صراع “بيرسيوس” و”ميدوسا”.. هل يمنح “عام الظل” باريس الفرصة للانتصار على إنتر ميلان؟

في طيّات الأساطير القديمة، تنبعث الحكايات التي صاغها الخيال الإغريقي لتخلد صراع الإنسان مع المجهول، والخوف مع الشجاعة، في إحداها برز بيرسيوس، الفارس المغوار، حامل السيف المضيء ودرع الآلهة، في مهمة تكاد تلامس المستحيل وهي قطع رأس ميدوسا، المرأة التي تحوّلت إلى وحش، تلدغ الأعين قبل أن تلدغ القلوب، وتحيل الناظرين إليها إلى حجارة من رهبة حضورها وبشاعة مظهرها.لم تكن ميدوسا خصماً عاديًا، بل لعنة تمشي على قدمين، شعرها المتلوي من ثعابين، وصوتها رياحٌ سامة، لا تعرف الرحمة، وبينما فرّ الجميع من مواجهتها، كان بيرسيوس وحده من استل سيفه، ونظر إليها في مرآة درعه لا بعينيه، وقطع رأسها بسيفه البتار دون أن يمسّه الخوف.كان الانتصار أكبر من مجرد نصر جسدي، كان إثباتاً أن البطولة لا تُقاس بالحجم، بل بالشجاعة، وأن الإنسان حين يتسلّح بالإيمان، يمكنه الإطاحة حتى بالأساطير، واليوم على مشارف ملعب أليانز أرينا، تنبعث هذه الأسطورة في شكل جديد، على أرض الملعب، لا في جزر اليونان، في مواجهة محتدمة بين باريس سان جيرمان وإنتر ميلان.
ميدوسا وبيرسيوس من أساطير جبل الأولمب إلى ملاحم العشب الأخضر
على الورق، قد لا تبدو مواجهة باريس سان جيرمان وإنتر ميلان أكثر من صدام كروي تقليدي في نهائي دوري أبطال أوروبا، لكن ما تحت السطح يحكي حكاية أعمق، في هذه الملحمة الكروية يرتدي باريس سان جيرمان عباءة بيرسيوس، الفارس الذي رغم الخيبات، لم يتوقف عن الحلم، أما ميدوسا يمثلها في موقعة نهائي الكأس ذات الأذنين فريق إنتر ميلان، فله من الاسم ما يكفي ليصطف ويتسق مع الأسطورة فلا يحلو لمحبيه إلا أن يطلقوا عليه لقب “بايسينز” أي الثعابين العملاقة، ليكتمل التشبيه بصورة تنبض بسمّ ميدوسا، وتكمل الأسطورة على ملعب بايرن ميونخ.لا يخفى على عشاق الساحرة المستديرة أنه منذ سنوات، حاول باريس أن ينال ودّ «ذات الأذنين» – الكأس التي لطالما راوغته – رغم تكدّس النجوم والميزانيات الطائلة، لكنه هذا العام دخل مغامرة مختلفة، بدون نجومه البراقة أمثال مبابي، لا ميسي، لا راموس، لا أسماء لامعة، فقط فريق متكامل بعناصر أغلبها مجهول أوروبيًا ومدرب اسمه لويس إنريكي، يقود مشروعًا اعتقد كثيرون أنه إلى زوال قبل أن يبدأ.لكن كما فعل بيرسيوس، وُلدت الشجاعة من قلب النسيان، وتحوّل باريس من فريق فقد بريقه، إلى بطل مؤمن بسيفه، وها هو اليوم يطارد رأس ميدوسا – إنتر ميلان –، الفريق المتخم بالتاريخ، والثلاثي القاري، والمكانة المرعبة التي تشبه عيون الأفعى التي تحول كل ما تراه إلى حجارة.

سيف بيرسيوس.. و”عام الظل” أمل باريس لقلب الموازين
لكن لا تزال قصة الأسطورة غير مكتملة حتى هذه اللحظة والتشبيه يظل ناقصًا، فما الذي قد يمثّل “سيف بيرسيوس البطار” الذي يحمله باريس سان جيرمان قبل نهائي 31؟ الإجابة تكمن في عام 2025 نفسه، هذا العام الذي بدأ غريبًا، وانتهت معظم أحداثه إلى أن يكون أكثر الأعوام جنوناً في ذاكرة كرة القدم، حتى لقبته الصحافة الأوروبية بـ”عام الظل”، لكثرة ما انبثقت فيه الفرق من الظلال لتحقق المجد.ويتلخص جنون عام 2025 في عدة أحداث لم تكن لتخطر على بال أكثر المتفائلين، فمن كان يظن أن نيوكاسل سيتوج بأول بطولة له منذ 71 عامًا؟، أو أن هاري كين، النجم الذي عرف الحُرقة والحرمان من البطولات طوال تاريخه، سيرفع أول لقب في مسيرته مع بايرن ميونخ؟ومن كان يظن أن بولونيا سيفك قيود 51 سنة من الانتظار ويظفر بكأس إيطاليا أمام ميلان؟، وأن كريستال بالاس سيسطر أول بطولة له على الإطلاق، متجاوزًا مانشستر سيتي نفسه بقيادة جوارديولا؟، وتوتنهام، الفريق الذي نسي طعم البطولات منذ عام 2007، سيحقق أول لقب أوروبي في تاريخه، ويمنح سون أول كأس يلامس قلبه؟.أما أهلي جدة فكتب فصلاً آسيوياً جديداً، بتحقيق أول بطولة قارية في تاريخه، فيما دوّن الفريق الهولندي «جوا هيد» سطراً خالداً بفوز بكأس هولندا بعد 92 عامًا من الغياب عن منصة التتويج، كل هذا لم يكن صدفة بل أشبه بانقلاب كوني – كما حدث في عام 2004 –، جاء فيه المجد لمن لم يكن ينتظره أحد، وفي خضمّ هذه الفوضى المجيدة، قد يكون باريس سان جيرمان على موعد مع قَدر يشبه بيرسيوس وسيف الخلاص، المتمثل في “عام الظل”، الذي أعاد ترتيب خريطة المجد الكروي.لمعرفة معلومات أكثر عن تفاصيل عام 2004 الجنوني الذي شهد تتويج الكبار اضغط «هنا»

ميدوسا إنتر ميلان.. الأسطورة التي لا تنحني بسهولة
لكن في النهاية نظل أمام حقيقة واضحة أن الخصم هنا ليس هينًا فـ”ميدوسا” هنا ليست خرافة؛ إنها إنتر ميلان – أحد أعرق فرق إيطاليا – بطل أوروبا ثلاث مرات، كان آخرها في 2010 مع “القيصر” جوزيه مورينيو، البايسنز فريق يعرف كيف يتعامل مع النهائيات، لا يهتز تحت الأضواء، يملك من العمق والتاريخ ما يكفي ليبتلع أي فارس، ولو كان يحمل درع الآلهة.وعلى الجانب الآخر الإنتر هذه المرة سيجد نفسه في مواجهة مختلفة ليس أمام فريق نجوم، بل فريق جائع، فريق يسعى لأن يكتب تاريخه لا بشراء المجد، بل بصنعه، باريس اليوم لا ينظر إلى ميدوسا بعينيه.. بل من خلال مرآة الماضي، وخبرة السقوط، وشرارة الأمل.
بين السيف والرأس.. من يُكتب اسمه في أسطورة أليانز أرينا
وهناك في أقصى شمال العاصمة ميونخ لا تُلعب مباراة فقط كرة قدم بين فريقين كلاهما مرشح أن يحصد البطولة، بل يُكتب فصل جديد من أسطورة بدأت قبل آلاف السنين، سيتواجه فيها بيرسيوس وميدوسا، ولكن هذه المرة بالقمصان والعرق لا بالدروع، وبالخطط لا بالتعاويذ.وختامًا يظل هناك عدة تساؤلات لا تجيب عليها سوى الملحمة النتظرة أهمها، هل ينجح باريس في استخدام سيف عام 2025 ليطيح برأس إنتر ميلان ويكتب اسمه أخيرًا في سجل الخالدين؟، أم أن ميدوسا ستظل عصيّة على القتل، متمسكة بجبروتها وتاريخها، تردّ السيوف وتحوّل الطامحين إلى حجارة؟، الإجابة ننتظرها في تسعين دقيقة، وقد تمتد لأكثر لكنها بلا شك، ستكون مكتوبة بالحبر ذاته الذي كُتبت به الأساطير.