(الحلقة 42) مصطفى بكري يشارك شهادات وذكريات لـ«الجمهور» حول أسرار الدعم الأمريكي للإخوان

– عمر سليمان حذر الأمريكان في 2003 من تبني جماعة الإخوان وأمريكا رفضت التحذير.
– واشنطن رأت في الإخوان جماعة وظيفية لإنهاء وتصفية القضية الفلسطينية.
– مهدي عاكف مرشد الجماعة يقول في حديث للمصري اليوم 2005: الرئيس مبارك هو ولي الأمر وطاعته واجبه!!
– محمد بديع مرشد الجماعة الجديد يقول: مبارك أب لكل المصريين ونحن نريد حقنا من «والدنا»!!
هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشت فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم في أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودي بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتي.أروى هذه الشهادات التي ينشرها موقع “الجمهور” بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.في هذه الحلقات التي ينشرها موقع “الجمهور” يوم “الجمعة” من كل أسبوع، يروي الكاتب والبرلماني مصطفى بكري شهادته عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها، خلال فترات حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك والمشير طنطاوي ومرسي والرئيس السيسي.
المؤامرة ضد مصر
مع مضي الأيام بدأت تفاصيل المؤامرة ضد مصر تتكشف، ويدرك الجميع أبعادها.كانت القاهرة على ثقة أن موقفها الرافض لتصفية القضية الفلسطينية على حساب الأرض المصرية سيكون له ثمنه، وإنها ترصد بدقة تواصل الإدارة الأمريكية مع جماعة الإخوان وعناصرها الأساسية خارج البلاد.وفي عام 2003 سافر عمر سليمان مدير جهاز المخابرات العامة المصرية إلى الولايات المتحدة في مهمة استغرقت يومًا واحدًا، وهي مهمة سرية كان الهدف منها تحذير الإدارة الأمريكية من خطورة علاقتها بجماعة الإخوان.وعندما التقى عدد من المسئولين الأمنيين والسياسيين الأمريكيين، تحدث عمر سليمان بكل صراحة ووضوح محذرًا من مخاطر هذا الحوار، وتداعياته على مصر والمنطقة.قال عمر سليمان: هؤلاء ليسوا صادقين، لديهم أهدافهم التي يسعون إلى تحقيقها، وساعتها سينقلبون عليكم، وسيعملون على بناء دولة دينية معادية حال وصولهم للحكم.وبعد حوارات متعددة أدرك عمر سليمان أن واشنطن مصممة على استمرار حوارها مع الجماعة، وفتح المزيد من القنوات مع عناصر الداخل والخارج.
كان الهدف من وراء كل ذلك هو إنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي بطريقة تخدم أهداف إسرائيل، وهذا لن يتحقق إلا بوصول الإخوان للسلطة في الدول المحيطة بإسرائيل، فهؤلاء ليس لديهم ولاء للأرض، ولا يؤمنون بالحدود، وكافة مقولات قادتهم تؤكد ذلك.كانت كافة مراكز الأبحاث الأمريكية تدعم هذه الرؤية، وترى أن الوقت قد حان لتحقيق الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، خاصة وأن إسرائيل تخوض حروبًا منذ عام 1948 لتحقيق هذا الهدف، الذي يمنحها الأرض ويحقق لها السلام ولو على حساب الآخرين.
الفوضى الخلاقة
أما كونداليزا رايس التى كانت تشغل منصب وزيرة الخارجية الأمريكية فى هذا الوقت، قد طرحت هى الأخرى رؤيتها للمتغيرات المقبلة لبناء شرق أوسط جديد وفى مقدمتها نظرية «الفوضى الخلاقة»، التى تعنى فى مضمونها «التخلى عن مفاهيم الأمن والاستقرار» حتى لو تسبب ذلك فى إسقاط العديد من الأنظمة الحليفة والموالية للولايات المتحدة، بزعم أن هذه الفوضى حتمًا سينتج عنها وضع أفضل من الأوضاع السائدة فى المنطقة، وقد أكدت ذلك تفصيلاً فى حديثها للواشنطن بوست بتاريخ 19 أبريل 2005. ولم تبدِ اعتراضها فى هذه الفترة على إمكانية وصول الإخوان للسلطة بالطريق الديمقراطى.وقد تعددت الاتصالات بين ممثلين لجماعة الإخوان وتحديدًا، التنظيم الدولي، وبين عناصر استخباراتية أمريكية، بهدف الاتفاق حول الخطوات القادمة لأسس التنسيق بين الطرفين.كانت واشنطن قد سعت فى هذا الوقت إلى التأكد من مصداقية وعود الإخوان ومدى التزامهم بالاستراتيجية الأمريكية حال وصولهم للحكم فى مصر والعالم العربي، وقد رصدت المخابرات العامة المصرية وجهاز مباحث أمن الدولة ورود تعليمات من قيادة الـ(سي.آي.إيه) إلى مسئولى محطات المخابرات الأمريكية فى عدد من الدول الغربية والشرق الأوسط لتجنيد عدد من كوادر الجماعة للتعرف من خلالهم على الموقف الحقيقى للإخوان المسلمين من السياسة الأمريكية فى المنطقة.وفى عام 2006 زار وفد برئاسة ريتشارد ميرفى (مساعد وزير الخارجية الأمريكى لشئون الشرق الأوسط) مقر الكتلة البرلمانية لجماعة الإخوان فى المنيل بالقاهرة، حيث التقى الوفد مع عدد من نواب جماعة الإخوان بالبرلمان، وهم: سعد الكتاتنى وحسين إبراهيم وحمدى حسن، تم خلال الزيارة الحديث عن ضرورة تنمية العلاقة بين نواب الإخوان بالبرلمان وبين مراكز الأبحاث الأمريكية، ولم يكن ذلك إلا عنوانًا للمهمة، إلا أن الأمر كان يحوى تكليفًا من الإدارة الأمريكية لريتشارد ميرفى بمعرفة رؤية الإخوان حول القضايا المطروحة وتطوير الحوار بين الجماعة والإدارة الأمريكية.

وفى أكتوبر عام 2006 بدأت ملامح هذا المخطط تتكشف تدريجيًا بأبعادها المختلفة، من خلال البلاغ الذى تقدم به عضو جماعة الإخوان المدعو «محمد عبدالغنى محمد حسن» الذى كان يعمل فى بلغاريا، عندما التقى القنصل العام للسفارة المصرية فى بلغاريا، وهو رجل مخابرات، وأبلغه أن أحد عناصر الاستخبارات الأمريكية التقاه أكثر من مرة فى أماكن متعددة داخل بلغاريا، وكان الهدف من وراء هذه اللقاءات هو تجنيده لصالح المخابرات الأمريكية بهدف التجسس على جماعة الإخوان ومعرفة حقيقة مواقفها السياسية.وقد أكد محمد عبد الغنى للقنصل المصرى أن الشخص الأمريكى الذى سعى إلى تجنيده يعمل بمقر السفارة الأمريكية فى بلغاريا، وأنه فهم منه أن هناك عناصر إخوانية أخرى فى بلغاريا وغيرها تم تجنيدهم للغرض نفسه.فى هذا الوقت كتب القنصل العام المصرى فى بلغاريا تقريرًا أرسله إلى الجهات المختصة التى أطلعت بدورها الرئيس مبارك عليه ، كما جرى إطلاع جهاز مباحث أمن الدولة على ذات المعلومات التى كان الجهاز نفسه قد توصل إليها عبر اختراقه للتنظيم الدولى للإخوان.لقد أصبح لدى الاستخبارات الأمريكية فى هذا الوقت قناعة بأن الإخوان يستهدفون الوصول إلى السلطة فى مصر، وأنهم فى سبيل ذلك مستعدون لتنفيذ كافة المطالب الأمريكية.
مبارك وأمريكا
كانت الأزمة بين مصر والولايات المتحدة قد أصبحت على فوهة بركان بفعل التدخلات الأمريكية المباشرة فى الشئون الداخلية المصرية، والتآمر على استقرار البلاد.وكان الرئيس مبارك قد أبلغ وزير خارجيته، أنه لن يزور الولايات المتحدة كنوع من الاحتجاج على تدخل الإدارة الأمريكية فى الشئون المصرية، ووصول معلومات تشير إلى دورها الهادف إلى إسقاط نظامه وفتح الطريق أمام الإخوان المسلمين للقفز على السلطة فى البلاد.وفى عام 2007 عُقد لقاء بمنزل السفير الأمريكى بالقاهرة بين د.سعد الكتاتنى (زعيم الكتلة البرلمانية للإخوان فى مجلس الشعب) وبين «ستانى هوهر» زعيم الأغلبية الديمقراطية فى مجلس النواب الأمريكى، حيث تعرض اللقاء إلى سيناريوهات المستقبل ومرحلة ما بعد نظام مبارك.ووضح من خلال هذا الاجتماع أن واشنطن لن تقف حائلًا أمام وصول الإخوان للسلطة فى البلاد، وأنها ستمارس ضغوطها على النظام لوقف قمعه للإخوان والمعارضة.وبعد أحداث المحلة فى 6 أبريل 2008 بدأت جماعة الإخوان تُعِدُّ العدة للمرحلة القادمة، خاصة بعد أن أدركت حجم الاحتقان الشعبى ضد نظام مبارك، فسعت إلى تكثيف لقاءاتها بالمسئولين الأمريكيين للاتفاق حول سيناريوهات المستقبل.كان نظام مبارك فى هذا الوقت يعقد الصفقات مع الجماعة، يتركها تعيث فسادًا فى البلاد طولًا وعرضًا، شريطة ألا تتعرض لكرسى الحكم، وبذلك منحها الفرصة للتحرك والتغلغل فى النقابات وكافة الأوساط المجتمعية، ولم يكن يسمح لجهات الأمن بالتدخل إلا فى مواجهة بعض التحركات التى كان يراها خطيرة.

كانت واشنطن تمارس ضعوطها على النظام، وتتهمه بعدم احترام قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، وكانت التقارير التى تصدر من المنظمات الدولية والمحلية بإدانة ممارسات النظام ضد معارضيه، تشكل قلقًا لأركان النظام الحاكم فى هذا الوقت، ولذلك كان مبارك يرفض الاعتداد بالتقارير الأمنية التى كانت تطالبه بضرورة اتخاذ إجراءات جذرية لتجفيف منابع الإخوان ومنظمات المجتمع المدنى المموَّلة من الخارج.وفى عام 2009 ومع وصول المرشح الديمقراطى «باراك أوباما» إلى قمة السلطة فى الولايات المتحدة بدأت المؤامرة تأخذ أبعادًا جديدة، لقد سعى أوباما إلى خديعة الرئيس مبارك وجاء إلى مصر فى يونيو 2009 ليخطب فى قاعة المؤتمرات بجامعة القاهرة متحدثًا عن المصالحة مع العالم العربى والإسلامي، وبما يؤكد عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول واحترام حقوق الإنسان والسعى إلى إيجاد حل عادل للقضية الفلسطينية، غير أن التحركات الأمريكية على الأرض كانت على العكس من ذلك تمامًا.وقد كان من المدهش هنا أن تصر السفارة الأمريكية على دعوة قيادات إخوانية للمشاركة فى هذا اللقاء.لقد قرر أوباما فى هذا الوقت استئناف ضخ ملايين الدولارات إلى منظمات المجتمع المدنى الموالية لواشنطن خصمًا من قيمة المعونة الأمريكية المقدَّمة إلى مصر، ورغم الاحتجاجات المصرية التى تقدمت بها د.فايزة أبو النجا (وزيرة التعاون الدولى فى هذا الوقت)، إلا أن واشنطن ظلت على موقفها ورفضت كافة النداءات المصرية، بل إنها زادت من حدة تدخلها فى الشئون الداخلية للبلاد من خلال التقارير المعادية التى كانت تعدها جهات أمريكية حول تردى الحريات الدينية فى مصر والممارسات القمعية للنظام، وبدأت حملة قوية فى الصحافة ووسائل الإعلام الأمريكية حول قضية التوريث التى أحدثت قلقًا كبيرًا لدى كافة الدوائر الشعبية والعسكرية فى مصر.كانت الأجهزة الأمنية تسدى النصائح للرئيس مبارك، حيث طالبته بضرورة إحداث تغيير واسع فى البلاد، وقدَّمت العديد من التقارير التى تؤكد أن واشنطن تتحاور بجدية مع جماعة الإخوان للانقلاب على نظام الحكم فى البلاد، إلا أن مبارك لم يكن مستعدًا للاستماع إلى أحد فى هذا الوقت.
التنظيم الدولى
وفى شهر مايو من ذات العام سافر د.محمد البلتاجى القيادى الإخوانى وعضو مجلس الشعب إلى تركيا، حيث التقى وفدًا من قيادة حماس كان يشارك فى مؤتمر «نصرة غزة» الذى عُقد لبحث سبل دعم سكان قطاع غزة فى مواجهة الحصار الذى كان مفروضًا عليهم.وخلال هذا اللقاء أكد قادة حماس للبلتاجى أن هناك عبئًا كبيرًا ملقًى على جماعة الإخوان فى مصر لإنهاء الحصار المفروض على القطاع، وأكدوا له أن أعضاء الحركة قد منحوا بيعتهم للمرشد العام لجماعة الإخوان، وأنهم ملتزمون بكافة قرارات مكتب الإرشاد، وأن الولاء للجماعة والتنظيم الدولى له الأولوية.وفى العام نفسه التقى القيادى الإخوانى حازم فاروق (النائب بالبرلمان عن جماعة الإخوان في هذا الوقت) بالمسئول عن اللجان بحركة حماس فى لبنان ويدعى «أبو هشام»، وقد دار حوار بين الطرفين حول مدى استعداد حركة حماس لمساندة جماعة الإخوان فى مصر حال اتخاذها قرارها النهائى بالانقلاب على نظام الحكم فى مصر حال تدهور الأوضاع فى البلاد.وفى هذا اللقاء أكد حازم فاروق أن جماعة الإخوان تنسق مع كافة القوى السياسية لحشدها ضد النظام وتهيئة الساحة للتغيير الكبير الذى سيعمل الإخوان على إحداثه فى مصر خلال الفترة القادمة. وأكد «أبو هشام» أن عناصر من حماس وحزب الله يجرى تدريبها فى معسكرات حزب الله بهدف إسقاط النظام المصري، الذى أصبح يشكل خطرًا على الشعب المصرى وعلى القضية الفلسطينية على السواء.فى هذا الوقت كانت السلطات المصرية قد ألقت القبض على خلية لعناصر تنتمى إلى حزب الله، تم القبض على أعضائها وتقديمهم للمحاكمة فى القضية رقم 254/2009 حصر أمن دولة عليا، حيث كانت هذه الخلية مكلفة بتنفيذ أعمال عنف ضد المنشآت الحيوية بمصر.لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، كان المخطط قد بدأ يأخذ خطوات جادة سواء فيما يتعلق بالإعداد الداخلى أو التواصل مع قوى الخارج خاصة مع الأمريكان من جانب ومع حركة حماس وحزب الله من جانب آخر، كان الجميع قد اتفقوا على ضرورة الاستعداد للتدخل المباشر والإجهاز على نظام الحكم الضعيف فى مصر.وكان الاجتماع الأخطر هو الذى جرى فى الفترة من 15-17 يناير عام 2010 فى بيروت بين محمد نزال (عضو المكتب السياسى لحركة حماس) وبين وفد إخوانى كان قد زار لبنان فى هذا الوقت وضم كلًا من: حسين إبراهيم ومحمد البلتاجى وإبراهيم أبو عوف وأسامة جادو.وخلال هذا اللقاء حمل الوفد رسالة من المرشد الجديد للجماعة د.محمد بديع إلى قادة حماس أكد فيها أن الجماعة بصدد انتظار اللحظة الحاسمة لتنفيذ مخطط الاستيلاء على السلطة فى مصر بعد إسقاط النظام الحالى الذى يواجه معارضة شعبية كبيرة، وأن ذلك يوجب على حركة حماس الاستعداد الكامل لمساندة الجماعة فى تحركاتها المقبلة.وأشار الوفد الإخوانى إلى أن الجماعة أبعدت العناصر الإصلاحية عن صفوفها بهدف تمكين القطبيين من السيطرة الكاملة على مكتب الإرشاد؛ لتنفيذ مخطط إسقاط النظام، الذى كان بعض الإصلاحيين يعترضون عليه.وقد حذَّر محمد نزال وفد الإخوان من خطورة ما يتردد عن احتمال تولى اللواء عمر سليمان أو المشير حسين طنطاوى للحكم خلفًا لحسنى مبارك حال سقوطه، وقال إن ذلك سوف يعنى استمرار النظام وممارساته، وطالبهم برفض هذا الخيار، وبحيث يكونون هم الطرف الأساسى فى تقرير مستقبل الحكم بعد سقوط مبارك.ورصدت الأجهزة الأمنية فى هذا الوقت أيضًا لقاء جرى بين خالد مشعل رئيس المكتب السياسى لحركة حماس وبين على أكبر ولايتى مستشار الإمام خامنئى فى نوفمبر 2010 فى دمشق؛ حيث تم خلاله الاتفاق على التنسيق المشترك بين الطرفين فى إطار ترتيبات المرحلة القادمة فى مصر.كانت الأمور تمضى سريعًا، نظام يتهاوى فى مصر بفعل الرفض الشعبى العارم لممارساته، وقوى تتآمر وتستعد للقفز على السلطة فى البلاد بمساندة إقليمية ودولية.فى هذا الوقت كانت حركة حماس قد عهدت إلى أحد أعضائها ويدعى «أكرم العجوري»، المعروف بعلاقاته مع عناصر من بدو سيناء، بالبدء فى التواصل معهم، انتظارًا لأحداث هامة قد تشهدها البلاد فى أقرب وقت ممكن.كانت البلاد على فوهة بركان.. كان المصريون ينتظرون التغيير الكبير، لكن الإخوان وبعض أتباعهم كانوا يُعدون العدة لنشر الفوضى والسيطرة على الحكم واختطاف الوطن.كان مبارك يرفض النصائح المقدمة إليه بضرورة مواجهة الإخوان والحد من نفوذهم، لقد كان يظن أن الإخوان سيظلون على نهجهم المعلن بعدم معاداة السلطة أو رأس الدولة، ولذلك ترك لهم حرية التحرك فى كافة الأوساط النقابية والاجتماعية والسياسية.لقد سمح لهم الرئيس بمقر علنى فى المنيل وآخر فى جسر السويس والعديد من المقرات الأخرى، وكان مكتب الإرشاد يجتمع دوريًا تحت سمع وبصر السلطات الأمنية المصرية.لقد جرى ذلك عبر اتفاق غير معلن بين مبارك وجماعة الإخوان، «تحركوا وتغلغلوا كيفما تشاءون، ولكن بشرط عدم الصدام أو معاداة رئيس الجمهورية».وكانت الصدمة عندما حصل الإخوان على 88 مقعدًا فى انتخابات مجلس الشعب عام 2005، وهو ما شكل تجاوزًا عن العدد المتفق عليه خلال الاتفاق الذى جرى بين الطرفين، الذى تم داخل مبنى مباحث أمن الدولة بحضور كل من د.محمد مرسى وخيرت الشاطر (عضوى مكتب الإرشاد فى هذا الوقت) مع قيادات مباحث أمن الدولة، وهو ما دعا الدولة إلى التدخل فى الجولة الثانية للانتخابات للحد من فوز الإخوان بما هو أكثر من ذلك.لقد كانت موافقة مبارك على هذه الصفقات التى كانت تعقدها مباحث أمن الدولة مع جماعة الإخوان، قد تمت بضغوط أمريكية، وكان مبارك يقول دائمًا: «أنا لا أريد صداعًا جديدًا، اتركوهم يتحركوا، ويدخلوا البرلمان حتى نأمن شرهم».وعندما تردد اسم محمد بديع كمرشح لمنصب مرشد عام جماعة الإخوان كتب جهاز مباحث أمن الدولة تقريرًا يحذر فيه من اختيار بديع باعتباره يميل إلى العنف ويقود التيار القطبى التكفيرى داخل الجماعة.وعندما سأل مبارك، عمر سليمان عن هذا الأمر قال عمر سليمان: كلهم زى بعض، ولكن تاريخ محمد بديع معروف للكافة، وهو بالفعل شخصية «صدامية».غير أن مبارك كان له رأى آخر، فقد كان على ثقة بأن بديع لن يخرج عن نهج محمد مهدى عاكف المرشد السابق، الذى كان حريصًا على عدم الصدام بالدولة وكان مؤيدًا للرئيس ونهجه.كان مهدى عاكف قد طلب لقاء الرئيس من خلال حديث أدلى به لوكالة الأنباء الألمانية فى 6 من سبتمبر 2004، قال فيه: «إنه بعث برسالة للرئيس حسنى مبارك يطلب فيها لقاءه لنقل رؤية الجماعة إليه»، وقال: «إنه أرسل هذه الرسالة منذ عدة أسابيع ولم يتلق أى رد عليها»، وقال أيضًا «إنه سبق أن أرسل أكثر من رسالة لمبارك يشرح فيها رؤية ومطالب الإخوان بشأن ما هو مطروح من قضايا على الساحة السياسية حاليًا»، وقال: «إنه إذا ما تحقق لقاء الرئيس سنطرح عليه ما لدينا من أفكار ونستمع لما عنده، وسنطرح رؤيتنا لقضايا الإصلاح ومختلف القضايا القومية الأخرى، وسنؤكد له أننا لا نطمع فى السلطة ولا نسعى إليها ولا نطرح أنفسنا كبديل للحكم».كانت الكلمات قد أعجبت الرئيس، وكان يرى أن مهدى عاكف من الشخصيات العاقلة التى يجب احتضانها والتعامل معها بطريقة مختلفة.لقد صّرح عاكف فى حديث أدلى به لصحيفة «المصرى اليوم» فى الأول من يناير 2005 بأن «الرئيس مبارك هو ولى الأمر، وطاعته واجبة»، وقال: «لا نقبل إفساد العلاقة بين مبارك وأبنائه من الإخوان المسلمين».وفى 20 يوليو من نفس العام أدلى بحديث لمجلة «المصور» أعلن فيه تأييده لترشح مبارك لرئاسة الجمهورية، وطلب مجددًا لقاءه.لقد وصل الأمر بجماعة الإخوان إلى الإعلان عن دعم النظام بشكل واضح؛ حيث أدلى المرشد العام بحديث إلى وكالة رويترز فى 31 من أكتوبر 2009 قال فيه: «إن الجماعة لن تحاول تحدى الحزب الوطنى الديمقراطى الحاكم فى انتخابات الرئاسة التى ستجرى عام 2011 فى ظل الدستور الحالي»، وقال: «إن حركته التى تسعى لإقامة دولة إسلامية بوسائل غير عنيفة، لن تقوم بعملية تحدٍّ انتخابي»، وقال: «إن الرئاسة الآن ليست فى أجندتي؛ لأنها تحتاج إلى مقدمات كبيرة جدًا، حينما أريد أن أترشح لها»، وقال: «أنا لن أدخل بالقوة وأصطدم مع النظام، أنا قلت لهم: لا، إنما أدخل مع بقية كل الشرفاء من أبناء مصر ونتعاون معًا حتى نصلح هذا الفساد، ومهمتنا أن نضع أيدينا فى أيدى بعض حتى نصلح الحال…»!!ورغم التحذيرات الأمنية من تولى محمد بديع منصب المرشد العام للجماعة، إلا أنه حتى عام 2010 كان صوت المرشد الجديد لا يختلف كثيرًا عن صوت سابقه.لقد أرسل محمد بديع فى 28 من مارس 2010 برقية تهنئة إلى الرئيس مبارك بمناسبة عودته إلى مصر سالمًا بعد رحلة علاج طويلة فى الخارج، قال فيها: «السيد الرئيس محمد حسنى مبارك رئيس الجمهورية، نهنئ سيادتكم بسلامة العودة إلى أرض الوطن، بعد أن منَّ الله عليكم بنعمة الشفاء، داعين الله عز وجل أن يحفظ مصر وأهلها من كل سوء، وأن يجمع أبناء الوطن جميعًا قيادة وشعبًا على خير ما يحب ربنا ويرضى».

وفى أبريل 2010 كانت الإعلامية منى الشاذلى تُجرى حوارًا مع د.محمد بديع قال فيه: «مبارك أب لكل المصريين، والمصريين عاوزين حقهم من أبوهم».ولم يقف الإخوان ضد توريث السلطة لجمال مبارك، فقط كانوا يريدون تحقيق بعض المكاسب السياسية والتنظيمية فى المقابل ومن بينها حقهم فى تشكيل حزب سياسى لهم ذى مرجعية دينية.لقد قال لى عمر سليمان: «إنه كان هناك توجُّه لدى بعض قيادات الحكم فى مصر بالموافقة على حزب لجماعة الإخوان باسم مختلف، إلا أنه رفض ذلك بكل شدة وأبلغ الرئيس مبارك بخطورة الموافقة على هذا الحزب الذى سيفتح الطريق أمام صراع دينى فى البلاد. وكان ذلك أيضًا موقف جهاز مباحث أمن الدولة.