شهادات وذكريات يرويها مصطفى بكري لـ«الجمهور».. أسرار شحنة القمح الفاسد

شحنة القمح تحتوى على بذور سامة وخبيثة وغير صالحة للاستهلاك
الشحنة دخات عبر ميناء سفاجا بتعليمات حكومية
رفضت عرض بمليون دولار لإيقاف الحملة ومسئول كبير هنئني على نجاحها
هذه ليست قصة حياة، بل شهادة حية على مرحلة تاريخية مهمة، عشت فصولها، انتصاراتها وانكساراتها، حلوها ومرها، اقتربت من صناع هذه الأحداث أحيانًا، وكنت ضحية لعنفوانهم في أحيان أخرى، معارك عديدة دخلتها، بعضها أودي بي إلى السجون، لم أنكسر، ولم أتراجع عن ثوابتي، وقناعاتي.أروى هذه الشهادات التي ينشرها موقع “الجمهور” بصدق وموضوعية، بعض شهودها أحياء، والبعض رحل إلى الدار الآخرة، لكن التاريخ ووقائعه لا تنسى، ولا يمكن القفز عليها، وتزوير أحداثها.في هذه الحلقات التي ينشرها موقع “الجمهور” يوم “الجمعة” من كل أسبوع، يروي الكاتب والبرلماني مصطفى بكري شهادته عن أزمات وأحداث كان شاهدًا عليها، خلال فترات حكم الرئيس السادات والرئيس مبارك والمشير طنطاوي ومرسي والرئيس السيسي.فى الأسبوع الأول من شهر يونيو 2009 اتصل بى شقيقى أحمد بكرى المقيم فى بلدتنا «المعنا – قنا»، وأبلغنى أن معلومات قد وردت إليه من بعض العاملين فى ميناء سفاجا تفيد بوصول صفقة قمح روسية فاسدة، تم دخولها إلى عدد من محافظات جنوب الصعيد، وتحديدا أسيوط، وسوهاج وقنا وأسوان والبحر الأحمر، وقال: إن هؤلاء العاملين أرسلوا إليه وثائق ومستندات وكميات من القمح الفاسد.
طلبت من شقيقى أن يرسل إلى بكل ما لديه على الفور، وبالفعل فى اليوم التالى كانت المستندات وكيسان من القمح الفاسد قد وصلت إلى مكتبى فى الصباح الباكر.
لم أنتظر طويلًا، فبعد دراسة الأمر والاتصال ببعض المصادر الهامة، تقدمت على الفور ببلاغ إلى النائب العام المستشار عبد المجيد محمود، فى نفس الوقت الذى تقدمت فيه بطلب إحاطة عاجل إلى رئيس مجلس الشعب د. فتحى سرور موجهًا إلى رئيس مجلس الوزراء وعدد من الوزراء المختصين.
كنت قد طالبت فى نص البلاغ المقدم إلى النائب العام بتاريخ 9 مايو 2009 بالتحفظ على شحنة القمح الفاسد وإخضاعها للتحليل والفحص من قبل لجنة متخصصة، وتحت إشراف مكتب النائب العام حرصًا على سلامة المواطنين، خاصة أن هناك مؤشرات تؤكد أنها غير صالحة للاستهلاك الآدمى.
وقد أكدت فى البلاغ أن الباخرة (سى – بيرد) وصلت إلى ميناء سفاجا بتاريخ 8/ 5/ 2009 وعلى متنها (56 ألف طن) من القمح الروسى المستورد بواسطة شركة (التجار المصريين) باتفاق مع الهيئة العامة للسلع التموينية.وأكدت فى البلاغ (الموثق) أن نتيجة الفحص الأولى الذى أجراه الحجر الزراعى بسفاجا، أشارت إلى إحتواء الشحنة على (101) بذرة سامة وخبيثة لكل كيلو جرام، وهى أعلى من المعدل المسموح به (25 بذرة لكل كيلو جرام) واحتوت الشحنة أيضًا على (4) بذور من حشيشة (الامبروزيا) لكل كيلو جرام، وأن الحشيشة خطيرة، وتهدد المحاصيل الزراعية، خاصة أن انتشارها سريع، حيث تنتج البذرة الواحدة (1500) بذرة سامة كل 15 يوما، وهى كفيلة بتدمير الزراعة المصرية وإصابة المواطنين بالوباء الكبدى.وقلت: إن مركز البحوث الزراعية قد أصدر تقريرًا باسم المعمل الفرعى لبحوث الحشائش خاص بعينة القمح رقم (141/ 8) وموقع باسم مدير المعمل الدكتور محمد شمس مكى قال فيه: «إن الصفقة تحوى مع الشحنة حشائش خبيثة من عينة (الزمير) «8 بذور خبيثة لكل كيلو جرام»، وحشيشة العنيق (6 بذور لكل كيلو جرام)، وحشائش أخرى غير سامة (29 بذرة لكل كيلو جرام)، وقال التقرير أيضًا إن الصفقة تحوى حشيشة (الكالا ستبيجا) (2 بذرة لكل كيلو جرام)، وبإجمالى (6 بذور) حشائش غير منتشرة فى مصر، مما يهدد سلامة الزراعة المصرية.واستندت فى البلاغ أيضا إلى التقرير المقدم من معهد بحوث وقاية النباتات التابع للحجر الزراعى، والموقع باسم مدير المعهد، الدكتور مجدى الحريرى والذى أكد أن الصفقة تحوى حشرات ميتة من رتبة نصفية الأجنحة وكذلك حشرات من رتبة غير متجانسة الأجنحة لنوع وجنس غير موجودين بمصر.وفى 12 مايو 2009، تقرر نظر طلب الإحاطة المقدم منى إلى وزراء: التضامن الاجتماعى والتجارة والصحة والزراعة حول استيراد صفقة قمح فاسدة تبلغ 56 ألف طن.
وقلت فى طلب الإحاطة «إنه على الرغم من رفض الحجر الصحى بمدينة سفاجا إدخال الصفقة وتحذيره من أخطارها، فإنه سمح بإدخالها إلى البلاد بطريقة غير شرعية بعد إصدار تعليمات حكومية بذلك.وقلت فى طلب الإحاطة: «إن ميناءى دمياط وبورسعيد رفضا دخول الشحنة التى وصفوها بالموبوءة لاحتوائها على حشرات ومواد تهدد صحة الإنسان».وقلت فى الطلب المقدم «إنه فى يومى السبت والأحد 9، 10 مايو بدأت أكثر من 60 سيارة فى نقل القمح إلى صوامع التخزين بمنطقة الكيلو (5) بطريق قنا – سفاجا، رغم اعتراض اللجنة الصحية هناك، تمهيدًا لتوزيعه على المطاحن وتوزيعه على مخابز قنا وغيرها».. وقد قام د. مفيد شهاب وزير الشئون القانونية بالرد على طلب الإحاطة بالقول: «إنه
لو ثبت أى انحراف فالحكومة ترحب بإحالة المسئولين إلى النائب العام».وأكد المهندس أمين أباظة وزير الزراعـة: «أن هناك مواصفات قياسية لدخول القمح إلى مصر، وليس معنى أن القمح أقل درجة أنه فاسد أو مضر أو سام وكلها صالحة لإنتاج الخبز».
وقال: «إن كل شحنة تدخل مصر تفحص قبل استيرادها ويتم التبخير، وقد تم التبخير لهذه الشحنة فى بلد المنشأ، وهنا فى مصر بعد أن تتم الغربلة يصبح القمح مطابقًا للمواصفات»، ونفى وزير الزراعة وجود أى مخالفة، أو تجاوز، وقال: «إن الحكومة حريصة أكثر من أى أحد على صحة المواطنين، وعلى عدم دخول أى شحنات غير مطابقة للمواصفات إلى مصر».كان كلام وزير الزراعة مستفزًا لكافة أعضاء مجلس الشعب أغلبية ومعارضة، فهو ينكر ذلك، بالرغم من الأدلة التى قدمتها، ورغم اعتراف د. مفيد شهاب بأن الصفقة يوجد بها حشرات ميتة، وحشائش سامة فى ضوء تقرير هيئة الرقابة على الصادرات والواردات.وقال د. مفيد شهاب خلال المناقشات: «إن الحكومة سعيدة بالبلاغ الذى قدمه النائب مصطفى بكرى إلى النائب العام»، وقال: «إنه تمت معاينة الشحنة من قبل الحجر الزراعى، والسماح بالتفريغ فى صوامع سفاجا، وسحب عينات خلال 6 أيام، وأرسلت لمعامل الجهات المعنية، وأكدت الصحة والإشعاع والواردات أن الحمولة مطابقة، ولكن الحجر الزراعى، أفاد بوجود حشرات غير موجودة فى مصر، وارتفاع نسبة البذور السامة والأمر يستلزم غربلة وإعدام المخلفات تحت إشراف الحجر الزراعى.
وقال فى 10 مايو «تقدمت هيئة السلع التموينية بطلب للجنة التظلمات لإعادة سحب عينات بعد الغربلة لإزالة أسباب القلق، ووافقت لجنة التظلمات، والشحنة داخل مخازن سفاجا، وتم خروج 8 آلاف طن لأسيوط وقنا وقوص وأسوان، تحت إشراف الحجر الزراعى»، وقال إن: «تقرير الرقابة عن وجود الحشائش والبذور الفاسدة لا يعنى فساد الشحنة».
أما د. فتحى سرور رئيس مجلس الشعب فقد قال: «أسأل الحكومة، هل يتبع هذا الأسلوب مع جميع شحنات الأغذية الواردة لمصر؟ وهل نحن مضطرون لذلك؟ ومتى ترد الشحنة للخارج؟ ومن هو المستورد الذى أتى بهذه الأشياء وعلى نفقة من تتم المعالجة؟».وقد طلبت الكلمة وقلت: «وفقًا للوائح، لا يتم الإفراج عن الصفقة من الميناء إلى خارجه، إلا بعد الحصول على الموافقات الكاملة من الحجر الزراعى، والحجر الصحى، والرقابة على الصادرات والواردات، فلماذا تم نقل الشحنات إلى خارج الميناء؟».وقلت إن: «هذا القمح، يستخدم علفًا للبهائم وليس طعامًا للآدميين من أبناء الصعيد كما يحدث الآن».
وجرى نقاش حاد بينى، وبين وزير الزراعة الذى أصر على أن الشحنة صالحة ومطابقة للمواصفات، وهنا تدخل النواب حازم حمادى، وأحمد أبو حجى وهشام حنفى، وعادل شعلان وطالبوا الحكومة بالتحفظ على الشحنة، وإعادتها من حيث جاءت.وهنا أمسكت بكيسين من القمح الفاسد، ورفعتهما أمام الأعضاء، وقلت هذا هو القمح الفاسد، وهذه عينة سأقدمها للنائب العام مجددًا.وخرجت من مقعدى، وتوجهت لمقعد وزير الزراعة، وعرضت عليه كيسًا به عينة من القمح الفاسد، وأمام الجدل والهرج والمرج الذى ساد المجلس، طلب منى رئيس المجلس العودة إلى مكانى مرة أخرى، وإلا اتخذ قرارًا بإخراجى من الجلسة أنا وبعض النواب.وهنا تدخل السيد كمال الشاذلى وطالب بالإجابة على العديد من التساؤلات المطروحة وتساءل عن أسباب التضارب بين بيان د. مفيد شهاب، وردود وزير الزراعة، وقال: لماذا نأتى بالقمح الفاسد المستورد بينما لدينا إمكانية لتحقيق الاكتفاء الذاتى من زراعة القمح؟ثم تدخل د. فتحى سرور، وقال: «إننى أطرح سؤالى مجددًا، من هو مستورد هذه الصفقة من القمح؟»، فرد وزير الزراعة، وقال: لدينا برنامج محدد لمتابعة استيراد القمح، حيث يتم تبخير الكميات المستوردة من الخارج، وفى بلد المنبع خاصة أن الحشرات موجودة فى القمح المحلى مثل المستورد وبعد التبخير تتم عملية الغربلة لفصل القمح عن الحشرات والحشائش، وهذا يتم فى الميناء أو فى الصومعة.ولم يرد وزير الزراعة على سؤال رئيس مجلس الشعب حول اسم المستورد أو بقية الأسئلة الأخرى المطروحة.
وفى نهاية الجلسة وافق مجلس الشعب على إقتراح النائب عبدالرحيم الغول بقيام لجنة الزراعة، ومعها مقدم طلب الإحاطة لزيارة الحجر الزراعى بميناء سفاجا للتأكد من سلامة الإجراءات التى اتخذت بشأن هذه الشحنة وغيرها.
انتهت الجلسة ووجدت التفافًا كبيرًا حولى من النواب، خاصة نواب الصعيد وبدأنا
فى الاستعداد لزيارة ميناء سفاجا.
كنت على ثقة بأن الأزمة لن تنتهى بسهولة، وأن أصحاب المصالح يحشدون كل قواهم لدحر الحقيقة وتزييف الصورة، والإصرار على سلامة الشحنة.
وقد احتد النقاش بينى وبين العديد من المسئولين عن هيئة السلع التموينية وغيرها، خصوصًا أننى كشفت أن هناك شحنات أخرى عديدة من القمح الروسى تصل إلى 300 ألف طن، لا تزال متواجدة فى الموانئ، ومنها: سفاجا، ودمياط، والإسكندرية وغيرها، وقد ثار نقاش حاد بينى، وبين وزير التجارة رشيد محمد رشيد، الذى كان يدافع باستماتة عن سلامة الشحنة وخلوها من الحشرات والحشائش، ولم تتوقف الحرب على بعض كبار المسئولين ومستوردى القمح فى الداخل، بل امتدت المعركة إلى الحكومة الروسية والسفارة الروسية فى مصر، والتى راحت تتصدى للمعلومات التى أعلنتها داخل البرلمان، وأمام النيابة العامة فى محاولة لإنقاذ سمعة القمح الروسى، وهو ما جرى خلال الاتصالات التى أجرتها الحكومة الروسية بوزارة الخارجية المصرية.وبعد ما يقارب الشهر على البلاغ الذى تقدمت به إلى النيابة العامة، وقام بالتحقيق فيه معى السيد محمد عبدالله وكيل النيابة، جاء قرار النائب العام المستشار عبدالمجيد محمود فى 7 يونيو 2009 ليؤكد بوضوح وصراحة أن صفقة القمح التى استوردتها شركة «التجاريين المصريين» هى فاسدة وغير مطابقة للمواصفات، وأن قرار النيابة العامة جاء بعد سلسلة من التحقيقات تكشفت خلالها وقائع خطيرة، تثبت هذا الفساد، وأطرافه الأساسية.ولقد أكدت اللجنة الفنية التى شكلها النائب العام من ثلاثة من كبار أساتذة كلية الزراعة بجامعة القاهرة أن الصفقة لا تصلح للاستهلاك الآدمى، وأن التحاليل التى تم إجراؤها فى معامل كلية الزراعة، هى معامل حديثة ومتطورة، وأن الشحنة موضع التحقيق قد حوت معادن ثقيلة من (الأوكاديوم والرصاص، والنحاس) بأعلى من المعدلات المسموح بها، مما يصيب الإنسان بأمراض خطيرة من عينة سرطان المعدة والفشل الكلوى.
قال البيان: «إن التقارير الصادرة عن تلك اللجنة حذرت من خطورة استخدام هذه الشحنة، وطالبت بضرورة التخلص منها، خاصة أنها مضرة بالزراعة أيضا لاحتوائها على بذور سامة بضعف المعدل الطبيعى وحشائش خبيثة خاصة أنها حشيشة ممنوعة قطعيًا فى مصر».
وقال البيان: «وإمعانًا فى الدقة، والحذر قامت اللجنة بفحص الشحنة لأكثر من خمس مرات متتالية، وفى كل مرة كانت النتيجة تؤكد خطورة الشحنة على حياة الإنسان والنبات، وهو الأمر الذى اضطر النائب العام إلى إصدار قراره بتكليف مسئولى التجار المصريين المستوردين لتلك الشحنة بإعادة تصديرها إلى خارج البلاد ورد قيمتها البالغة (9.6) مليون دولار إلى الهيئة العامة للسلع التموينية بعد أن سبق وصرفوها».
وقد أمر النائب العام بتشكيل لجنة من مباحث التموين والهيئة العامة للرقابة على الصادرات والواردات والحجر الزراعى، والصحى لمتابعة تصدير الصفقة مجددًا والتأكد من إعادة كمياتها السابق استيرادها إلى البلاد.
وفى إطار التحقيقات التى جرت حول الصفقة تكشف أمام النيابة العامة عددًا من الحقائق أبرزها:
إن الشهادة التى جرى بمقتضاها تأكيد مطابقة الشحنة للمواصفات هى شهادة مزورة.
إن الشهادة المقدمة من المستورد إلى الهيئة العامة للسلع التموينية من شركة وسيطة (S.G.S) وأن المستورد حصل على شهادة صلاحية واحدة لست صفقات مرة واحدة.
أكدت التحقيقات أن بيان وزارة الصحة عن سلامة الصفقة هو كلام غير صحيح، وأن المسئولين عن الحجر الصحى اعترفوا فى التحقيقات أن أجهزة فحص الشحنات معطلة منذ عدة أشهر، ولذلك لم يتم اكتشاف وجود المعادن الثقيلة داخل جسم حبوب القمح.
لقد استمعت النيابة العامة إلى عشرات المسئولين وإلى فريق من الرقابة الإدارية والجهات الرقابية الأخرى التى كلفت بالتحرى عن الشحنة، فكانت النتيجة الأولية التى أعلنها النائب العام هى إعادة الشحنة ورد ثمنها، مع استمرار التحقيقات فى الشق الجنائى لحين إحالة المتورطين للمحاكمة الجنائية.وفى هذا الوقت راح بعض أعضاء هيئة الدفاع عن الشركة المستوردة التى يمتلكها رجل الأعمال (أشرف العتال) يرددون أن الشركة المستوردة أبدت استعدادها لرد الصفقة مرة أخرى والاستعداد لدفع ثمنها إلى الحكومة، مؤكدين أن الأمر انتهى عند هذا الحد، إلا أن الحقيقة كانت عكس ذلك.
لقد استدعى النائب العام عددًا من المسئولين، ومن بينهم نائب رئيس هيئة السلع التموينية ورئيس قطاع الشركة العامة للصوامع والتخزين، والمدير التجارى لشركة «التجار المصريين» المستوردة للكمية لسؤالهم فى التحقيقات التى أمر بإجرائها، وقد اعترفوا جميعًا بالعديد من الوقائع التى أكدت مضمون البلاغ.
أما هشام العتال (نائب رئيس مجلس إدارة شركة التجار المصريين) فقد تقدم ببلاغ للنائب العام أرفق به جميع المستندات التى تبرئ ذمته وتخلى مسئوليته عن الشحنة، وتشكك فى كل المستندات التى تقدمت بها، ووجه الاتهام مباشرة إلى الهيئة العامة للسلع التموينية، وزعم أن دور الشركة المستوردة يقتصر فقط على دور المورد الخارجى، إلا أن النيابة العامة استندت إلى تقارير المعامل والأجهزة الفنية.
فى هذا الوقت كانت مباحث التموين بالبحر الأحمر، ومعها قطاع التجارة الداخلية وشئون الموانئ بميناء سفاجا تمضى سريعًا فى تنفيذ قرار النائب العام بالتحفظ على شحنة القمح الروسى المستوردة، وانتقلت إلى هناك قيادات عديدة من القاهرة لمتابعة الموقف، بينما كان فريق الرقابة الإدارية والمكون من العقيد أحمد عبدالعزيز والمقدم تامر هاشم بإشراف اللواء طارق عقرب مدير فرع الرقابة الإدارية بالبحر الأحمر يتابعون التحريات، والتحقيقات فى هذه الشحنة وفسادها وطرق التحفظ عليها، وكانت نيابة البحر الأحمر قد فتحت تحقيقًا مع المسئولين عن دخول الشحنة، وأكد العاملون أمام النيابة أنهم فوجئوا بإنزال الشحنة على متن السفينة دون صدور قرار بالإفراج من الحجر الزراعى، أو الصحى، وتكليف سيارات شركة النيل العامة للنقل المباشر لنقل الشحنة للتشوين فى صوامع قنا بجوار الكيلو (5) على طريق قنا – سفاجا وأسيوط ومدينة قوص، وأن 16 سيارة نقل كبيرة وصلت بالفعل إلى صوامع قنا مساء الأحد 10 مايو 2009، حيث حملت كل سيارة حوالى 38 طنا تم تفريغها صباح يوم الاثنين 11 مايو، فيما قامت نحو 12 سيارة بنقل كميات من الشحنة إلى أسيوط و10 سيارات نقلت كميات إلى قوص.وبعد إثارة الضجة حول الشحنة، وقرارات النائب العام قال جلال أبو الفتوح رئيس الجمارك: «إنه بالنسبة للحجر الزراعى تبين أن الشحنة تحتوى على حشرات ميتة غير موجودة بالبيئة المصرية مع ارتفاع نسبة البذور السامة بما يلزم إجراء غربلة للتأكد من خلو الرسالة تماما من البذور والحشائش السامة وهو ما وافقت عليه لجنة التظلمات فى اجتماعها يوم 10 مايو 2009، بناء على التظلم المقدم من هيئة السلع التموينية.

وفى يوم الأربعاء 26 مايو 2009، كنت أرافق لجنة الزراعة بمجلس الشعب برئاسة النائب الصعيدى عبدالرحيم الغول لزيارة ميناء سفاجا لمعاينة الأمر على الطبيعة، وهناك التقينا بمحافظ البحر الأحمر، ورئيس مدينة سفاجا اللواء إبراهيم منصور وكبار المسئولين بهيئة السلع التموينية والحجر الزراعى والحجر الصحى، والرقابة على الصادرات والواردات، وقد دار حوار مطول بيننا، وبين كبار المسئولين، وقد استقبلنى العاملون هناك بحفاوة بالغة، وكشفوا لى عن العديد من المخالفات، واتفقت مع بعضهم على موافاتى بكافة التجاوزات أولًا بأول، وبعد الانتهاء من زيارة سفاجا قامت لجنة الزراعة بإعداد تقرير عن الجولة، ثم استتبع ذلك زيارة إلى ميناء دمياط بعد ورود معلومات عن شحنات أخرى من القمح الفاسد، وكنت أيضا مرافقًا للجنة الزراعة، وبدأنا فى الإطلاع على التقارير التى تؤكد ورود شحنة من 30 ألف طن من القمح الأوكرانى الفاسد إلى ميناء دمياط، حيث ثبت عدم مطابقتها للمواصفات.
ظلت التحقيقات مستمرة، وصدرت التعليمات بمتابعة الشحنات واضطر وزير التجارة رشيد محمد رشيد بعد ذلك إلى إعادة صفقة القمح واسترداد ثمنها البالغ ستين مليون جنيه.
وفى 5 أغسطس 2009 قرر المستشار عبدالمجيد محمود النائب العام حبس رجل الأعمال أشرف العتال صاحب شركة التجار المصريين ومستورد صفقة القمح الفاسد 15 يومًا على ذمة التحقيقات.
ووجهت إليه النيابة تهمًا تتعلق بالتزوير فى شهادات الصلاحية الخاصة بشحنة القمح الفاسد التى استوردها قبل ثلاثة أشهر من روسيا، وأيضًا الغش فى عقود توريد القمح إلى وزارة التجارة والاستيلاء على المال العام والإضرار العمدى.
وقد واجهت النيابة العامة أشرف العتال بما توصلت إليه التحريات، ومنها أن الأوراق التى استخدمها فى إدخال شحنة القمح مزورة.وقد أنكر أشرف العتال معرفته بفساد صفقة القمح التى استوردها، وقال: «إن كانت فاسدة فأنا الذى سأتحمل إعادتها إلى مصدرها».
وقد رفض العتال فى التحقيقات إعادة المبلغ الذى حصل عليه من السلع التموينية إلى خزانة الحكومة ويبلغ حوالى 60 مليون جنيه، إلا أنه اضطر بعد ذلك لدفع (10 مليون دولار) قيمة الشحنة إلى الهيئة العامة للسلع التموينية وسداده أيضا مبلغ 900 ألف دولار قيمة الشحن والتفريغ.
وفى 1 أكتوبر 2009 قررت غرفة المشورة بمحكمة جنايات القاهرة برئاسة المستشار محمد التونى إخلاء سبيل أشرف العتال بضمان محل إقامته على ذمة التحقيقات فى القضية، بعد سداد المبالغ المطلوبة. فى هذا الوقت تلقيت مكالمة هاتفية من مسئول كبير يهنئنى فيها بنجاح الحملة وإجبار المستورد على دفع قيمة المبلغ إلى خزانة الحكومة، وقال لى: “كان بإمكانك أن تصمت أو تؤثر السلامة، أو تقبل بالمغريات التى تقدم فى مثل هذه الأحوال”.قلت للمسئول الكبير، هناك معلومة لا يعلمها إلا شقيقى محمود بكرى، فبعد تقديمى لطلب الإحاطة الذى أعقب بلاغى للنائب العام، جاءنى أحد أعضاء مجلس الشعب, والذى كانت تربطنى به علاقة وثيقة، وقال لى: ايه رأيك مليون دولار معى فى السيارة لك، ولا أحد يريد منك شيئًا فقط أنهى القضية عند هذا الحد.يومها شعرت بأن الزميل النائب يقايضنى على شرفى، كدت انفجر فيه، فعاد إلى سؤالى مرة أخرى، إيه رأيك، المبلغ معى فى السيارة، ولا أحد يطلب منك شيئًا، فقط عليك أن تتوقف عند هذا الحد.
وبهدوء شديد قلت للزميل النائب: لولا أن بيننا عيش وملح، لفضحت الأمر، أرجوك قل لمن أرسلوك: «لن أسكت حتى أدخل صاحب هذه الصفقة إلى السجن»، ثم تركته ومضيت، وهو ما تحقق بعد ذلك.