عزمي المنشاوي يكتب: خالد… متجاوزًا دراما الجريمة والمخدرات

عزمي المنشاوي يكتب: خالد… متجاوزًا دراما الجريمة والمخدرات

لن أنسى هذا السائق وبطولته، جسد لنا درسًا خالداً في الشجاعة والتضحية والفداء والإيثار.

لعله أفسد ببطولته ما يفعله بمجتمعنا وشبابنا “السادة” أصحاب ومنتجي الدراما.. و”عبيد” الفضائح والجرائم والمخدرات والفلوس بأي تمن حتى لو كان هدم المجتمع وقيمه وتقاليده..!
لعله يُنسينا من يتشبهون بالنساء من أهل الفن.. وهم نجوم كبار لا ينقصهم المال.. ومنهم من يقترب من السبعين عامًا ويملك فنادق!.. ماذا تفعل بنفسك يارجل..!
*
دائمًا ما يغيب عن أهل السينما والمسلسلات بطولات تغامر بروحها لتحيي أرواحاً أخرى مثل “خالد عبدالعال”.. ويغيب عنهم بطولات أخرى تكافح من أجل لقمة العيش في بلدنا الغالي مصر.. 

لعل بطولة هذا السائق تُنسينا ما فعله عمرو سعد وإلهام شاهين في مسلسل “سيد الناس”.. وأحمد السقا وطارق لطفي وباسم سمرة في مسلسل “العتاولة” جزء أول وتانى.. ومحمد رجب في “الحالانجي”.
*
في وقت كان يستعد فيه لأن يفرح بنجله وزفافه إلى عش الزوجية نهاية هذا الشهر، انقلب حال الأسرة بموت البطل الأب فرحل إلى العالم الآخر مسجلاً اسمه بحروفٍ من ذهب في دنيا الناس.
فهو ليس بطلاً عادياً، بل إنسانًا استثنائيا قدّم روحه طواعيةً.. ولم يفكر في زوجته وأولاده.. وإلا (كان عمل مش واخد باله)، مُضَحيًا بعمره لينقذ أعمار الآخرين، فعندما اشتعلت النيران في شاحنته المملوءة بالوقود، تحرك قلبه قبل يديه، ودفعه حسه الإنساني وضميره الحي ليقود الشاحنة المشتعلة بعيدًا عن محطة تموين السيارات المزدحمة في مدينة “العاشر من رمضان”، ليتحول خلال لحظات إلى بطل حقيقي، وحكاية خالدة تُروى بكل فخر للأجيال.
*
 رحل السائق “خالد محمد شوقي عبد العال” – المبارك – من “قرية مبارك” ابن محافظة الدقهلية، بعدما سطّر بدمه مشهدًا من أنبل مشاهد التضحية تعجز أفكار المخرجين وكاميرات المصورين عن تصويره؛ تاركًا وراءَه حزنًا عميقًا في قلوب الآلاف ممن يعرفون معنى الرجولة والتضحية وحب الغير وحب الخير للغير.
قاد “خالد” الشاحنة المشتعلة رغم اشتعال كابينة القيادة، وامتداد النيران إلى جسده متحملًا ألسنة اللهب، واضعاً أرواح الناس فوق روحه وحياته الشخصية، وبعد نزوله من السيارة ظهرت آثار الحروق الخطيرة على جسده بينما كان ينادي لمساعدة آخرين في إطفاء نيران امتدت لسيارة ملاكي.

بعد أيام من مقاومة جسده للحريق في غرفة العناية المركزة بمستشفى “أهل مصر” للحروق، لفظ “خالد- الرجل الخمسيني” أنفاسه الأخيرة متأثرًا بإصاباته المميته.
*
إذا كانت الحكومة قررت تكريم البطل، وصرف مكافأة مالية عاجلة لأسرته، ومعاش استثنائي، وإطلاق اسمه على أحد شوارع المدينة.
وإذا كان جهاز العاشر من رمضان أقام عزاءً رسمياً، فإن تبرع رجل الأعمال السعيد كامل، بنصف مليون جنيه لأسرة الشهيد “خالد محمد شوقي”.. عمل يستحق الإشادة والتقدير وأنا أحيي رجل الأعمال الذي أعجبني ماكتبه في منشور له عبر فيسبوك، حيث قال: “ممكن الإنسان يضحي بفلوس أو وقت أو جهد، لكن إنه يضحي بروحه وهو شايف الموت قدام عينه لإنقاذ آخرين، هذا شيء لا مثيل له إلا عند المصريين فقط”.
وأضاف: “نحن مدينون لهذا البطل بأرواحنا، ولا يمكن تصور حجم الخسائر التي كان من الممكن أن تحدث في الأرواح والممتلكات إذا انفجرت خزانات الوقود بالمحطة، أقل ما يمكن تقديمه لروحه الطاهرة هو الوقوف إلى جانب أسرته”.
*
سيظل خالد عبد العال حياً في ذاكرتي وذاكره الوطن لقد فعل ماقاله الحسن البصري” عظ الناس بفعلك، ولا تعظهم بقولك”، ففعل ونال الأجر والثواب في الآخره.. وحسن الثناء في الدنيا.
أتمنى أن أرى أعمالاً فنيه تُجسد البطولات (التي منها خالد عبدالعال)، فهي تجعل لحياتنا طعماً ولوناً جميلاً.
[email protected]