كشمير.. كلمة السر في طبول الحرب بين الهند وباكستان

رغم مرور أكثر من سبعة عقود على تقسيم شبه القارة الهندية، ما تزال كشمير بؤرة الصراع الأخطر بين الهند وباكستان، وجمرة متقدة تحت رماد العلاقات المتوترة. واليوم، تعود كشمير إلى واجهة المشهد السياسي والعسكري، لكن هذه المرة بصورة أكثر خطورة، بعد اندلاع مواجهة عسكرية مفتوحة بين القوتين النوويتين، ما يُنذر بتحول الأزمة إلى حرب إقليمية قد تخرج عن السيطرة.
شرارة الحرب.. كشمير مجددًا
اندلعت المواجهات الأخيرة بعد حادث حدودي دموي وقع في “خط السيطرة”، الفاصل بين شطري كشمير الخاضعين لسيطرة كل من الهند وباكستان. أسفرت اشتباكات عنيفة عن مقتل جنود من الجانبين، تبعها قصف مدفعي وجوي متبادل أدى إلى سقوط عشرات المدنيين، وتدمير قرى بأكملها على جانبي الحدود. ورغم تدخل أطراف دولية للتهدئة، إلا أن التصعيد أخذ منحى أكثر جدية مع إعلان الهند تنفيذ “ضربات دقيقة” على مواقع قالت إنها تابعة لمجموعات مسلحة مدعومة من باكستان، الأمر الذي ردّت عليه إسلام آباد بعمليات عسكرية مماثلة.
كشمير.. جذر الصراع التاريخي
تعود جذور الصراع إلى عام 1947، حين قُسمت الهند إلى دولتين: الهند ذات الأغلبية الهندوسية، وباكستان ذات الأغلبية المسلمة. وكان من المفترض أن تنضم الولايات الأميرية إلى الدولة التي تتوافق مع غالبية سكانها، إلا أن ولاية “جامو وكشمير”، ذات الغالبية المسلمة، اختار حاكمها الهندوسي الانضمام للهند، ما أثار غضب باكستان. ومنذ ذلك الحين اندلعت ثلاث حروب كبرى بسبب هذا الإقليم: 1947، 1965، و1971، إضافة إلى مناوشات مستمرة أشهرها صراع “كارغيل” عام 1999.
النووي على الطاولة
الخطورة الكبرى في هذه الجولة من التصعيد تكمن في كون الهند وباكستان دولتين تمتلكان أسلحة نووية. ومع ارتفاع حدة التصريحات العسكرية، ازداد قلق المجتمع الدولي من إمكانية الانزلاق نحو مواجهة كارثية. فالهند، التي تبنت عقيدة “الضربة الوقائية”، ألمحت إلى استعدادها للدفاع عن نفسها بأي وسيلة، فيما أعلنت باكستان أن أي تهديد لسيادتها سيُقابل بـ”رد شامل”. وقد بدأت القوات على الجانبين في التحشيد، وسط تقارير عن تحركات عسكرية في كشمير، وتعليق الرحلات الجوية في بعض المناطق الحدودية.
أبعاد سياسية ودينية
تغذي الأزمة دوافع سياسية داخلية في البلدين. فالحكومة الهندية بقيادة ناريندرا مودي، التي تواجه ضغوطًا داخلية بسبب البطالة وتباطؤ الاقتصاد، تلجأ إلى تصعيد قومي لشدّ أزر مؤيديها. أما في باكستان، فإن حكومة شهباز شريف تستخدم القضية الكشميرية لتوحيد الداخل المأزوم اقتصاديًا. الدين أيضًا حاضر بقوة، فالهند ذات الأغلبية الهندوسية تتهم الجماعات الإسلامية بدعم الانفصاليين، بينما تطرح باكستان القضية من زاوية إنسانية ودينية بوصف كشمير “قضية إسلامية”.
المجتمع الدولي يراقب
رغم التحركات الدبلوماسية من الأمم المتحدة والصين وتركيا والولايات المتحدة، إلا أن الاستجابة كانت باهتة حتى اللحظة. ويبدو أن الأطراف الدولية تخشى التدخل العلني لئلا تفقد علاقاتها الاستراتيجية مع أي من الجانبين. الصين، الحليف الأقرب لباكستان، تراقب الوضع بحذر، فيما تحث واشنطن الطرفين على “ضبط النفس”، دون تقديم أي مبادرة حقيقية للحل.
سيناريوهات المستقبل
في ظل حالة الشدّ والتصعيد المستمر، تبدو الخيارات محدودة: إما تدخل دولي فاعل يعيد الطرفين إلى طاولة الحوار، أو حرب طويلة الأمد قد تؤدي إلى زعزعة استقرار جنوب آسيا بأكمله، وفي كلا الحالتين، تظل كشمير هي “كلمة السر”، وشرارة الحرب، وقضية لم تجد طريقها بعد إلى حلّ عادل يحترم حق شعوبها ويُنهي صراعًا يهدد السلم الإقليمي والدولي.