بين هدنة معلنة وصراع مؤجل .. اليمن ما بعد “الاستسلام الحوثي”

بين هدنة معلنة وصراع مؤجل .. اليمن ما بعد “الاستسلام الحوثي”

أثار الإعلان غير المباشر عن استسلام الحوثيين أمام الضربات الأمريكية الأخيرة جدلًا واسعًا حول طبيعة هذا “الاستسلام”، وما إذا كان يمثل نهاية فعلية لحقبة الحوثيين في اليمن أم أنه مجرد تحول تكتيكي تفرضه حسابات إيرانية دقيقة في لحظة إقليمية حساسة.لكن للتنبؤ بما هو قادم، لابد من العودة إلى جذور المشهد، وتفكيك تاريخه المعقد، الذي تشكل على مدار أكثر من عقدين من الضربات المتبادلة والصراعات المتقاطعة.

من مأرب إلى “الراكب الخشن”: تاريخ التدخلات الأمريكية في اليمن

لم تكن الضربات الأمريكية على اليمن وليدة اللحظة، بل تعود أولى فصولها إلى نوفمبر 2002، حين استهدفت طائرات أمريكية مواقع لتدريب عناصر تابعة لتنظيم القاعدة في محافظة مأرب. ومنذ ذلك الحين، توالت الضربات لتشمل أطرافًا فاعلة مختلفة، أبرزها جماعة الحوثيين. ففي أكتوبر 2016، شنت القوات الأمريكية ضربات على مواقع رادار تابعة لأنصار الله في رأس عيسى، عقب هجمات استهدفت سفنًا أمريكية في البحر الأحمر، وهي الضربة التي مهّدت لأول غارة مباشرة استهدفت الحوثيين في الشهر ذاته.لكن التصعيد الحقيقي جاء مع “عملية بوسايدون آرتشر” التي أطلقتها الولايات المتحدة وبريطانيا في يناير 2024 ردًا على هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، واستمرت حتى مطلع 2025، قبل أن تعلن إدارة ترامب في مارس 2025 بدء “عملية الراكب الخشن” التي استهدفت أكثر من 1000 هدف حوثي، وضربت عمق البنية التحتية العسكرية للجماعة. وتُوّجت هذه العملية بهدنة أعلنت في مايو 2025 بوساطة عمانية.

هدنة أم استسلام؟ الحقيقة خلف الخطاب

يرى الصحفي اليمني، ماجد صالح البيل، في تصريحات خاصة للجمهور ، أن ما جرى لا يمكن توصيفه بهدنة، بل هو “استسلام صريح”، كان متوقعًا منذ البداية، بشرط موافقة إيران.ويؤكد “البيل” أن جماعة الحوثي ليست سوى أداة إيرانية تُحركها طهران بما يخدم مصالحها الإقليمية، مضيفًا: “الحوثي لا يتحرك دون أمر من إيران، وحتى قراره بالاستسلام ليس ذاتيًا، بل جاء استجابة لحسابات إيرانية ترى في وقف الهجمات الأمريكية ضرورة مرحلية”.ويشير الصحفي اليمني، إلى أن ما تم تحقيقه ليس فقط وقفًا مؤقتًا للهجمات، بل تدميرًا ممنهجًا للبنية التحتية اليمنية، وانهيارًا لمرتكزات الدولة، أما عن الخطاب الحوثي الذي يروج لفكرة “المقاومة من أجل الدين وفلسطين”، فيراه البيل محاولة لتضليل الطبقات غير المتعلمة، بينما الواقع يشير إلى أن الحوثي لم يوجّه سلاحه إلا للشعب اليمني ذاته.

هل توقف أمريكا هجماتها نهائيًا؟ أم أن الصراع قابل للتجدد؟

رغم إعلان الهدنة، لا يستبعد “البيل” عودة الهجمات الأمريكية إذا اقتضت الحاجة أو عادت الاستفزازات، لكنه يرى أن واشنطن لا ترغب بالقضاء الكامل على الحوثيين، موضحًا: “أمريكا تحتاج للحوثيين كورقة ضغط دائمة، ووسيلة لاستنزاف دول الخليج، وعلى رأسها السعودية”. فالمعادلة، وفقًا للصحفي اليمني، تتجاوز الجغرافيا اليمنية لتشمل شبكة مصالح استراتيجية واقتصادية تُبقي الصراع مشتعلاً، دون السماح بانتصار طرف حاسم.

إيران.. اللاعب الحقيقي في ظل الغياب اليمني

ويؤكد الصحفي اليمني، أن مفتاح الصراع بيد إيران، فهي القادرة على تحريك الحوثيين أو تجميدهم حسب مصالحها، “إذا أمرت إيران الحوثيين بالعودة لاستهداف أمريكا، فسيفعلون دون تردد”، مشيرًا إلى أن طهران اتخذت قرار التهدئة لتفادي ضربة أمريكية كاسحة، خاصة وأن واشنطن، في تقديرها، ليست بصدد القضاء على الحوثي بل فقط تحجيمه.

العدو الحقيقي: الداخل لا الخارج

وفي سياق تحليله، يلفت “البيل” إلى أن العدو الأول للحوثيين ليس الولايات المتحدة، بل الجيش الوطني اليمني، الذي يتكوّن في معظمه من المهجّرين بسبب انتهاكات الحوثيين، كما يرى أن السعودية تمثل خصمًا مباشرًا للجماعة نظرًا للهجمات المستمرة على حدودها الجنوبية.أما أمريكا، وحتى إدارة ترامب ذات التوجه اليميني، فتمثل وفقًا للصحفي اليمني طرفًا يستخدم التصعيد اليمني كغطاء لتوجيه الإعلام بعيدًا عن قضايا أكثر حساسية، لا سيما قضية غزة، التي تُستغل كذريعة لكسب التأييد الشعبي في أوساط الجماعة الحوثية.

ماذا بعد؟ السيناريوهات المحتملة

يرى “البيل” أن هذا الاستسلام يمثل بداية النهاية للحوثيين، مؤكدًا أن الشرعية اليمنية والتحالف العربي باتا في موقع يؤهلهما لاستكمال عملية التحرير ودحر الحوثيين من المحافظات التي لا تزال تحت سيطرتهم، لكنه يُحذّر في الوقت نفسه من أن هناك قوى ستسعى إلى إبقاء الحوثيين كعامل فوضى دائم، لما يحققونه من مصالح لبعض الأطراف الإقليمية والدولية.

ختامًا.. هل يولد اليمن من رماده؟

لقد عاشت اليمن تحت نيران القصف الأمريكي منذ عقود، بدءًا من القاعدة وانتهاءً بالحوثيين، وكلها قوى غير نظامية ساهمت في تمزيق الدولة وتعطيل الحياة، لكن بعد هذا الانكسار الحوثي، هل تبدأ صفحة جديدة تعود فيها الدولة اليمنية إلى مركز المشهد؟ وهل تعود الشرعية لتمارس سلطتها في كل المحافظات؟ أم أن المعركة ما زالت في بدايتها، وأن نهاية الحوثيين لن تكون إلا بداية صراع جديد؟الأسئلة كثيرة، لكن المؤكد أن اليمن بحاجة إلى سلام حقيقي، لا سلام تُحدده حسابات طهران أو واشنطن، بل سلام يصنعه اليمنيون من داخل ترابهم، لا من على موائد الآخرين.

bd-anshab-sfynt-ayranyt.-hl-ynkhfd-tsyd-alhwthywn-fy-albhr-alahmr

Mideast_Tensions_23192

Mideast_Tensions_23192

8a286222-9fdc-4daa-93f0-244fef646bda

8a286222-9fdc-4daa-93f0-244fef646bda

f60a05e3-c00a-59ec-a2e8-da818a9b76e4

f60a05e3-c00a-59ec-a2e8-da818a9b76e4

030f02cd-5c6f-5002-8969-b27852e7c726

030f02cd-5c6f-5002-8969-b27852e7c726