وائل شفيق يكتب: “شبابيك.. صوت منير ينير طريق الحرية”

وائل شفيق يكتب: “شبابيك.. صوت منير ينير طريق الحرية”

في أعماق السجون، حيث تتشابك القضبان الحديدية مع أحلام الحرية، وُلدت أغنية “شبابيك” كصرخة احتجاج ونداء حرية، استلهمها الشاعر الكبير مجدي نجيب من تجربته الشخصية في المعتقل، حيث وجد نفسه محاصرًا بين حبه لوطنه واستنكاره للظلم الذي يتعرض له. فكانت تجربته في المعتقل منعطفًا فارقًا في حياته. هذه الأغنية الخالدة، التي غناها محمد منير، تعبر عن مشاعر المهمشين والمضطهدين وأحاسيسهم النفسية العميقة تجاه وطنهم، وتجسد حالة من الرفض والتمرد على الظلم.

من خلال هذا العمل الفني الرائد، برز دور الموسيقار العبقري يحيى خليل في تشكيل شخصية محمد منير الفنية، حيث استطاع أن يحوّل كلمات مجدي نجيب ولحن أحمد منيب إلى لوحة فنية متكاملة، جمعت بين الموسيقى المحلية والعالمية في نسق فني فريد، وفتحت للأغنية العربية آفاقًا جديدة. وهكذا، أصبح ألبوم “شبابيك” نقطة تحول في الموسيقى العربية، حيث ترك تأثيرًا عميقًا على الأجيال اللاحقة من الفنانين والموسيقيين، مما جعله عملًا خالدًا في ذاكرة الموسيقى العربية.

في بداية الأغنية، يطلق الشاعر صرخة مبحوحة من أعماقه، “شبابيك.. الدنيا كلها شبابيك”، وكأنه يعلن بذلك أن العالم قد تحول إلى سجن مظلم لا متنفس فيه، حيث تغلق الأبواب الضخمة كل منافذ النور، فلا يتسرب الضوء إلا من خلال شبابيك صغيرة عالية، لا يصل إليها إلا النزر اليسير من الأمل. في هذا السياق، يبدو أن الحرية أصبحت من المستحيلات، لا مكان لها في هذا العالم المغلق.

رغم أن الشاعر محروم من نعمة الحرية، إلا أنه يظل متمسكًا بعشقه لوطنه، متشبثًا بكل ذرة من حبه وانتمائه لهذا الوطن الذي قيد حريته. يقول الشاعر: “وأنا كنت عاشق وكان يحلالي أحب بس يكون حلالي”، وكأنه يعبر عن رغبته الجامحة في أن يكون عشقه لوطنه مشروعًا ومقبولًا، دون أن يتعرض للاضطهاد والقمع. الوطن ليس فقط مكانًا نولد فيه، بل هو أيضًا فكرة نؤمن بها، وهذا ما يفسر عمق الانتماء الوطني لدى الشاعر، رغم كل التحديات والمعاناة التي يمر بها. رغم الآلام النفسية التي يعاني منها المضطهدون، إلا أنهم غالبًا ما يحتفظون بانتمائهم الشديد لوطنهم.

 

الشاعر يشعر بخيبة أمل عميقة من وطنه، الذي قدم له أغلى ما يملك من دموع عينيه وسنين عمره، متوقعًا أن يجد الحرية والازدهار، ولكن بدلاً من ذلك، وجد نفسه محاصرًا بالقيود والاضطهاد. يقول الشاعر “أنا بعت الدموع والعمر طرحت جنايني في الربيع الصبر”، وكأنه يعبر عن تضحياته الجسام التي قدمها من أجل وطنه، والتي لم تثمر إلا عن الصبر على الأذى والمرارة. يبدو أن الوطن لم يكن يومًا منبعًا للطمأنينة والسلام بالنسبة للشاعر، بل كان مصدرًا للمعاناة والشقاء.

الشاعر يشعر بالحزن والأسى تجاه وطنه، ويشعر بالوحدة والعزلة خلف شبابيك القمع، وكأنه يعيش في عالم مظلم لا يرى فيه النور إلا من خلال ثقوب صغيرة. يقول الشاعر “غيرت ياما كتير أحوالي”، وكأنه يعبر عن التحول الكبير الذي طرأ على حياته نتيجة للظلم والقمع، حيث تغيرت معالم حياته بشكل جذري. المضطهدون يعيشون في حالة من عدم اليقين، حيث لا يعرفون ما الذي ينتظرهم في المستقبل. كما قال عالم النفس فيكتور فرانكل، “الإنسان يمكن أن يتحمل أي شيء طالما أنه يعرف لماذا يتحمل”. هذه المقولة تعكس أهمية المعنى والهدف في حياة الإنسان، حيث يمكن أن يتحمل الألم والمعاناة إذا كان يعرف لماذا يتحملها.

في النهاية، يصرخ الشاعر “دي عينيك شبابيك والدنيا كلها شبابيك”، كأنه يعلن أن الوطن كله أصبح سجنًا كبيرًا، ولا مكان للحرية في أي مكان. هذه الصرخة تعكس حالة من اليأس والإحباط، حيث يبدو أن الحرية أصبحت حلمًا بعيد المنال. يجب على الجميع أن يدركوا أهمية الحرية والعدالة، وأن يعملوا على تحقيقها للجميع، كما قال المناضل الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا، “الحرية ليست شيئًا يُمنح، بل هي شيء يُؤخذ”.

ختامًا، تُعد “شبابيك” أغنية تعبيرية عميقة عن مشاعر المضطهدين وأحاسيسهم النفسية تجاه وطنهم، حيث تطرح العديد من القضايا الهامة التي تلامس جوهر الوجود الإنساني. من خلال كلماتها الشعرية والملحنة بعناية، تعكس الأغنية الحرمان من الحرية، والعشق للوطن، والشعور بالخذلان، والتحديات النفسية التي يواجهها المضطهدون. إنها لوحة فنية متكاملة تعكس معاناة الإنسان في سبيل الحرية والعدالة.. إنها رسالة أمل وتحدٍ، تُظهر أن الحرية والعدالة هما الطريق الوحيد لبناء مجتمع عادل وحر.