قدسية الحرم تتجاوز النزاعات: ذكريات عن أحداث مؤلمة في المسجد الحرام

قدسية الحرم تتجاوز النزاعات: ذكريات عن أحداث مؤلمة في المسجد الحرام

رغم قدسية المكان ومكانته المركزية في قلوب المسلمين، لم يكن الحرم المكي عبر تاريخه الحديث بمعزل عن بعض الأحداث المؤلمة التي خرقت حرمة البيت الحرام، وخلّفت وراءها ضحايا ودماءً سالت في موضع السكينة والعبادة، ولعل أبرز تلك اللحظات، حادثة اقتحام الحرم المكي عام 1979، والمواجهات الدامية التي وقعت خلال موسم الحج عام 1987، والتي ترتبط في ذاكرة العالم الإسلامي بما لا يمكن نسيانه من مآسٍ وأحداث استثنائية. 

اقتحام الحرم المكي عام 1979: إعلان تمرد داخل أقدس بقاع الأرض

في فجر الأول من محرم 1400هـ، الموافق 20 نوفمبر 1979، وبينما كان المصلون يؤدون صلاة الفجر في الحرم المكي، تفاجأ الجميع بأصوات صراخ وإطلاق نار داخل أروقة المسجد الحرام. فقد أقدمت مجموعة مسلحة بقيادة جهيمان العتيبي على اقتحام الحرم، مدعية ظهور “المهدي المنتظر”، في خطوة صادمة للعالم الإسلامي بأسره.تسلل المسلحون إلى الحرم بأسلحة تم تهريبها في نعوش، واحتجزوا الآلاف من الحجاج داخل المسجد الحرام، مانعين الصلاة ومستخدمين مكبرات الصوت لبث بياناتهم.ورغم محاولات السلطات السعودية تجنب المواجهة حفاظًا على حرمة المكان، تصاعدت الأحداث مع ازدياد عدد الضحايا، ما دفع إلى تدخل الحرس الوطني والقوات الخاصة. وبمساعدة خبرات أجنبية في التخطيط، تم تنفيذ عملية معقدة لتحرير الحرم بعد 15 يومًا من الحصار، انتهت بمقتل عشرات من القوات والمسلحين، واستشهاد مئات الحجاج، وإصابة الآلاف.أُلقي القبض على جهيمان وعدد من قياداته، وتم تنفيذ حكم الإعدام فيهم لاحقًا. لكن الحادثة ظلت محفورة في الذاكرة الإسلامية كواحدة من أعقد الأزمات التي عصفت بالحرم المكي في العصر الحديث. 

مواجهة دامية في موسم الحج 1987: الاحتقان السياسي يبلغ ذروته

في 31 يوليو 1987، وخلال موسم الحج، وقعت مواجهات مؤسفة بين قوات الأمن السعودية ومجموعة من الحجاج الإيرانيين الذين خرجوا في مظاهرة سياسية وسط مكة، رافعين شعارات سياسية وهتافات ضد دول ومواقف، في إطار ما عُرف وقتها بـ”مسيرة البراءة من المشركين”.حاولت القوات الأمنية تفريق الحشود، لكن سرعان ما تحولت الأوضاع إلى صدام عنيف. وأدى الحادث إلى سقوط 402 قتيل، بحسب الإحصائيات الرسمية السعودية، من بينهم 275 إيرانيًا، و85 سعوديًا، و42 حاجًا من جنسيات أخرى، بالإضافة إلى آلاف المصابين.خلّفت هذه الحادثة صدمة كبيرة، وأدت إلى انقطاع الحجاج الإيرانيين عن أداء الحج لفترة، كما ساهمت في تصعيد التوتر السياسي بين السعودية وإيران. 

دروس من التاريخ: قدسية المكان فوق الخلافات

رغم ما شهده الحرم من تلك الأحداث المؤسفة، ظل المكان مصدرًا للإجلال والرهبة، وحرصت السلطات على تعزيز الأمن وتطوير إدارة الحشود، لضمان ألا تتكرر تلك اللحظات.تذكّرنا هذه الوقائع أن الحرم المكي، وهو مقصد للعبادة والسلام، يجب أن يظل بمنأى عن الصراعات السياسية أو الفكرية، وأن تُحترم حرمته في كل الظروف، حفاظًا على قدسيته وأرواح قاصديه.