هل تسير اليابان على خطى أمريكا؟.. بين مكافآت الإنجاب وأزمة ديموغرافية تلوح في الأفق

في وقتٍ تتسابق فيه الدول الكبرى للحفاظ على توازنها الديموغرافي، تبدو اليابان وكأنها على وشك أن تعيد النظر في سياساتها الاجتماعية جذريًا فمع تسجيل معدل الولادات أدنى مستوياته على الإطلاق، وبعد ثماني سنوات متتالية من التراجع، تواجه طوكيو أزمة وجودية تهدد مستقبلها الاقتصادي والاجتماعي.وزارة الصحة اليابانية أعلنت أن معدل الخصوبة بلغ 1.2 طفل لكل امرأة، في حين أن المعدل اللازم للحفاظ على استقرار عدد السكان هو 2.1 ومع انخفاض هذا الرقم من 1.26 في عام 2022 تؤكد الحكومة أن الوضع أصبح خطيرًا ، ما يفتح الباب واسعًا أمام سيناريوهات جديدة، قد يكون من بينها اللجوء إلى حوافز مالية مباشرة للأمهات الجدد، كما بدأت الولايات المتحدة تلمّح.
انهيار الخصوبة جرس إنذار متأخر
رغم إدراك اليابان المبكر لمشكلة تراجع الولادات منذ التسعينيات، إلا أن الإجراءات المتخذة لم تكن كافية لإحداث تغيير ملموس. وتقول مسؤولة بوزارة الصحة إن عوامل مختلفة مثل عدم الاستقرار الاقتصادي، وصعوبة التوفيق بين العمل وتربية الأطفال، تساهم في هذا التراجع المستمر ومع وصول عدد السكان إلى نحو 124 مليون نسمة، وامتلاك البلاد ثاني أعلى نسبة من المعمرين في العالم بعد موناكو، بات واضحًا أن أزمة الشيخوخة تتفاقم دون أن يقابلها ولادات كافية لإعادة التوازن.
النموذج الأمريكي مكافآت الولادة
في مشهد موازٍ بدأت الولايات المتحدة هي الأخرى تشعر بخطر تراجع معدلات الخصوبة، وهو ما دفع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال حملته الانتخابية لعام 2024 إلى اقتراح مكافأة قدرها 5000 دولار لكل أم جديدة، بل وقع أمرًا تنفيذيًا في فبراير يوسع الوصول إلى خدمات الإخصاب الصناعي، كما تدرس إدارته توسيع الإعفاءات الضريبية للأطفال وتخصيص برامج دعم للأسر المتزوجة.ورغم أن معدل الولادة في أمريكا شهد ارتفاعًا طفيفًا العام الماضي، إلا أنه لا يزال دون المستوى المطلوب، مع تسجيل 3.6 مليون طفل فقط في عام 2024، ومعدل خصوبة أقل من 55 ولادة لكل 1000 امرأة في سن الإنجاب.
هل تحذو اليابان حذو أمريكا؟
بينما تسعى طوكيو لتحسين الدعم المقدم للآباء من خلال تعديلات قانونية لزيادة مزايا إجازة الأبوة وتوسيع خدمات رعاية الأطفال، إلا أن ذلك لا يرقى بعد إلى مستوى الحوافز المالية المباشرة التي بدأت تُطرح في واشنطن الواقع أن اليابان بحكم ثقافتها المحافظة وانضباطها المؤسسي، لا تميل عادةً إلى الحلو الاستثنائية، لكنها قد تجد نفسها مضطرة لتجاوز هذه القاعدة، خصوصًا مع ضغط الزمن، والتكلفة الاقتصادية المتصاعدة للشيخوخة.يقول خبراء ديموغرافيا إن الحوافز المالية وحدها لا تكفي لكنها قد تشكل بداية لتغيير المزاج العام تجاه الزواج والإنجاب، خاصة في ظل تنامي المخاوف من الاستقرار الاقتصادي، وارتفاع تكاليف المعيشة، وانعدام التوازن بين العمل والحياة الشخصية في المجتمع الياباني.

معضلة أعمق من المال
تشير تقارير متعددة إلى أن اليابان تعاني من أزمة ثقة في مؤسسة الأسرة نفسها، ناتجة عن ثقافة العمل المفرطة، والعزلة الاجتماعية، وتراجع الحوافز النفسية والاجتماعية للارتباط وتكوين أسرة.
بالتالي، فإن مجرد تقديم مكافآت مالية قد لا يكون كافيًا ما لم تترافق مع تغييرات جذرية في أسلوب الحياة الياباني مثل تقليل ساعات العمل، وتوفير سكن ميسر للأسر الشابة، وتعزيز التوازن بين الجنسين في رعاية الأطفال.
طريق طويل لا يزال في بدايته
اليابان على مفترق طرق فإما أن تواصل تقديم حلول تدريجية تُثبت محدوديتها، أو تخاطر باتباع سياسات أكثر جرأة على غرار النموذج الأمريكي، الذي وإن لم يُختبر بعد بشكل كامل، إلا أنه يطرح فكرة مختلفة التعامل مع الولادة كأولوية وطنية، لا مجرد خيار فردي.في ظل هذا الواقع، قد لا يكون السؤال هو هل ستمنح اليابان مكافآت للمواليد؟ بل متى ستضطر لذلك؟، وما إذا كان المجتمع الياباني مستعدًا لتقبّل هذا النوع من التحول، الذي قد يغير وجه الأمة لعدة عقود قادمة.