أثر الصراع العسكري على الاقتصاد العالمي: تقلبات مستمرة وأسواق تواجه التحديات

كتبت: سارة أسامة
لم تعد الحروب تقتصر على ساحات القتال، بل امتد تأثيرها لتصيب الحياة اليومية للدول والأفراد على حد سواء، فمنذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، مرورًا بالصراعات في الشرق الأوسط، ووصولًا إلى التوترات الجيوسياسية بين القوى الكبرى، يشهد الاقتصاد العالمي أزمات متتابعة واضطرابات عميقة تهدد النمو والاستقرار المالي في مختلف أنحاء العالم.
الاضطرابات الاقتصادية وارتفاع أسعار الطاقة والغذاء
تُعد الطاقة من أولى القطاعات التي تتأثر بالحرب، حيث تسببت النزاعات في انخفاض إمدادات النفط والغاز، خاصة في أوروبا التي كانت تعتمد بشكل كبير على روسيا كمصدر رئيسي.
هذه الاضطرابات دفعت الأسعار إلى مستويات قياسية ما أدى إلى زيادة تكاليف الإنتاج والنقل وانعكست مباشرة على أسعار الغذاء والسلع الأساسية، وخلقت حالة من التضخم العالمي.
اضطرابات سلاسل التوريد
أدت الحروب إلى تعطل سلاسل الإمداد العالمية خاصة في المواد الخام والصناعات الحيوية مثل الحبوب، المعادن، وأشباه الموصلات. ومع إغلاق الموانئ، وتقييد حركة التجارة، عانت الشركات من نقص المواد وارتفاع التكاليف، مما ساهم في إبطاء وتيرة الإنتاج، ورفع الأسعار للمستهلكين.
هروب رؤوس الأموال وانخفاض الاستثمارات
تؤدي الحروب إلى قلق المستثمرين وتراجع الثقة في الأسواق المالية، مما يدفع الكثير منهم إلى سحب أموالهم من المناطق المضطربة، واللجوء إلى ملاذات آمنة مثل الذهب والدولار.
هذا السلوك يؤدي إلى انخفاض الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الدول المتأثرة، ويُبطئ من وتيرة التنمية الاقتصادية.
ضعف العملات وتدهور الاقتصادات الهشة
الدول ذات الاقتصاديات الضعيفة أو المعتمدة على الاستيراد تتأثر بشكل مضاعف إذ تواجه انخفاضا في قيمة عملاتها ونقصا في احتياطي النقد الأجنبي، ما يخلق أزمة ديون جديدة ويضعف قدرتها على تمويل احتياجاتها الأساسية.
تغير السياسات الاقتصادية العالمية
دفعت الحروب صناع القرار إلى إعادة التفكير في السياسات المالية والنقدية ، فبينما لجأت بعض الدول إلى تشديد السياسات ورفع أسعار الفائدة للحد من التضخم، اختارت أخرى توسيع برامج الدعم لحماية الفئات الأكثر تضررًا، ما زاد من الضغوط على الميزانيات العامة.
هل الأزمة تتطلب تعاونا دوليا؟
في ظل هذه التحديات المتزايد يظل من الضروري وجود تعاون دولي حقيقي وعاجل لتخفيف الآثار الاقتصادية للحروب، وضمان استقرار الأسواق العالمية.
الحروب لم تعد شأنا إقليميا أو سياسيا فقط بل تعتبر أزمة عالمية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية تهدد مستقبل الشعوب والأجيال القادمة.
كيف تؤثر الحرب على الاقتصاد العربي؟
لم تكن الدول العربية بمنأى عن تداعيات الحرب بل واجهت اقتصاداتها تحديات مضاعفة نتيجة اعتمادها على الاستيراد في مجالات رئيسية، مثل الغذاء والطاقة والتكنولوجيا.
1-الدول المستوردة للغذاء مثل مصر وتونس ولبنان تأثرت بشدة نتيجة انخفاض إمدادات القمح بسبب الحرب الروسية الأوكرانية، حيث تمثل هاتان الدولتان المصدرين الرئيسيين للقمح في المنطقة.
2-الدول الخليجية رغم استفادتها من ارتفاع أسعار النفط، إلا أن التضخم العالمي وارتفاع أسعار الشحن أثر على وارداتها و ميزانيات الدعم الاجتماعي.
وفي ظل ارتفاع تكاليف المعيشة، برزت الحاجة لدى الدول العربية إلى تعزيز الإنتاج المحلي وتقليل الاعتماد على الأسواق الخارجية، وهي مهمة شاقة تتطلب وقتًا وإصلاحات اقتصادية عميقة.
الاقتصاد المصري في مواجهة العاصفة
شهد الاقتصاد المصري تأثيرات مباشرة وعنيفة للحرب، تجسدت في عدة جوانب أبرزها:
1-تراجع الاحتياطي النقدي الأجنبي نتيجة زيادة فاتورة الاستيراد وارتفاع أسعار السلع الأساسية.
2-تراجع الجنيه المصري أمام الدولار بشكل ملحوظ، مما رفع أسعار السلع المستوردة وأدى إلى زيادة التضخم.
3- خروج استثمارات أجنبية من أدوات الدين، وهو ما شكل ضغطا إضافيا على الميزان المالي للدولة.
ورغم الجهود الحكومية لاحتواء الأزمة من خلال برامج الحماية الاجتماعية، وفتح مجالات جديدة للاستثمار، إلا أن الواقع الاقتصادي ما زال يتطلب خططًا طويلة الأجل لتحسين الإنتاج المحلي، وتعزيز مصادر العملة الصعبة، وجذب الاستثمارات المستقرة.