إبراهيم مصطفى: الميزانية المصرية الجديدة تهدف إلى تعزيز الإيرادات وزيادة الإنفاق وحماية الفئات الضعيفة، كما أن تعزيز مواردنا التقليدية من العملات الأساسية “ضروري”.

العجز بين الإيرادات والمصروفات نتيجة للأعباء الواضحة لأقساط وفوائد الديون البالغة حوالى 65% من الموازنة العامة
3 يوليو المقبل.. حدثًا يجب استغلاله بشكل مثالى
استقطاب استثمارات جديدة بهدف توسيع رقعة الاستثمارات الإنتاجية والتحوط بالاستثمار الصناعي وتوطين صناعات جديدة.. خطوات مهمة
تستهدف موازنة العام المالي الجديد 2025/2026 نموًا بالإيرادات العامة بنسبة 23% لتحقق 3.1 تريليون جنيه، وزيادة متوقعة بالإيرادات الضريبية إلى 2.6 تريليون جنيه، بينما تشهد المصروفات العامة المتوقعة زيادة بمعدل 19.2% لتبلغ 4.6 تريليون جنيه.
23% نمو الإيرادات وزيادة بـ19.2% في المصروفات
وتشير الأرقام والمؤشرات إلى أنه تم تخصيص نحو 617.9 مليار جنيه للقطاع الصحي، وزيادة مخصصات العلاج على نفقة الدولة إلى 50% لتصل إلى 15.1 مليار جنيه، وزيادة مخصصات الأدوية والمستلزمات الطبية بنحو 26% لتصل إلى 45 مليار جنيه.
إضافة إلى تخصيص 684.7 مليار جنيه للتعليم قبل الجامعي، و358.2 مليار جنيه للتعليم العالي وأكثر من 173 مليار جنيه للبحث العلمي، و78 مليار جنيه مساندة هي الأكبر للأنشطة الصناعية والتصديرية، ونحو 29.6 مليار جنيه لدعم الإنتاج الصناعي، و5 مليارات جنيه لدعم الصناعات ذات الأولوية، و5 مليارات جنيه حوافز نقدية للمشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر، و3 مليارات جنيه لدعم صناعة السيارات، و3 مليارات جنيه لمساندة مبادرات التحول إلى مصادر طاقة أكثر كفاءة.
موازنة النمو
وأكد وزير المالية أحمد كجوك أن الموازنة العامة الجديدة هي “موازنة للنمو”، حيث انحازت بشكل واضح إلى قطاعات الصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.
وأشار إلى الاستجابة لواحدة من التوصيات الهامة للجنة الخطة والموازنة، بشأن تحسين أوضاع الهيئات الاقتصادية، لافتًا إلى تشكيل لجنة عليا، لوضع خطة إصلاحية لهذه الهيئات، وقامت هذه اللجنة بدراسة أكثر من 40 هيئة اقتصادية، وهناك توصيات بشأن 8 منها، حيث قد يكون من الأفضل دمجها، لافتاً إلى أنه يتم دراسة وضع الهيئات الاقتصادية والحلول المثلى لها، سواء من خلال الدمج أو الإلغاء، وأخرى بتحسين أوضاعها المالية، بما يحقق تحسين الأداء ويقلل الاعتماد على الموازنة العامة، ومن المتوقع أن يتم تفعيل تلك التوصيات ضمن خطة إصلاح شاملة، وذلك قبل نهاية العام.
وأوضح الوزير أن الحكومة تستهدف خلال موازنة العام المالي المقبل تحقيق فائض أولي 807 مليارات جنيه بنسبة 4% من الناتج المحلي، وخفض العجز الكلي إلى 7.3% بنهاية يونيو 2026.
وتابع أنه تم إعداد الموازنة الجديدة للعام المالي المقبل فى “إطار متوسط المدى” يمتد لثلاث سنوات أخرى، ونستهدف العامين المقبلين نمو الإيرادات العامة بنسبة 23%، بينما نستهدف 17% في العام المالي 2027/2028، كما نستهدف 18% خلال العام المالى 2028/2029، متوقعًا نمو المصروفات العامة بموازنة العام المالي المقبل بنسبة 19%.
كما لخصت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن التدخلات الحكومية الإصلاحية التي اتخذتها الحكومة منذ مارس 2024، على مستوى السياسات المالية والنقدية، وحوكمة الاستثمارات العامة، أدت إلى تحسن ملحوظ في أداء الاقتصاد الـمصري في الآونة الأخيرة.
ولفتت أن الاقتصاد في تحسن ملحوظ خلال الربع الأول والثاني من العام المالي الجاري من 3.5% إلى 4.3%، مع توقع بلوغ النمو في الربعين الثالث والرابع نحو 4.1% و4.2% على التوالي، ليسجل الاقتصاد معدل نمو بنسبة 4% في نهاية العام، مدفوعًا بنمو القطاعات الإنتاجية غير النفطية، وتنامي الإيرادات السياحية، واحتواء التضخم، وزيادة تحويلات المصريين في الخارج.
وأفاد الدكتور فخري الفقي، رئيس لجنة الخطة والموازنة، أن موازنة العام المالي 2025/2026 تستهدف تحسين الدخول للعاملين بالدولة من 575 مليار جنيه إلى 679.1 مليار جنيه، بنسبة ارتفاع 18%، كما سيزيد مخصصات الدعم والحماية الاجتماعية نحو 15% ليصل إلى 732.6 مليار جنيه مقابل 636 مليار جنيه، وسينخفض دعم المواد البترولية من 154 مليار جنيه إلى 70 مليار جنيه، وسيستمر دعم الكهرباء بشكل كبير خلال الفترة المقبلة، كما بلغت مخصصات الصحة والتعليم والبحث العلمي 10.7% من الناتج المحلي الإجمالي.
وقال الخبير الاقتصادي إبراهيم مصطفى، إن موازنة مصر للعام المالي 2025/2026 لديها عجز بين الإيرادات والمصروفات نتيجة الأعباء الواضحة لأقساط وفوائد الديون البالغة حوالي 65% من الموازنة العامة، بعد أن كانت لا تزيد في أوقات سابقة عن 38%، وترتب عليه وضع بعض مؤسسات التصنيف الائتماني مصر في تصنيف حَذِر بعض الشيئ، فحجم الدين الخارجي كبير وبالتالي ستكون فوائده وأقساطه كبيرة أيضًا.
وأوضح الخبير الاقتصادي في تصريحات لـ”البوصلــــــــة”، أن الأجور التي تمثل حوالي 10% والدعم البالغ 11% كانا يمثلان في فترات سابقة نسبة تتراوح بين 25 إلى 26%، مرجعًا الانخفاض نتيجة لتبني مصر بعض البرامج المكثفة للإصلاح الاقتصادي تحت إشراف صندوق النقد الدولي خلال الفترة الماضية لترشيد عجز الموازنة، ورغم ذلك لا زال العجز مرتفع، ليتم الاستعانة بالاقتراض لسد العجز أو طرح سندات خزانة أو تبديل الديون لاستثمارات أو الاقتطاع من قطاعات لحساب قطاعات أخرى، فالتعليم والصحة يندرجا تحت بند الدعم البالغ جملته بالموازنة الجديدة 11%، بعد استهلاك مبالغ كبيرة في البنى الأساسية ورفع كفاءتها والعديد من المشروعات والمرافق المهمة بشكل كبير.
ونوه بأن رفع الدعم عن الوقود خلال الفترة الماضية جاء في توقيت ممتلئ بالأحداث الاقتصادية والهزات العنيفة، بالتزامن مع فترة تراجع لسعر خام برنت وأسعار تحوط أقل بكثير من المخصصة في الموازنة العامة، علمًا بأن المواطن المصري يتحمل الكثير من تبعات ما يدور بالمنطقة، بما يؤثر على القدرة الشرائية للمواطن وانخفاض أسعار العملة المحلية، ومع خفض الفائدة بالبنوك سيؤثر ذلك على المدخرات في ظل ارتفاع نسب التضخم، إلا أن الأسعار لم تنخفض فهي في زيادة ولكن بوتيرة أقل، ولا زالت التخوفات حول ارتفاع نسب التضخم وخفض الفائدة واستمرار الارتفاعات بأسعار السلع وإن كانت طفيفة ، في الوقت الذي تتحرك فيه أسعار الصرف، والتحرير بأسعار المحروقات وتبعاته السلبية على كافة أسعار السلع والخدمات، ولكن لم ترتفع أسعار الدقيق خلال الفترة الماضية نتيجة تراجعه والمراقبة المستمرة.
وأكد أن الضرائب لا تزال أحد الموارد الرئيسية للموازنة المصرية، حيث تتراوح حصتها بين 80 إلى 90% من حجم الإيرادات، بالإضافة للعجز البالغ 1.5 تريليون، والذي يتم تغطيته من خلال طرح أذون خزانة جديدة، حيث إنه من المستهدف طرح 2 مليار دولار سنويًا، لخفض الدين من 80 – 85% سنويًا، مشيرًا إلى أن الأفضلية في الوقت الراهن تبرز في مبادلة الديون المصرية مع الدول العربية في ظل العلاقات الاستراتيجية الطيبة لتحويلها إلى استثمارات، وقد حدث مع الجانب الكويتي باستهداف قرابة 6.5 مليار دولار، والمملكة العربية السعودية بحوالي 15 مليار دولار، وقطرية عبر استهداف 7 مليارات دولار، إلا أن التخوف يكمن في استهداف الشركات الرابحة بالسوق المصرية مع تدني أسعار تلك الشركات في الوقت الحالي، ما يترتب عليه ضياع الفرصة البديلة.
وأضاف بأن الطريق الموازية تتمثل في زيادة مواردنا التقليدية من مصادر العملة الرئيسية، لاسيما في ظل استمرار تداعيات الحرب الإسرائيلية على غزة وتبعاتها السلبية الممتدة لقناة السويس والتي سجلت تراجع عائداتها خلال العام الماضي بـ70% مع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر ومضيق باب المندب على السفن، كما أن عودته للنشاط من جديد غير معلوم الأجل، معولاً على تحويلات المصريين من الخارج حيث بلغت حوالي 29 مليار دولار، مع توقعات بنموها خلال الفترات القادمة، في ظل سعر الصرف المرن الذي يعد عاملاً مهمًا في استمرارها.
استثمار أجنبي حقيقي
وشدد على أهمية استقطاب استثمارات جديدة بعيدًا عن الاستحواذات تهدف لتوسيع رقعة الاستثمارات الإنتاجية والتحوط بالاستثمار الصناعي وتوطين صناعات جديدة، دون القيد بالإنتاج الكامل لمنتج ما، ولكن التكميلي والتحويلي منه يجب أن يكون ضمن مستهدفاتنا، لضمان خفض تكلفة المنتج من الفاتورة الاستيرادية وتقليص مصروفاتنا الدولارية، وهذا يتطلب استمرار تحسين البيئة الاستثمارية لكوننا في وضع تنافسي عالمي في استقطاب الاستثمارات ولنا في سعي الإدارة الأمريكية لجذب استثمارات سعودية وإماراتية وقطرية وغيرهم مثالاً، وهناك تحدٍ آخر يتمثل في الضرائب الجمركية أمام الاستثمار العالمي، ما يزيد من جاذبية مصر لاستثمارات أوروبية وصينية وتركية.
ولفت إلى أن القطاعات التقليدية كالصناعة والزراعة يجب أن نوليهما بالغ الاهتمام لكونهما الأعمدة الراسخة في مواجهة الأزمات ولذا يطلق على تلك القطاعات “الاقتصاد الحقيقي”، والذي يتحقق بازدهارهما نشاط بكافة القطاعات ذات الصلة مشكلاً رواجًا ونشاطًا تجاريًا محليًا وعالميًا، مع الأخذ في الاعتبار التحديات العالمية والتهافت الواضح من القوى العالمية للسيطرة على الممرات الملاحية، ما يدعو للتحديث والمتابعة المستمرة للأحداث العالمية، وما تتأثر به، وامتداد ذلك وآثاره على الاقتصاد المحلي مع اتخاذ القرارات بشكل سريع دون الانتظار والتأخير حتى لا ترتفع التكلفة، مع الحاجة المُلِحة لمتابعة الحكومة واطلاعها على كافة الأحداث المحلية والعالمية الجارية وإنتاج حلولاً تتواكب مع الواقع، دون الضغط على المواطن نظرًا لتحمله تبعات الإصلاح خلال السنوات الماضية وهذا ما صرح به – الدكتور مصطفى مدبولي رئيس مجلس الوزراء – عدة مرات، والابتعاد عن التصريحات المتناقضة التي تدل على التخبط.
وفيما يخص قطاع السياحة، أشاد بالجهود المبذولة في المتحف المصري الكبير والذي من المقرر افتتاحة 3 يوليو المقبل، وهو الحدث الأبرز على أجندة القطاع السياحي الذي يجب استغلاله بشكل مثالي من خلال دعوة كافة الرموز السياسية والمؤسسات من الخارج واستغلال الشركات الناجحة بالداخل المصري لعرض تجربتها، مع إقامة معرض سياحي ومؤتمر كبير على هامش الافتتاح يهدف لاستعراض الوضع السياحي وإمكانات وجهود التطوير على كافة السواحل وفي مختلف المناطق السياحية، مع إبراز ما تتميز به مصر من مناخ مناسب وبنية أساسية جاذبة وتعدد ثقافي وحضاري واضح، في الوقت الذي تتنامى فيه الإنشاءات الفندقية ووسط حالة من الجذب والاستقطاب لجزء كبير من الاستثمارات الخليجية بهدف التوسع وزيادة عدد الغرف والفنادق في مصر خلال الفترة المقبلة، فرغم التحديات العالمية تحظى مصر باستقرار كبير يجب استغلاله.