«هيبة المعلم بين الأمس واليوم… من حامل الرسالة إلى مكافح من أجل الكرامة»

«هيبة المعلم بين الأمس واليوم… من حامل الرسالة إلى مكافح من أجل الكرامة»

منذ القدم، عُرف المعلم بأنه منارة المعرفة وملهم الأجيال، وصاحب رسالة لا تقل قداسة عن رسالات الأنبياء في المجتمعات العربية، كان يُقال : «قم للمعلم وفّه التبجيلا، كاد المعلم أن يكون رسولا» لكن في العقود الأخيرة تغيرت الموازين، وتراجعت هذه الصورة المهيبة تحت تأثيرات اجتماعية واقتصادية وتعليمية متشابكة.

أولاً: مظاهر تراجع هيبة المعلم 
 

1. تلاشي الاحترام التقليديفي الماضي، كان الطالب يهب واقفاً عند دخول معلمه الفصل، ويتجنب النظر إليه مباشرةً احتراماً اليوم، نلاحظ سلوكيات مثل مقاطعة المعلم أثناء الشرح، استخدام الهواتف المحمولة في الحصة، وأحياناً التلفظ بألفاظ غير لائقة داخل الصفوف.2. تراجع المكانة الاجتماعيةوفقاً لاستطلاع أُجري  في مصر، وجد عدداً كبيراً من أولياء الأمور يعتبرون أن مهنة المعلم «مرموقة».3. الاعتداءات اللفظية والجسديةتقارير وزارة التعليم المصرية تشير إلى تسجيل حالات الاعتداء على معلمين داخل المدارس خلال عام 2025 بين اعتداء لفظي وجسدي، في تزايد عن السنوات الماضية. 

ثانياً: الأسباب المتشابكة وراء تراجع الهيبة

1. أسباب تتعلق بالمعلم نفسه
* اللجوء إلى الدروس الخصوصية
أصبحت الدروس الخصوصية مصدر دخل أساسي، مما دفع بعض المعلمين لتقليل جهدهم داخل المدرسة والتركيز خارجها، ما أضعف صورتهم كمربّين ملتزمين.
* ضعف الحزم والانضباط داخل الصفوف
خوف المعلم من اتخاذ قرارات حازمة خشية شكاوى أولياء الأمور قلّل من سلطته التربوية.2. أسباب مجتمعية وأسرية
* تضاؤل هيبة الكبار عموماً
ثقافة “الصديق المعلم” أو “المعلم مثلنا” ساهمت في كسر الحواجز التي كانت تضفي الاحترام.
* التغير في نمط التربية الأسرية
نماذج التربية الحديثة تميل للدلال الزائد والمبالغة في حماية الطالب، مما يولد شعوراً بالتمرد على السلطة المدرسية.3. أسباب تتعلق بالنظام التعليمي
* رواتب متدنية
في مصر مثلاً، يبدأ راتب المعلم حديث التخرج من حوالي 4,000 جنيه شهرياً الي 7,000 (2025) علي سب درجة المعلم ، وهو دخل لا يغطي تكاليف المعيشة الكريمة.
* تكدس الفصول
في بعض المدارس الحكومية، يصل عدد الطلاب في الفصل الواحد إلى 80 طالباً، ما يجعل ضبط الصف وإنجاز العملية التعليمية أمراً شاقاً.
* غياب تشريعات الحماية
في معظم الدول العربية، لا توجد قوانين فعالة تحمي المعلم من التعديات أو تشوه سمعته عبر الشكاوى الكيدية.

4. أسباب تتعلق بأخلاق المعلم
* ضرب الطلاب بعنف 
* سوء استخدام السلطة: بعض المعلمين أساؤوا استخدام سلطتهم التربوية عبر ممارسة العنف البدني المفرط ضد الطلاب، بحجة التأديب أو العقاب، مما أدى إلى نفور الطلاب منهم وفقدان الثقة فيهم.
* تجاوز الحدود التربوية: استخدام وسائل عنف قاسية ، مثل الضرب بالعصا، الصفعات، أو الإهانات البدنية ،حول المعلم من قدوة تربوية إلى شخص يُخاف منه لا يُحترم.
* رد الفعل المجتمعي والقانوني: في عصرنا الحالي، أصبحت هذه التصرفات مرفوضة قانونياً ومجتمعياً؛ ما أدّى إلى تدخل أولياء الأمور والقضاء في قضايا العنف، مما قوّض صورة المعلم وهيبته.
* أثر نفسي دائم: بعض الطلاب الذين تعرضوا للعنف الجسدي يعانون من اضطرابات نفسية، كفقدان الثقة بالنفس أو كره المدرسة، وهذا أساء لصورة المعلم كمربٍ وموجه.* تحرش وانتهاك عرض الطلاب
* خيانة للأمانة التربوية: وقائع تحرش بعض المعلمين بالطلاب “ جسدياً أو لفظياً ” تعد من أخطر أشكال الخيانة المهنية، إذ يُفترض بالمعلم أن يكون قدوة ومأمناً للطلاب لا مصدر خطر عليهم.
* انتهاك الأخلاقيات والقيم: هذه الممارسات تمثل خرقاً فاضحاً للأعراف الأخلاقية والقوانين، مما أدى إلى انهيار الثقة بين الطالب والمعلم، وبين المجتمع والمؤسسة التعليمية.
* التشهير والإعلام: انتشار أخبار وقائع التحرش في وسائل الإعلام وسط الجمهور أساء بشكل عام لصورة مهنة التعليم، حتى وإن كانت الحالات فردية، فالتعميم المجتمعي ساهم في تآكل هيبة المعلم.
* التدخل القانوني والتربوي: مع تزايد الوعي المجتمعي ووجود قوانين صارمة لحماية الأطفال، أصبح المعلم المتهم بهذه الأفعال يفقد مكانته القانونية والاجتماعية بسرعة، مما أثر على سمعة الجسم التربوي ككل.

ثالثاً: خارطة طريق لاستعادة الهيبة 

1. على مستوى التشريعات
* إقرار قوانين تحمي المعلمين من التعديات (على غرار قانون “حماية المعلم” المعتمد في مصر).
* وضع لوائح تحدّ من الشكاوى الكيدية دون دلائل واضحة.

2. على مستوى المدرسة والإدارة
* إنشاء لجنة انضباط مشتركة (معلمون + أولياء أمور + إدارة) لدعم المعلم في حالات النزاعات.
* تنظيم ورش عمل دورية لتدريب المعلمين على مهارات التعامل مع الطلبة وأولياء الأمور.

3. على المستوى الاجتماعي والإعلامي
* إطلاق حملات توعية بأهمية احترام المعلم عبر الإعلام ومواقع التواصل.
* إنتاج أعمال درامية تُبرز مكانة المعلم، كما كان الحال في أعمال مثل مسلسل “مدرسة المشاغبين” ولكن برؤية معاصرة إيجابية.

4. على مستوى رفاهية المعلم
* تحسين الرواتب والامتيازات (مكافآت أداء، بدل سكن، تأمين صحي شامل).
* توفير فرص مستمرة للتطوير المهني والمشاركة في المؤتمرات التربوية.

5. على المستوى الأخلاقي
* تحسين و احترام المعلم للطلاب “ لفظاً و جسدياً ” .
* عدم تعنف الطلاب داخل المدارس .إن استعادة هيبة المعلم ليست مجرد أمنية، بل ضرورة استراتيجية لصون مستقبل الأجيال، فالمعلم هو حجر الأساس في بناء المجتمعات المتقدمة ، وإذا لم نُكرم من يعلم أبناءنا، فكيف نطمح لتخريج جيل واعٍ ومسؤول؟ إن احترام المعلم يبدأ بتقديره قولاً وفعلاً، وتشريعه قانوناً، ودعمه مادياً ومعنوياً.