شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري لـ «الجمهور»: معركة فاصلة مع الوزير مشعل

شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري لـ «الجمهور»: معركة فاصلة مع الوزير مشعل

قبيل نهايات العام 2010، كانت دائرة حلوان على موعد مع انتخابات «ساخنة».. وكان الاحتقان قد بلغ مبلغه بين أبناء الدائرة، الذين هالهم حجم التدخلات، والعصف بإرادة الناخبين، منذ أن قررت أجهزة الدولة، وبتدخل صارخ من «أحمد عز» أمين التنظيم فى الحزب الوطنى آنذاك إغتيال الدائرة 25 التى أمثلها تحت قبة البرلمان منذ العام 2005، سعيا وراء إسقاطى عنوة، ورغما عن إرادة الجماهير.راحت أنظار المراقبين والمهتمين تتجه صوب الدائرة، والمعركة المرتقبة، والتى قبلت فيها التحدى، وقررت خوضها بقوة فى مواجهة وزير الانتاج الحربى آنذاك «سيد مشعل».. وتوقع المراقبون أن تشهد الدائرة الجديدة لحلوان واحدة من أشرس المعارك الانتخابية على مستوى الدولة.. خاصة بعد أن أعلن الحزب الوطنى عن دعمه الكامل لوزير الانتاج الحربى، وراح يستعين بكافة مؤسسات الدولة لمساندته بكل قوة فى مواجهتى، وهو ماتلقفه الوزير، مستغلا منصبه كوزير فى وقف الزحف الجماهيرى لى، وهو ماحدث فى العديد من مناطق الدائرة، حيث فوجئت خلال إحدى جولاتى الانتخابية بمنطقة المعصرة بتواجد أمنى كثيف، حال بينى وبين القيام بجولة فى شوارع المعصرة سيرا على الأقدام، كما حالت الجهات الأمنية بينى وبين افتتاح طريق عرب راشد، والذى يربط منطقة المقابر بشارع الحرير ومنشية جمال عبدالناصر، وذلك فى محاولة لتحجيم شعبيتى وإنجازاتى بين الجماهير.. حدث ذلك على الرغم من الإعلان السابق بقرب افتتاح هذا الطريق الحيوى.كانت حلوان فى هذا الوقت «محافظة مستقلة»، وشهدت الانتخابات التى جرت فى دوائرها سخونة بالغة، وحضور جماهيرى كثيف، فى الانتخابات التى كانت فاصلة فى تاريخ مصر، بالنظر لما وقع فيها من تجاوزات وتدخلات.. وقد احتلت الدائرة الأولى بحلوان أهمية كبرى بين دوائر المحافظة الأربعة، حيث أعلنت رغبتى فى مواجهة الوزير سيد مشعل فى مناظرة مفتوحة أمام الجماهير، ليقول فيها كل منا، ماذا قدم لدائرته خلال السنوات السابقة، ورحت رغم الحصار المفروض على تحركاتى أتحرك وبقوة فى أوساط الناخبين، موضحا الكثير من الحقائق، ومحذرا من الانسياق وراء الشائعات، والتى راح يطلقها وزير الانتاج الحربى، والمجموعات الموالية له. كانت جولاتى فى مناطق حلوان المختلفة، وبين رموز العائلات، وجموع المواطنين، بمثابة استفتاء شعبى على ما أحظى به بين الجماهير من ثقة، حيث راح الجميع يعبرون عن دعمهم وتأييدهم الشديدين لى.. وشهدت مناطق الدائرة حشودا بالآلاف فى المعصرة وغيرها، مرددين الهتافات، ورافعين اللافتات، وكانت مؤتمراتى الحاشدة يجرى تنظيمها بمعرفة الأهالى من المؤيدين والداعمين، حيث يتولون هم بأنفسهم تحمل تكاليف تنظيم المؤتمرات واللافتات.

المؤتمرات الرافضه للتزوير” width=”367″ height=”265″>المؤتمرات الرافضه للتزوير”>المؤتمرات الرافضه للتزوير

كان ماشهدته حلوان فى تلك الانتخابات يعطى مؤشرًا هامًا على وعى المواطنين، وكانت الجماهير تتابع عن كثب تلك الحروب التى خضت غمارها منذ العام 1995، ومحاولات إسقاطى المتكررة فى الانتخابات، رغم الالتفاف الجماهيرى الواسع من حولى، غير أن الجماهير أدركت، أنه وبرغم الحروب الطاحنة، وإسقاطى بالتزوير فى انتخابات 1995 – 2000، إلا أننى لم أتراجع، ولم تهن عزيمتى أمام التحديات، مهما تعاظمت.. وكان إيمان الجماهير قويا فى أننى لم أبتغ من وراء خوضى الانتخابات أية مصالح خاصة، بل كان انحيازى الدائم هو لهذه الجماهير العظيمة، ولعمال حلوان المقهورين، ولكافة فئات الشعب المصرى، فقد كنت، مدافعا عن البسطاء، ساعيا لخدمتهم بكل ماأستطيع من جهد، موقنا بالانحياز للشرفاء، وتبنى مصالح وقضايا الوطن العليا.ومفجرا للعديد من القضايا الهامة، مثل قضية القمح الفاسد، وقضية العبارة «السلام 98» وقضية العلاج على نفقة الدولة، وغير ذلك من قضايا هامة، إضافة إلى كشفى ومتابعتى لما تئن به حلوان من مشكلات وحرمان من الكهرباء ومياه الشرب وغيرها من المرافق الضرورية، والتى بذلت فى سبيلها جهودا كبيرة لمواجهة تداعياته على المواطنين.وقد أكدت خلال المعركة الانتخابية عن احترامى للوزير سيد مشعل، وقلت أن التنافس فى الانتخابات هو لمصلحة الناس وخدمتهم والدفاع عن حقوقهم، واستجواب الوزراء والمسئولين هى أمور أستطيع القيام بها كنائب عن الشعب، لكن الوزير يصعب عليه القيام بذلك بصفته عضوا فى الحكومة.
كانت عزبة الوالدة بحلوان واحدة من أكثر المناطق إلتفافا من حولى، حيث احتشد الآلاف من المواطنين لاستقبالى أمام مسجد بلال بن رباح، حاملين صور ولافتات التأييد، كما شهدت مناطق حدائق حلوان وعزبة النخل مسيرات حاشدة ضمت الآلاف من أبناء المنطقة الذين أعلنوا دعمهم وتأييدهم لى، وانطلقت مسيرة ضخمة لمناصرتى من أمام مسجد العارف بالله بحدائق حلوان، حيث قوبلت بترحاب شديد من المواطنين.
وشهدت منطقة عرب غنيم جولات ومؤتمرات حاشدة، والآلاف من أبناء المنطقة، والذين طافوا بى شوارع المنطقة، وصولا إلى شارع عمر بن عبدالعزيز، ثم منطقة المساكن الاقتصادية، ثم السير على الأقدام فى جولة قادتنا إلى ميدان حلوان الذى أحاطته جموع غفيرة من أبناء المناطق المختلفة، وفيها ألقيت كلمة فى المحتشدين موجها رسالة دفاع عن عمال الإنتاج الحربى، مؤكدا حقهم الكامل فى اختيار من يرونه الأصلح لهم، ولخدمة المنطقة، وأعلنت خلال اللقاء الحاشد عن استنكارى لما أقدم عليه الوزير سيد مشعل برفعه دعوى قضائية ضدى، مطالبا باستبعادى من الترشح للانتخابات تحت زعم صدور حكم سابق بسجنى فى قضية نشر، رغم أننى كنت أتباهى وأتشرف بسجنى فى قضايا النشر لدفاعى عن الوطن ومحاربتى للفساد والمفسدين. مضت الأمور على هذا المنوال، حتى جاء يوم الانتخابات، وهو يوم عجيب فى كل ماشهده من مجريات وأحداث.. فقد كان شقيقى محمود بكرى هو الوحيد الذى سمح له بالحصول على توكيل عام، ليتابع مجريات الانتخابات نيابة عنى.. كانت الانتخابات منذ صباح انطلاقتها تشهد عمليات تدخل واضحة لإنجاح الوزير بأية طريقة، غير أننا رحنا نتصدى للممارسات الخاطئة التى جرت، وكان من بينها تمكن محمود بكرى من ضبط أكثر من ستة صناديق، تعرضت للتزوير الكامل بمدرسة حلوان الثانوية بنات بشرق المعصرة، وعلى الرغم مما تعرض له من تهديدات من رجال مباحث أمن الدولة والشرطة فى هذا الوقت، إلا أنه صمم على وقف العملية الانتخابية فى لجان المدرسة لحين تحرير محاضر بعمليات التزوير التى كانت تجرى على نطاق واسع، حيث تمكن من خلال تحرير تلك المحاضر من استبعاد ثلاثة صناديق فقط وهى أرقام 246 – 243 – 242من الصناديق الستة خلال عملية فرز الأصوات التى جرت فى مركز شباب شرق حلوان، وحضرها شقيقى وحده وسط جحافل قيادات الأمن ورجالات الحزب الوطنى آنذاك.فى خارج اللجنة احتشد الآلاف من المواطنين دعما لى، وهالهم ماتسرب من داخل لجنة الفرز حول تزوير إرادة الناخبين لصالح الوزير سيد مشعل، وبدأ البعض منهم فى إحراق لافتات الوزير مشعل بميدان حلوان، وهو مادعا قيادات الأمن للطلب من شقيقى محمود للخروج من مقر لجنة الفرز لتهدئة الجماهير وحثها على الإنصراف، وهو مااستجاب له حيث حملته الجماهير المحتشدة على الأكتاف وراح يقول فيهم: «نحن نخاف على حلوان ونرفض اللجوء للعنف لأنه ليس من أخلاقياتنا.. ومن يحب مصطفى بكرى ندعوه للانصراف وعدم التجمهر والهدوء».. وبالفعل استجابت أعداد غفيرة لندائه لهم وانصرفوا، غير أن أعداداً أخرى ظلت فى الميدان ترفض المغادرة.وفى داخل مقر لجنة الفرز كانت الأمور تجرى بشكل مغاير عن الحقيقة، فبعد 14 ساعة من عملية الفرز «العجيبة» والتى شهدت ممارسات «غريبة» طوال وقت الفرز، أعلن المستشار شوقى نايض رئيس لجنة الفرز عن الأصوات التى حصل عليها كل مرشح على مقعد الفئات، وهم أربعة مرشحين «الوزير سيد مشعل وحصل – بعد التزوير – على 20322 صوتا، جئت بعده أنا بحصولى على 19865 صوتا، بفارق 455 صوتا فقط، وحصل المرشحان على مقعد الفئات محمد فهمى، على 499 صوتا، وعصام هليل، على 918 صوتا، ليصبح مجموع الأصوات التى حصل عليها المرشحون الأربعة 41615 صوتا». كان شقيقى محمود يتابع عملية الفرز وإعلان ماحصل عليه كل مرشح بدقة، وقد أعلن رئيس اللجنة أن عدد الأصوات الصحيحة للناخبين هى «35.701» صوتا، بينما جملة الأصوات التى حصل عليها المرشحون الأربعة تبلغ 41615 صوتا.. وهنا وقف شقيقى محمود ليبلغ القاضى رئيس اللجنة أن هناك فارقا بين الأصوات الصحيحة وبين ماحصل عليه المرشحون، وهو 5914 صوتا، وراح يتساءل «من أين جاءت هذه الأصوات الزائدة؟ولمن ذهبت؟وكيف تسجل 
فى المحاضر الرسمية رغم الأخطاء الواردة فيها».
وقع كلام شقيقى محمود بكرى كالصاعقة على رئيس اللجنة، والحاضرين، وهو مادعا رئيس اللجنة لمقارنة الأصوات الصحيحة بالأصوات المعلن عنها، معترفا بوجود خطأ فى الحساب، واصفا إياه بالخطأ المادى، وهنا خاطبه محمود بكرى قائلا «طالما اعترفت بالخطأ ياسيادة المستشار فأرجو التكرم بإصلاح هذا الخطأ، لأنه من الواضح أن هناك أصوات تمت إضافتها بالخطأ منحت الوزير فوزا غير مستحق علىّ شقيقي».. وهنا كانت المفاجأة، حيث رفض القاضى تصحيح الخطأ، وهو مادفع شقيقى محمود للقول «ولمن نلجأ ياسيادة المستشار لتصحيح الخطأ».فرد المستشار قائلا: «قدموا مذكرة للجنة العليا للانتخابات وهى التى يحق لها الفصل فى الخطأ المادي».. هنا أدرك شقيقى أبعاد اللعبة، وماجرى لإسقاطى عمدا، فما كان منه سوى أن راح يردد بقلب مفعم بالألم، وفى حضور الجميع «حسبنا الله ونعم الوكيل».. وكررها ثلاث مرات أمام جميع الحاضرين.
كانت انتخابات 2010 والتى سبقت أحداث ثورة 25يناير 2011، واحدة من أسوأ الانتخابات التى شهدتها مصر فى هذا الوقت، فقد عثر المواطنون من المتابعين لانتخابات الدائرة الأولى بحلوان على الآلاف من بطاقات التصويت، والتى تم التخلص منها بحرقها خلف مقر لجنة الفرز، وكانت كلها لصالحى، ولانزال نحتفظ حتى اليوم بالأوراق المحروقة، كذكرى مؤلمة لحدث أكثر إيلاما، استخدمت فيه مؤسسات الدولة كافة السبل لتزوير إرادة الناخبين، وهو ماردت عليه جماهير حلوان بغضبتها فى شوارع وميادين المنطقة فى الأيام التى تلت إعلان النتيجة المزورة للانتخابات، فيما وقفت وسط ميدان حلوان، محاطا بآلاف المواطنين الذين تجمهروا بشكل غير مسبوق، رحت أحذر من تداعيات ماجرى، وخطورته على استقرار الوطن، ومطالبا المواطنين بالصبر والتحمل، فمعركتنا مع الظلم طويلة.. كان من الواضح أن ماجرى بمثابة طعنة فى قلب الوطن والمواطن، دفعت ملايين المصريين للانخراط فى ثورة 25 يناير 2011، والتى كان التزوير الفج للانتخابات، وإسقاط كل المعارضين، أحد بواعث اتطلاقتها. 

<strong alt=بطاقات التصويت المحترفه” width=”727″ height=”543″>بطاقات التصويت المحترفه”>بطاقات التصويت المحترفه