مظهر شاهين يكتب للحرية: هل هي قافلة الصمود أم قافلة الخيانة والفشل؟

مظهر شاهين يكتب للحرية: هل هي قافلة الصمود أم قافلة الخيانة والفشل؟

في تحليلي الخاص لهذا المشهد، أرى أن ما يُعرف بـ”قافلة الصمود” لم يكن هدفه الحقيقي نصرة أهلنا في غزة كما زُعِم، بل كان جزءًا من مخطّط مدروس يستهدف الأمن القومي المصري، ويُمهّد لمرحلة خطيرة من تصفية القضية الفلسطينية.
فالقافلة، التي جاءت من خارج مصر، وتحديدًا من دول مثل الجزائر وتونس وتركيا، عبر طريق ليبيا، لم تكن تحمل سلاحًا للدفاع عن غزة، ولا طعامًا لإغاثة أهلها، بل كانت تحمل نوايا خفية يُراد بها إحراج الدولة المصرية، ودفعها إلى أحد خيارين، كلاهما شديد الخطورة.

المخطط يسير على نحو منظَّم: اعتصام يُراد له أن يُقام على أرض مصرية، وتحديدًا أمام معبر رفح، تحت شعار فكّ الحصار وفتح المعبر لمرور “إخواننا” من غزة، بدعوى إنقاذهم من المجازر. لكن جوهر الأمر هو تنفيذ مخطط التهجير القسري، تحت غطاء إنساني وعاطفي.

فإن استجابت الدولة لهذا الاعتصام وفتحت المعبر، يكون المخطط قد اكتمل بنجاح، ويبدأ تهجير الفلسطينيين إلى سيناء تحت راية “النجدة”.
وإن لم تستجب، نكون أمام سيناريوهات أكثر خطورة:

إما تفريق الاعتصام بقرار سيادي، بما يعيد إلى الأذهان مشهد فضّ اعتصام رابعة، بكل ما صاحبه من ضغوط دولية ومحاولات لتشويه الدولة.

وإما ترك المعتصمين في أماكنهم، وهو ما يفتح الباب أمام احتمالات الاشتباك مع الطرف الآخر في أي لحظة، ما يعني إدخال مصر في مواجهة لا تُريدها، ولا تخدم مصالحها.

وفي كل الأحوال، تكون مصر هي المستهدفة والخاسرة؛ إما بأن تُحمَّل مسؤولية إنسانية زائفة، أو بأن تُستدرج إلى مواجهة ميدانية لا تخدم الأمن القومي، أو بأن تُجبر على فتح باب التهجير طوعًا، لتتحمّل تاريخيًّا عبء تصفية القضية الفلسطينية.

لذلك، جاء قرار الدولة المصرية حاسمًا بعدم السماح لهؤلاء بالدخول أو إقامة أي اعتصام على الأرض المصرية، إدراكًا منها لكل ما تنطوي عليه هذه التحركات من مخاطر، وما تحمله من سيناريوهات كارثية لا تخدم إلا أجنداتٍ معادية.
فقد كانت الدولة – بقيادتها وأجهزتها – على وعي تام بأن المقصود ليس مجرد “فتح معبر”، بل تمرير مخطط تهجير مرفوض وطنيًّا وتاريخيًّا.

ولم تكن الدولة وحدها في هذا الموقف؛ فقد كان الشعب المصري، كالعادة، على قدر المسؤولية، وتعامل مع الأمر بوعي كامل، إدراكًا منه لخبث هذه النوايا، وثقة مطلقة في قيادته وجيشه وأجهزته السيادية. لقد أثبت المصريون مجددًا أنهم شعب لا يُخدع بالشعارات، ولا يُجرّ إلى الفوضى، وأنهم حصن الدولة وسندها.

وفي ضوء هذا التحليل، يتأكد أن الهدف من القافلة لم يكن دعمًا حقيقيًا لغزة، بل كان المقصود أن تُفتح الحدود من الداخل المصري تحت غطاء شعبي عاطفي، يتم تصويره باعتصامٍ ضاغط، يجبر الدولة المصرية إما على فتح المعبر وقبول التهجير، أو الدخول في صدامٍ داخلي أو خارجي، وفي الحالتين تُدفع مصر إلى الزاوية.
كان المطلوب أن تتحول النوايا العاطفية إلى أداة ضغط سياسي ممنهج، يبدأ من بوابة سيناء، وينتهي عند تصفية قضية بحجم فلسطين.

ومع هذا كله، لا بد من التأكيد أن مصر لم تكن يومًا ضد نصرة أهلنا في غزة، بل كانت ولا تزال الدولة الأكثر تضحية ودعمًا لقضيتهم، دمًا وسلاحًا وموقفًا، وهي التي فتحت معابرها وميادينها ومستشفياتها بلا مَنٍّ ولا ضجيج.
وموقف القيادة المصرية – وعلى رأسها الرئيس عبد الفتاح السيسي – في رفض أي شكل من أشكال التهجير، ليس موقفًا مصريًا فقط، بل هو موقف لصالح القضية الفلسطينية ذاتها، لأن الحفاظ على الأرض، والهوية، والحق، يبدأ من رفض التصفية، أيًّا كان غطاؤها.

ولا يزايدنّ أحد على مصر في هذا الأمر، فهي دولة ذات سيادة، وهي صاحبة القرار في كل ما يتعلق بأمنها القومي، وبما يخدم القضية دون أن يعرّض أرضها أو شعبها أو استقرارها للخطر.

مصر ستظل كبيرة وعظيمة، بقيادتها الحكيمة، وشعبها الواعي، ومؤسساتها القوية.
تحية للقيادة الواعية التي لا تراوغها الأجندات، وتحية لشعب مصر المُدرك الصامد، الذي يقف دومًا في الصف الوطني، حيث يجب أن يكون.