ترحيل من زمن الحرب وتنفيذ دون ضمانات قانونية.. أزمات ترامب لا تنتهي مع المهاجرين

في حلقة جديدة من سلسلة الأزمات القانونية والسياسية التي تلاحق الرئيس الأميركي دونالد ترامب، أصدرت المحكمة العليا الأميركية حكمًا آثار جدلًا واسعًا حول حقوق المهاجرين وحدود سلطة الحكومة في استخدام قوانين الطوارئ التاريخية.البداية حينما سمحت المحكمة للإدارة السابقة بمواصلة العمل بقانون “الأعداء الأجانب” الصادر عام 1798، لترحيل مهاجرين فنزويليين اتُّهموا بالانتماء إلى عصابات إجرامية، لكنها في الوقت ذاته وجّهت صفعة قانونية للحكومة بمنعها من تنفيذ عمليات الترحيل دون منح الأفراد الحد الأدنى من الإجراءات القانونية الواجبة.ورغم أن الحكم جاء بأغلبية ضئيلة (5 مقابل 4) بقيادة القضاة المحافظين، إلا أن القاضية المحافظة إيمي كوني باريت انضمت إلى القضاة الليبراليين الثلاثة لتأكيد حق الأفراد في الاعتراض القانوني على قرارات الترحيل، مما شكّل نقطة فاصلة في القضية.
قصة القانون وظروف الترحيل
القضية تعود إلى الشهر الماضي حين قامت إدارة ترامب بترحيل 137 رجلًا من فنزويلا إلى السلفادور، مستندة إلى قانون “الأعداء الأجانب” الذي يعود إلى القرن الثامن عشر، دون منحهم جلسات استماع أو تمكينهم من الاتصال بمحامين، وقد استخدم هذا القانون في السابق لاحتجاز يابانيين وألمان وإيطاليين خلال الحرب العالمية الثانية، ولم يُفعَّل منذ ذلك الحين.
لكن المحكمة العليا، رغم سماحها باستمرار تنفيذ القانون، أكدت على أن لكل فرد الحق في الطعن بقرار ترحيله أمام القضاء، وقالت المستشارة القانونية “كاثرين يون إبرايت” إن الحكومة تصرفت بسرعة مفرطة حينما حرمت الأفراد من حقوقهم القانونية، إ ذ أُبلغ بعضهم بترحيلهم في نفس اليوم الذي تم وضعهم فيه على متن الطائرات، دون إتاحة فرصة للتواصل مع أسرهم أو محاميهم.
المحكمة العليا الأمريكية: لا ترحيل دون إجراءات قانونية
في سابقة قانونية بارزة، أكدت المحكمة على أن الأشخاص الذين يواجهون الترحيل بموجب هذا القانون لهم الحق في استخدام آلية “المثول أمام القضاء” أو ما يُعرف قانونيًا بـ “Habeas Corpus”، وهي الأداة التي تسمح للطعن في قانونية الاحتجاز.وقال لي جيليرنت، نائب مدير مشروع حقوق المهاجرين في الاتحاد الأميركي للحريات المدنية، في حواره مع الجارديان البريطانية، إن المحكمة شددت على أن من حق كل فرد أن يجادل قائلًا: “أنا لست عدوًا أجنبيًا، ولا يجوز ترحيلي بموجب هذه السلطة”، مؤكدًا أن هذا يُعد انتصارًا هامًا للحقوق الدستورية.ورغم هذا الاعتراف بحقوق الأفراد، لم تُصدر المحكمة العليا حكمًا نهائيًا حول مدى قانونية استخدام قانون الأعداء الأجانب في الترحيل، وأحالت القضية إلى محكمة استئناف أدنى في ولاية تكساس، واعتبر نشطاء حقوق الإنسان أن هذه الإحالة بمثابة “نقل المعركة إلى ساحة غير متكافئة”، نظرًا لكون محكمة الدائرة الخامسة من أكثر المحاكم ميلاً إلى التوجهات المحافظة.وأشار المحامي الحقوقي أنتوني إنريكيز (للجارديان) إلى أن الحكومة استغلت مكان احتجاز الأفراد لاختيار ولاية قضائية أكثر تعاطفًا مع موقفها، مؤكدًا أن هذا التلاعب بالاختصاصات القضائية يشكل انتقاصًا من العدالة.
وجهٌ آخر للخسارة
رغم ما حققه المدافعون عن حقوق المهاجرين من تأكيد قانوني على أحقية المثول أمام القضاء، تبقى المأساة إنسانية بالدرجة الأولى. فقد رُحّل مئات الرجال بالفعل دون أن تُمنح لهم فرصة الدفاع عن أنفسهم، وبات من غير المؤكد إن كان بإمكانهم العودة أو حتى استئناف قضاياهم من الخارج.وقالت كاثرين يون إبرايت إن “الترحيل السريع حرم هؤلاء من الحد الأدنى من العدالة”، وأضافت: “إنهم اليوم يعيشون في ظروف احتجاز قاسية، ويعانون من الأذى النفسي والتعذيب، وهذا في حد ذاته خسارة لا تعوض”.
بين انتصار وتهديد
فيما صوّر ترامب الحكم على أنه انتصار لإدارته ولسياسة الهجرة الصارمة التي اتبعها، يرى المدافعون عن الحريات أنه نصر باهظ الثمن، بل ومزدوج، فقد أُقرّ باستمرار استخدام قانون طوارئ من القرن الثامن عشر، لكن مع كبح جماح السلطة التنفيذية في تجاوزه لضمانات المحاكمة العادلة.ويؤكد المحامون أن القضية لم تنته بعد، إذ من المرجح أن تعود مرة أخرى إلى المحكمة العليا بعد استكمال المسار القضائي في تكساس. وكما قال إنريكيز: “القتال لا يزال في بدايته، ولكننا الآن نعلم أن لكل إنسان الحق في أن يُسمع صوته”.