مكتمل.
أضاف أن صكوك الإيجارة تتطلب أصلًا يمكن تأجيره فعليًا، وهو ما يجعلها تختلف عن السندات، مشيرًا إلى أن المشروع لايزال في مرحلة التحضير، ولم يُعلن بعد ما إذا كانت الدولة ستطور مشروعًا جديدًا على الأرض، أو تكتفي باستغلال الأنشطة الحالية فيها.
أكد نجلة أن رأس شقير منطقة نفطية ذات أهمية، لكن عدم وضوح النوايا المستقبلية للمشروع يجعل من الصعب حسم نوع الصكوك، سواء كانت مشاركة أو إيجارة أو مضاربة.
ولفت إلى أن وزارة المالية ستكون الجهة المسؤولة عن سداد التزامات الصكوك، سواء في صورة دفعات إيجارية أو قيمة الاسترداد عند الاستحقاق، منوهًا بأن صيغة التعاقد ستُحدد الآلية الدقيقة للسداد، والتي قد تتضمن خيار شراء الأصل مجددًا من قبل الدولة أو نقله إلى المستثمرين حال عدم السداد.
واختتم نجلة تصريحه بالتأكيد على أن كثيرًا من التفاصيل الجوهرية ما تزال غير معلنة، ما يجعل المراقبين في انتظار التوضيحات الحكومية بشأن توقيت الطرح وطبيعته والعائد المتوقع منه.