بين آهات الآلام ومنصة العدالة.. كيف انتصر الطفل ياسين بماسك سبايدرمان على الشرير؟

الطفل ياسين.. وحده كان يواجه بشاعة العالم وشهوة عجوز تمكن منه الشيطان، بكى كثيرًا لأجل أن يرحمه من ذلك الألم ولكن دون جدوى، فالشيطان قد تمكن من صاحب الشعر الأشيب، فألجم فاهه وكتف جسده بقوة، وأفرغ شهوته دون رحمة، نسى الله فأنساه الله نفسه، وسلطها عليه لتأمره بالسوء، ولم يجد غير طفل يحقق له دناءة تلك النفس.“مش عارف أعمل بيبي يا ماما”، كلمات يقولها الأطفال دوما لأمهاتهن، لتعتقد الأم أنه مجرد حالة عرضية يمر بها طفلها، لا تشك قط ولا يمكنها أن تتخيل أي سيناريو مأساوي تعرض له طفلها، ولكن الطفل ياسين كانت تلك شكوته المستمرة، الأمر الذي جعل والدته تشك في مدى سوء معاناته.
لا يعرف شهوة جنسية
الطفل ياسين يبلغ من العمر 6 سنوات حاليا، لا يعرف شهوة جنسية، وأقصى طموحات اكتشاف جسده هي معرفة أسماء أعضائه، ولكن حين انتبهت الأم لشكوته وبدأت في التفتيش في جسده، وجدت أن جسده ينتشر به آثار ضرب عنيف، ليبدأ قلبها بالخوف مما تسمعه على شاشات السوشيال ميديا، أيعقل أن يكون هناك من قتل براءة طفلها؟.
كيف كانت البداية
“إيه اللي عمله فيك كده يا حبيبي”، ليبدأ الطفل ياسين بالبكاء الهستيري، ويرفض الكلام، خوفًا من تهديدات المتهم له سابقا بقتل والديه، لتحاول الأم تهدأة طفلها وتسأله عما حدث، لتُصدم بهول ما سمعت من مفاجآت: “المستر لما كان بيزغزني إمبارح وجعني أوي، ولما عيطت فضل يضرب فيا جامد ويشدني من شعري، وقالي لو قولت لحد هقتل أبوك وأمك”.
بدأ الطفل ياسين يروي لوالدته كيف أن “الناني” المختصة بالاهتمام بهم تأخذه يوميًا من فصله الدراسي، ثم تذهب به إلى الحمام أو الجراج، وهناك تجد “المستر” ليطلب منه خلع بنطاله، وبعدها يبدأ في فعل لوط مع طفل دمنهور، وكيف أنه اشتكى لمدرسته عما يحدث له ولكنها وبخته، وأخبرته ألا يُفشي هذا السر لأي شخص وإلا سينال عقابا رادعا: “الناني يا ماما بتقف على الباب والمستمر بيفضل يضرب فيا لحد ما أقلع بنطلوني، وبيوجعني أوي ولما بعيط من الوجع يفضل يضرب فيا جامد، ولما يخلص الناني تاخدني وتلبسني هدومي وتقولي هجيبلك حاجات حلوة”.الأم تصرخ بصمت من هول ما تسمع من طفلها، كيف لهذا الصغير أن يحمل في ثنيات قلبه هذا السر، لكنها رغم ذلك تحاول الحفاظ على رباطة جأشها لأجل صغيرها، تهدأ من روعه، وتطمأنه، ثم تعده بأنها ووالده سيكونان سندًا له، ثم تبدأ في الاتصال بزوجها ووالد طفلها.
بلاغ ضد المتهم باغتصاب الطفل ياسين
أحداث قضية طفل دمنهور بدأت يوم 13 فبراير 2024 حينما قرر والد الطفل ياسين بالتقدم ببلاغ إلى نيابة مركز دمنهور الجزئية، متهما “صبري. ك.ج.ا”، البالغ من العمر 79 عاما، ويعمل مراقبا ماليا بمدرسة الكرمة الخاصة للغات بمدينة دمنهور، بالاعتداء على ابنه ياسين وهتك عرضه، وذلك بعدما تعرف عليه الطفل من خلال مجموعة صور للعاملين بالمدرسة على تطبيق التواصل الاجتماعي ” فيسبوك”.النيابة العامة استمعت إلى والدة الطفل ياسين، والتي أكدت أنها في يوم 14 يناير 2024 رفض طفلها الدخول للحمام، لتنتبه إلى تكرار فعله عدة مرات؛ لتحاول الأم الاستفسار من طفلها عن السبب ليخبرها بقيام أحد الأشخاص بالاعتداء عليه داخل حمام المدرسة، لتقرر الأم تفتيش جسد طفلها وتجد عليه آثار اعتداء وضرب واضح، فأبلغت الأم والد المجني عليه، والذي يعمل في دولة الإمارت، فطلب منها الأب عرض طفلهما على طبيب مختص، وبعد عرضه على الطبيب أشار إلى حدوث اعتداء جنسي واضح على الطفل ياسين أكثر من مرة.

وحاول الوالدان عرض صور العاملين بالمدرسة على الطفل عن طريق موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك” ليتعرف طفل دمنهور على المتهم الذي اعتدى عليه، وعندما ذهب الوالدان بصحبة طفلهما إلى المدرسة تعرف على الفور على إحدى العاملات بالمدرسة “ناني”، ليخبر الطفل والديه بأنها من كانت تأخذه من صفه وتذهب به إلى المتهم.
عرض الطفل على أكثر من طبيب
وجاء في محضر النيابة، أن والد الطفل يوسف أنه ذهب لعرض طفله على أكثر من طبيب ليؤكدوا جميعا بالاعتداء الجنسي على نجله، ليقرر بعدها الأب التوجه إلى قسم شرطة دمنهور كي يحرر محضرا بالواقعة، لكن وعلى عكس المتوقع رفض رئيس المباحث تحرير المحضر، معللًا بذلك مرور الوقت على الواقعة وعدم قدرة الطفل التعرف على مرتكبها.
استجواب طفل دمنهور والطب الشرعي ينفي الواقعة
النيابة العامة استجوت طفل دمنهور، ليؤكد الطفل أن إحدى العاملات بالمدرسة أخذته من صفه، وذهبت به إلى الحمام وهناك وجد المتهم، والذي أجبره على خلع بنطاله، ثم بدأ بالإعتداء عليه جنسيا، وحينما حاول الطفل الدفاع عن نفسه، ضربه المتهم وهدده بالقتل، لتقرر النيابة العامة عرض طفل دمنهور على الطب الشرعي بدمنهور في اليوم التالي، وكذا طلبت تحريات المباحث حول الواقعة، وظروفها، وملابساتها.

وانتدبت النيابة العامة في 14 فبراير 2024، الطبيب الشرعي المكلف بالكشف على الطفل، وإعداد تقرير مفصل عن حالته الجسدية، وبيان وجود اعتداء جنسي، أو آثار عنف جسدي من عدمه ومرات تكراره إذا وجد، ليرد التقرير في 17 فبراير 2024 تقرير الطب الشرعي بأنه عندما تم الكشف على الطفل ياسين لم يتضح بجسده أي آثار إصابات، ولكن تلاحظ وجود اتساع بالمنطقة الشرجية، وقد رجح التقرير أن ذلك الاتساع بسبب محاولة اعتداء جنسي وفق ما ورد بمحضر النيابة، نافية أن ذلك لا يعد دليلًا جازمًا في حد ذاته على حدوث الواقعة.وهذا ما أكده “ياسر. ب” رئيس مصلحة الطب الشرعي بدمنهور، المكلف بفحص طفل دمنهور في 11 مارس 2024.
مديرة المدرسة تؤكد تغيب الطفل يومين أسبوعيا
واستدعت النيابة العامة في 20 فبراير مدير مدرسة الكرمة “وفاء. أ”، والتي تبلغ من العمر 62 عاما، وتعمل بالمدرسة منذ عام 2018، والتي أكدت في اعترافها أن الطفل ياسين يتغيب عن المدرسة بشكل منتظم يومي الاثنين والخميس، وهما نفس اليومين الذي يتواجد فيهما الموظف المتهم بالمدرسة، مؤكدة أنها حققت بشكل شخصي مع 6 أشخاص ” سيدات”، مممن يتعاملوا بشكل مباشر مع الطفل ياسين داخل المدرسة، ليجمعوا بأن الطفل غير متزن نفسيا.

ومثل المتهم “صبري .ك”، 87 عاما، أمام النيابة العامة في 18 ديسمبر 2024، حيث حضر ومعه محاميان كانا يرافقاه، ليؤكد أنه في 11 فبراير 2024، استلم طلب حضوره إلى قسم شرطة دمنهور لمقابلة رئيس المباحث، وتحرير محضر ضده من والدي الطفل ياسين بتهمة هتك عرض طفلهما داخل المدرسة ولكنه اندهش من ذلك بسبب شيخوخته ومرضه ونفى الاتهام الموجه إليه، مطالبا بإحضار الطفل كي يتعرف عليه، ولكن وعلى عكس المتوقع لم يتعرف الطفل عليه، لذا أخلت النيابة سبيله.
والدة ياسين تسعى وراء حق طفلها
الأم المغوارة لم تقف عند هذا الحد بل قررت أن تسعى في طلب حق طفلها، لتتقدم مرة أخرى في 8 يناير 2024 بتظلم أمام القاضي على القرار الصادر سابقا بحفظ التحقيقات، مطالبة بالاستماع لشهادة إحدى العاملات بالمدرسة، قال الطفل ياسين أنها تعرف الحقيقة كاملة، وأنها على علم بكل ما حدث، حيث كانت تتستر على تلك الجريمة بالأموال الطائلة التي تأخذها من المتهم، قائلة: “الناني بتقول لابني ده كان بيديك حقنة متخافش، بس ؟إوعى تقول لحد”.وقبلت المحكمة طلب التظلم الخاص بالأم، لتعيد بعدها النيابة العامة التحقيق مرة أخرة في تاريخ 14 يناير 2025، واستمعت إلى أقول الأم والدة الطفل المعتدي عليه.

تضارب أقوال مديرة المدرسة والعاملة
حينما استدعت النيابة العاملة “الناني”، أنكرت تهمة التستر على المتهم والتي وجهت إليها من قبل والدي الطفل، مؤكدة أنها لم ترى المتهم يوما في المكان المخصص لحمام الأطفال، كما أنها لم تأخذ منه أي أموال كما قال الطفل ياسين.وفي نفس اليوم استمعت النيابة العامة لمديرة المدرسة ” وفاء”، والتي تضاربت أقوالها حول حضور وغياب الطفل بالمدرسة، لتتضارب أقوالها مرة أخرى مشيرة إلى أنها لم تقصد بأقوالها حصر أيام غياب الطفل ياسين في أيام حضور المتهم يومي “الإثنين والخميس”، لكنها ذكرت غياب الطفل 11 يومًا من بينها يومي حضور المتهم.
الطفل يتعرف على المتهم في عرض الطابور
لتقرر النيابة العامة استدعاء الطفل في نفس اليوم، كي يتعرف على المتهم، ليبدأ الطفل بسرد أوصاف تتطابق مع المتهم، لتتخذ النيابة قرارها بإجراء عرض قانوني للمتهم وسط ثلاثة أشخاص آخرين داخل مكتب وكيل النيابة، ليتعرف طفل دمنهور على المعتدي عليه من أول مرة، وحينما تكرر العرض تعرف عليه للمرة الثانية، ولكن في ثالث مرة أخفق حيث أزال المتهم نظارته الطبية وكوفيته.

القصاص للطفل ياسين
وأحالت النيابة العامة التابعة لوسط دمنهور الكلية، في 3 مارس 2025، المتهم لجنايات مركز دمنهور، بتهمة هتك عرض المجني عليه في القضية التي تحمل رقم 33773 لسنة 2024 جنايات مركز دمنهور.وعاقبت محكمة جنايات دمنهور المتهم بالسجن المؤبد في أولى جلساتها، بعد أن عدلت المحكمة القيد والوصف في القضية، وتغيير قرار الإحالة من الاعتداء على الطفل بغير قوة، إلى الاعتداء بالقوة تحت التهديد.اقرأ أيضا: «نجاحنا كفيل بإسقاط الباطل».. محامي طفل دمنهور يكشف مستجدات القضيةمحامي طفل دمنهور: الأسرة لم تتهم مديرة المدرسة والناني