عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: زلزال الأقصى.. انطلاقة نحو تحرير العالم من الخوف

عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: زلزال الأقصى.. انطلاقة نحو تحرير العالم من الخوف

ضربت إيران بالأمس واليوم قلب الكيان الصهيوني، واستهدفت أعماق مدنه، بل وصلت إلى أكبر مراكز أبحاثه الأمنية والعسكرية، في ضربة موجعة أربكت الداخل الصهيوني، وكشفت هشاشته أكثر من أي وقت مضى. هذا الرد، الذي ما زال في بداياته، دفع حتى الولايات المتحدة، حليفة الكيان الأولى، إلى أن تتخلى عنه علنًا، رغم أنها ما زالت تحارب في الخفاء دفاعًا عنه.

صحيح أن الداخل الإيراني تعرّض لهجمات إسرائيلية، ولم تكن كل منظوماته الدفاعية على مستوى الصد الكامل، إلا أن الرد الإيراني تخطى حاجز التهديد إلى التنفيذ، وفتح بابًا لم يكن يُجرؤ أحد على طرقه منذ 1948.

ولولا طوفان الأقصى، ما تجرأت دولة، مهما كانت، على ضرب قلب الكيان. كانت غزة هي من كسر هذا الحاجز، وكشف للعالم أن تل أبيب ليست بمنأى عن النار، وأن زمن الهزائم قد ولّى، أو على الأقل، بدأ يُهزم.

للمرة الأولى منذ تأسيس الكيان الصهيوني، يُدك قلبه من الداخل. ومنذ عام 1948 لم تُمس عاصمة هذا الكيان المغتصب بسوء، في حين أطلق العنان لحروبه ضد العواصم العربية، من بيروت إلى صنعاء، ومن دمشق إلى القاهرة، بلا حساب ولا عقاب، وسط سكون عربي مريب و”لطميات” لا تنتهي.

في العقود الماضية، كانت سياسات الاحتلال قائمة على الضرب ثم الانسحاب، مطمئنًا إلى أنه لن يُمس في الداخل، ولن تطاله طلقة واحدة. هكذا آمن العقاب، فتخلى عن كل القوانين والأعراف الدولية، وارتكب جرائم ممنهجة في حق الأمة. اغتال علماء مصر من مصطفى مشرفة إلى سميرة موسى، واغتال يحيى المشد في باريس. لم يُرفع لهؤلاء راية، ولا ثُأر لهم. ثم التفت إلى قادة المقاومة في العراق ولبنان وإيران، فقتلهم واحدًا تلو الآخر دون أن يُستهدف جندي صهيوني واحد.

كيف لا يتجرأ علينا هذا الكيان، ونحن من أمّن له البقاء، وفتح له أبواب الاعتراف الدولي، بعد أن كان منبوذًا في المجتمع الدولي؟ كيف لا يتغول وهو ثمرة “كامب ديفيد”، تلك الاتفاقية التي منحت العدو ما لم يحلم به؟

لكن غزة، ومعها صنعاء، وبدعم من إيران، بدأت ترد لنا شيئًا من كرامتنا المداسة، وعزتنا المهدورة. غزة التي لا تزيد عن 365 كلم مربع، باتت خط الدفاع الأول للأمة. أصبحت تُمثل فوهة البركان العربي، رغم الحصار والخذلان، ورغم أنظمة تسلّمت الراية من الاحتلال لتدوس على شعوبها.

اليوم بات واضحًا أن الكيان الصهيوني لم يُطرد من أوروبا ولا من أمريكا إلا بعد أن شعرت بخطر وجوده، بعد أن تذوقت إرهابه، فتخلت عنه طوعًا. أما نحن، فما زلنا نتعاون معه، نُصنّف مقاومته إرهابًا، ونفتح له أجواءنا وحدودنا.

الولايات المتحدة، شريك رسمي في كل عدوان صهيوني، بل هي حجر الزاوية في بنية الكيان. من قادة البيت الأبيض إلى الجنرالات، ومن الكونغرس إلى مراكز القرار، غالبية أصحاب القرار هم يهود صهاينة أو موظفون عند اللوبي الصهيوني، وعلى رأسه “إيباك”. فكيف نأمن لترامب أو غيره من قادة أمريكا؟ وهل ننسى أن هذا الرجل لا يختلف عن نتنياهو في أي شيء؟ كلاهما لا عهد له، لا أمان، لا احترام لعقد أو ميثاق.

من يظن أن الصين وروسيا بدائل أو حلفاء فهو واهم. هاتان القوتان ليستا سوى أطراف تبحث عن مصالحها: تجارة، نفط، سلاح. لا أخلاق ولا مواقف. بل ربما خطرهم أشد من خطر أمريكا ذاتها، لأنهم لا يكشفون وجههم الحقيقي، ويبتسمون حين يغدرون.

ومن يتأمل المشهد يجد أن الدول التي تدّعي المقاومة لم تتعلم. إيران نفسها، رغم كل شعاراتها، لم تحصّن قياداتها ولا تحمي قادتها. من سمح للموساد باغتيال قادة الحرس الثوري؟ من كشف مواقع العلماء؟ من سهّل الهجمات بالطائرات المسيّرة داخل الأراضي الإيرانية؟ الأيادي التي خانت من الداخل هي ذاتها التي عملت لصالح الموساد في لبنان وسوريا.

إن هذا الكيان تحول إلى نمر ورقي، لكن الخطر أنه يخترق كل جبهة عربية. مصر والأردن والخليج تحولت إلى كتاب مفتوح أمام أجهزته. لقد أصبحت خرائطنا وتردداتنا مكشوفة، من البحر إلى الخليج، لأننا اخترنا أن نكون أدوات طيعة بدل أن نكون مشاريع تحرر.

ما الحل؟

الجواب في نموذج غزة. 600 يوم من الحرب المتواصلة، والاحتلال لم يخترقها كليًا، لم يصل إلى الأسرى، لم يسقطها رغم الترسانة والجيوش والطيران. بينما دول كاملة، تملك جيوشًا وتمويلاً وتسليحًا، تسقط في أيام أمام ضغوط اقتصادية أو حملات ناعمة. لماذا؟

لأن غزة محصّنة بالوعي والعقيدة والإرادة. لأنها تملك شبكة دفاع ذاتي حقيقية، وتعلمت كيف تدير الحرب النفسية والميدانية، بينما نعيش في ظل أنظمة لا تحمي إلا كراسيها.

يجب أن ننتقل من حالة الدفاع إلى الهجوم. المطلوب الآن بناء شبكة دفاع جوي لا يمكن اختراقها، على غرار ما فعلته باكستان مع الهند، تكون قائمة على إرادة التحرر لا صفقات الحماية. لا بد أن نحمي أجواءنا، وأن نرد على كل ضربة بأشد منها.

لقد بدأت “طوفان الأقصى” بكسر الخوف، وعلينا أن نستكمل الطريق بكسر المعادلة كلها. هذا الكيان ليس أقوى منا، بل نحن من كنا أضعف من قول “لا”. ولكن حين تصرخ غزة، يسقط الوهم، وتبدأ الأمة تستعيد روحها.

فهل نحن مستعدون؟

أم أننا سنكتفي بالتفرج بينما التاريخ يُكتب بدماء الأحرار؟