قضية ياسين بين التحقيقات الرسمية والغضب الشعبي.. «لام شمسية» أعاد فتح الجرح

في فبراير 2024 وقعت حادثة هزت وجدان الرأي العام، لكنها بقيت طي الكتمان حتى أُعيد إحياؤها قبل أسابيع مع عرض مسلسل رمضاني يحمل اسم لام شمسية، وفجأة تحوّل اسم ياسين إلى صرخة في الفضاء الرقمي، عبر وسم «حق_الطفل_ياسين_لازم_يرجع»، الذي أعاد فتح ملف اعتداء جنسي على طفل داخل مدرسة خاصة بمحافظة البحيرة، وبين تضامن شعبي غاضب وبيانات رسمية متحفظة، ظهرت أسئلة ملحّة: من المسؤول؟ ولماذا طال الصمت؟ وهل تحمي المدارس أبناءنا فعلًا؟وزارة التربية والتعليم خرجت في بيان أكدت فيه أن الواقعة المتداولة حدثت بالفعل في فبراير 2024 داخل مدرسة خاصة تابعة لإدارة دمنهور التعليمية، وأوضحت أن القضية تخضع لتحقيقات النيابة العامة والجهات القضائية المختصة، مشددة على أنها ستتخذ كافة الإجراءات القانونية ضد الممثل القانوني للمدرسة والجهة المالكة حال صدور حكم نهائي.ورغم أن البيان حمل نبرة رسمية معتادة، إلا أن توقيته بعد عام من الواقعة أثار تساؤلات حول تعامل الوزارة مع القضايا الحساسة الخاصة بحماية الطلاب، وخصوصًا أن التحقيقات، بحسب مصادر مقربة من الأسرة، كشفت عن معلومات تشير إلى علم مديرة المدرسة بالجريمة دون اتخاذ أي إجراء فوري، وهو ما اعتبره البعض تواطؤًا صامتًا ساهم في إطالة معاناة الطفل وأسرته.تفاصيل القصة التي أعادها إلى الواجهة مسلسل “لام شمسية”، فهي تحمل كثيرًا من التشابه: طفل صغير يتعرض لانتهاك داخل مؤسسته التعليمية، بينما الإدارة تصم آذانها، هذا التشابه الدرامي أيقظ ضمير المتابعين، ودفعهم للبحث عن القصة الحقيقية خلف الأحداث، لتعود قضية “ياسين” إلى الصدارة بعد عام من الغياب هكذا تحوّل عمل فني إلى محفّز لكشف المستور، وإعادة تسليط الضوء على مأساة طفل لم ينصفه النظام التعليمي بعد.بحسب ما تداوله مستخدمون ومقربون من الأسرة، بدأت الأم في ملاحظة أعراض صحية غير طبيعية على طفلها البالغ من العمر 6 سنوات آنذاك، وبعد إجراء فحوصات طبية، تبين تعرضه لاعتداء جنسي أدى إلى تهتك واتساع في منطقة الشرج، تم تحرير بلاغ على خط نجدة الطفل 16000، وتم التواصل مع وحدة حماية الطفل بمحافظة البحيرة التي أعدت تقريرًا قُدم للنيابة العامة.وفي خطوة لدعم الأسرة قانونيًا، تدخل المجلس القومي للطفولة والأمومة، وكلف المحاميين عمرو يسري الخطيب وإيهاب عادل لملوم لحضور أولى جلسات المحاكمة التي تبدأ في 30 أبريل الجاري، وأكدت الدكتورة سحر السنباطي، الأمين العام للمجلس، أن المجلس ملتزم بتمثيل الطفل قانونيًا، وضمان حصوله على كامل حقوقه بموجب قانون الطفل رقم 12 لسنة 1996 وتعديلاته، وكذلك القانون رقم 182 لسنة 2023 بإعادة تنظيم عمل المجلس.وشدد المجلس في بيانه على ضرورة الإبلاغ عن أي حالات مشابهة عبر خط نجدة الطفل، وأكد ثقته الكاملة في نزاهة القضاء المصري في التصدي لظواهر الانفلات الأخلاقي التي تهدد القيم المجتمعية.وعلى الرغم من هذه التحركات، لا تزال علامات الاستفهام حاضرة: ما هي الإجراءات الوقائية التي تم اتخاذها لمنع تكرار مثل هذه الجرائم داخل المدارس؟ وهل تُخضع الوزارة إدارات المدارس الخاصة لرقابة حقيقية؟ وما مصير مديرة المدرسة التي تشير الوقائع إلى علمها بالجريمة؟ وكيف يمكن للأسرة أن تتلقى دعمًا نفسيًا حقيقيًا يعوّض الطفل عن الأذى الذي تعرض له؟بالتأكيد أن قضية “ياسين” لم تعد قضية فردية، بل صارت عنوانًا لعطب مؤسسي في منظومة يُفترض بها حماية الطفل لا تسليمه للمجهول وفي زمن تتفوق فيه الدراما أحيانًا على الواقع في كشف المسكوت عنه، يظل الدور الأهم على الدولة والمجتمع في إعلاء مبدأ “لا تسامح” مع أي شكل من أشكال الاعتداء، خاصة إن كان الضحية طفلًا داخل مؤسسة تعليمية.وإلى أن يصدر الحكم القضائي المرتقب في 30 أبريل، تبقى قضية ياسين جرس إنذار مؤلم، لا يجب أن يُسكت صوته مجددًا فالمدارس التي لا تحمي أبناءنا، لا تستحق أن تُمنح ثقة المجتمع، ولا تلك التي تتستر، ولا حتى تلك التي تصمت.