قانون “حماية المنافسة” تحت إشراف “الفتوى والتشريع”

قانون “حماية المنافسة” تحت إشراف “الفتوى والتشريع”


رفع جهاز حماية المنافسة مشروع قانون بتعديل بعض أحكام «حماية المنافسة» إلى إدارة الفتوى والتشريع لمراجعته، تمهيداً لعرضه على مجلس الوزراء، ومن ثم إقراره ونشره في الجريدة الرسمية، في خطوة يأمل المراقبون أن تكون إنهاءً لما حمله القانون من غلو في فرض العقوبات الجزائية، وأن يسد الثغرة التشريعية بعد حكم المحكمة الدستورية.

وكانت «الدستورية» انتهت إلى عدم دستورية بعض بنود مواد قانون حماية المنافسة، لاسيما البند 1 من المادة 34، الذي يتضمن فرض عقوبات مالية على الشركات تصل إلى 10 في المئة من إيراداتها المجمعة، مؤكدة أن «تلك العقوبات تحمل غلواً وإفراطاً في فرض عقوبات مالية هادمة لا تقويمية، تتجاوز حدود الجزاء، كما أنها تشكل اعتداءً على الملكية الخاصة وعناصر الذمة المالية».

عنوان الحقيقة

وعقّب مدير جهاز حماية المنافسة بالتكليف راكان العجمي، في مداخلة له بمنتدى أركان القانوني الثالث، على حكم «الدستورية» بالقول: «إن حكم المحكمة يعتبر عنوان الحقيقة، حيث تطرق إلى مدى توافق النص مع أحكام الدستور، لكن إذا تطرقنا إلى مواكبة الجهاز للتشريعات الحديثة فقد قام المشرّع بدراسة تعديل قانون حماية المنافسة رقم 10 لسنة 2007، وأخذ بعين الاعتبار كل الممارسات القانونية الحديثة والتطبيقات ومبادئ المنافسة»، مضيفاً أنه في إحدى مشاركات الجهاز بمؤتمر بجنيف تمت الإشادة بقانون حماية المنافسة للكويت، وأوصى المؤتمر آنذاك الدول المشاركة بأن تحذو حذو الكويت في مثل هذا التشريع، وتحديداً في النصوص المتعلقة بالجزاءات، لذا أخذت الكويت هذه الإشادة الدولية والرفيعة.

وتابع العجمي: «أصبح هناك نص غير متوافق مع الدستور تم إبطاله، لذا قمنا برفع تصوراتنا إلى إدارة الفتوى والتشريع، فيما يخص التعديل المزمع، والآن ينظر في مسألة التعديل من المتخصصين، حيث سيأخذ دورته التشريعية، ولن يطول الأمر، خصوصاً أنه تمت مراجعته قانونياً وفنياً»، مستدركاً: «لقد أخذنا في جهاز حماية المنافسة بعين الاعتبار توجيهات المحكمة الدستورية عند وضع التعديل المقدم، كما استعنا بمبادئ المنافسة الحديثة».

العجمي: أخذنا بعين الاعتبار توجيهات «الدستورية»… واستعنا بمبادئ المنافسة الحديثة

وبين أن الجهاز كمؤسسة حكومية ملتزم بالعمل كمنظومة متكاملة بما يحقق المصلحة العامة، مضيفاً أنه يعمل بشكل وثيق مع أجهزة الدولة وقانون إنشائه متوافق مع قانون إنشاء هيئة مكافحة الفساد «نزاهة»، ولا شك في أن القوانين تكمل بعضها الأخرى، وجهاز حماية المنافسة في الآونة الأخيرة أصبح أحد أكثر الجهات تفاعلاً مع «نزاهة»، من خلال مشاركته في برنامج «أداء»، الذي قامت هيئة مكافحة الفساد بتنظيمه.

وعن دور الجهاز في «مكافحة الفساد»، شدد على أنه متى ما استشعر الجهاز أن هناك جريمة تقع في نطاق رقابة أي مؤسسة يبادر تلقائياً بمباشرة التواصل مع الجهة المختصة، وإخبارها بشكل ونوع هذه المخالفة أو الجريمة.

تعديلات كلية

ويرى المراقبون أهمية ألا يقتصر القانون المزمع إقراره على تعديل البنود التي أبطلتها «الدستورية»، بل يجب اغتنام الفرصة وإجراء تعديلات كلية على القانون، تحافظ على قوة الجهاز في عقاب الشركات المخالفة لقانونه من جهة، وصيانة حقوقها الخاصة وحمايتها من الضرر الذي قد يدخلها في ضائقة مالية قد لا تستطيع التعافي منها من جهة أخرى.

جدير بالذكر أن حكم المحكمة الدستورية أكد أن هذه العقوبة تعسفية يصمها الغلو والإفراط، ولا تتصل بالمنفعة التي عادت على الشركة منها، وتمثل اعتداء غير مبرر على عناصر الذمة المالية الخاصة بالشركة ومساهميها حَسني النية، معتبرة أنها بالغة القسوة وتهدد المركز المالي للشركة المتضررة، وتعصف بمبدأ شرعية الجريمة والعقوبة، وتعتدي على حق الملكية ورأس المال.

وأشارت إلى أن هذا الجزاء المالي يصل في مداه إلى أنه يعد شكلاً من أشكال المصادرة التي حظرها الدستور في المادة 19 منه، إذ إن تمكين الإدارة من فرض جزاء مالي تحكمي ينصب على حصة شائعة من أموال الشركة تنتقل بموجبه إلى الذمة المالية للجهاز لتصبح جزءاً من موارده المالية، وهو ما يمثل شكلاً من أشكال المصادرة المحظورة دستورياً.

دراسة قانونية

واستعرض المستشار القانوني في مكتب أركان علي الثويمر، في دراسة له خصَّ بها «الجريدة»، حُكم المحكمة الدستورية في الطعن المباشر رقم 4/ 2023 والصادر في جلسة 23 فبراير الماضي، والقاضي بعدم دستورية البند 1 من المادة 34 من قانون حماية المنافسة رقم 72 لسنة 2020 بشأن حماية المنافسة، فيما تضمنه من فرض جزاءات مالية بنسبة لا تجاوز 10 في المئة، من إجمالي الإيرادات التي حققها الشخص المعني خلال السنة المالية السابقة في حال مخالفة حكم المادة 8 من هذا القانون حيث تناول أبعاد هذا الحُكم، مُحدداً آثاره المباشرة، ومقترحاً حزمة من التعديلات التشريعية، لتفادي تكرار شُبهة عدم الدستورية، وضمان فاعلية القانون في تنظيم السوق وحماية التنافسية.



وقُبيل حديثه عن الآثار والحلول، سلَّط الثويمر الضوء على مضمون حُكم «الدستورية»، لاسيما ما قرره بالنسبة للبند 1 من المادة 34، الذي كان ينص على: «بنسبة لا تجاوز 10 في المئة (10 في المئة) من إجمالي الإيرادات التي حققها الشخص المعني خلال السنة المالية السابقة في حال مخالفة أحكام المواد أرقام 5 و6 و7 و8 من هذا القانون».

الثويمر: يجب أن يكون للغرامة حدان أدنى وأقصى بحيث ينظر في تقديرها إلى خطورة المخالفة

وعن تداعيات حُكم «الدستورية»، قال الثويمر: «أثر هذا الحكم على واقع الاختصاص المقرر لجهاز حماية المنافسة، يتمثل في:

1- لا يجوز لجهاز حماية المنافسة بعد حُكم المحكمة الدستورية أن يقوم بفرض عقوبات وغرامات مالية على المخالفة للقانون، استناداً للبند الأول من المادة 34 المقضي بعدم دستوريتها.

2- قيمة الغرامات التي سبق تحصيلها من الشركات المخالفة تطبيقاً للبند الأول من المادة 34 من قانون حماية المنافسة سيكون بقاؤها تحت يد الجهاز فاقداً لسنده القانوني.

3- بقية بنود المادة 34 وعددها 5 بنود بخلاف البند الأول الذي قضى بعدم دستوريته أصبحت في مرمى عدم الدستورية طالما حددت الجزاء المالي المفروض على المخالف بنسبة معينة من إجمالي الإيرادات إلى حققها الشخص المخالف، وهي ذات الأساس الذي قام عليه البند الأول من المادة 34، والذي قضى بعدم دستورية هذا البند، وبما يتعيَّن معه على الجهاز عدم تطبيق المادة 34 ببقية بنودها على المشمولين بأحكامها، تحوطاً من المنازعة بعدم دستوريتها».

حلول مقترحة

وفيما يتعلق بالحلول المقترحة لمعالجة الفراغ التشريعي إزاء هذا الحُكم، أكد الثويمر ضرورة أن يراعي النص التشريعي المُراد إصداره بشأن تحديد الجزاءات المالية التي توقع على مرتكب تلك الأفعال المحظورة بقانون حماية المنافسة، القواعد القانونية، تفادياً لشبهة عدم الدستورية، والتي حدَّدها في الآتي:

أولاً: تعديل المادة 34 من قانون حماية المنافسة رقم 72/ 2020 بكل بنودها، وإعادة صياغتها، لتكون وفقاً للضوابط الآتية:

1- أن يكون تحديد الغرامة الموقعة معتمداً على مدى جسامته المخالفة.

2- تحديد مقدار ما حققه المخالف من فائدة له خلال الفترة التي ارتكب فيها المخالفة.

3- مقدار ما لحق السوق المعنية من ضرر بخصوص الأنشطة والمنتجات محل المخالفة.

4- أن تكون الغرامة مبلغاً يتحدد مقداره بين حدين أدنى وأقصى، بحيث ينظر في تقديرها إلى خطورة المخالفة، ومدى إضرارها بالاقتصاد الوطني.

ثانياً: إعادة النظر في بعض مفاهيم القانون، والواردة في المادة الأولى منه، والخاصة بالتعريفات، ومنها تعريف المسيطر، بحيث يكون أكثر وضوحاً، حتى لا يكون الأمر وإزاء هذا الغموض مدعاة لعدم تطبيق الجزاءات، أو تقرير عدم الدستورية مرة أخرى، لغموض التعريف، وعدم تحديده بشكل واضح وجلي.