مجدي حمدان يكتب: خطة مصر للمرحلة التالية بعد الحرب

مجدي حمدان يكتب: خطة مصر للمرحلة التالية بعد الحرب

في زمن التحولات الجذرية والأحداث المفصلية التي تمر بها المنطقة، يصبح من الحتمي أن تنهض مصر كمرجعية استراتيجية في معادلات الشرق الأوسط.

لا مجال للارتجال، ولا للرهان على أدوات الدولة التقليدية فقط. المطلوب هو الارتقاء إلى مستوى التحدي، ويبدأ ذلك بقرار سياسي شجاع يتمثّل في انتقاء الأفضل من الخبراء الدبلوماسيين والاستراتيجيين والأمنيين والاقتصاديين، وإدخالهم في غرف مغلقة يتم فيها دراسة الواقع المتغيّر، واستشراف السيناريوهات القادمة، ووضع أطر واضحة للتحرّك المصري داخليًّا وخارجيًّا، بعيدًا عن الارتجال وردود الأفعال الانفعالية.

ثم التوجّه نحو الجبهة الداخلية.

لا يمكن لأي سياسة خارجية أن تستقيم دون جبهة داخلية متماسكة. فبناء شرعية الدور الإقليمي يبدأ من الداخل: من إعادة فتح المجال العام، وتهيئة مناخ سياسي يسمح بتعدد الرؤى والآراء، والإفراج الفوري عن معتقلي الرأي والسياسة، وإطلاق حوار وطني حقيقي، لا شكلي.
هذا ليس ترفًا، بل أحد الشروط الوجودية لاستمرار الدور المصري المؤثر.

السيناريوهات الأربعة التي يجب أن تتحرك الدولة المصرية على أساسها بالتوازي، كما يلي:

أولًا: السيناريو الدبلوماسي
يتمثل في الاستمرار في بلورة موقف مصري مستقل، يدعم وحدة الدول العربية وسلامة أراضيها، مع التأكيد على ثوابت مصر التاريخية بشأن الأمن القومي العربي، ورفض أي ترتيبات إقليمية تتجاوز دور الدولة الوطنية لصالح مشاريع ما فوق الدول أو ما دونها، والممثّلة في جامعة الدول العربية.

ثانيًا: السيناريو الردعي
ويتحقق ببناء قدرة ردع إقليمية في ملفات مثل الأمن المائي، والأمن الحدودي، والأمن الغذائي، مع تعزيز التحالفات الإقليمية والثنائية بعيدًا عن التبعية، والتوجّه نحو امتلاك أسلحة ردع متميّزة.

ثالثًا: السيناريو الاقتصادي
من خلال إعادة تعريف المصالح الاقتصادية المصرية في ضوء التحولات الجارية، وتوسيع دوائر الشراكة مع قوى ناشئة، وعدم الرهان فقط على مراكز النفوذ التقليدية، مع تعزيز منظومة الاكتفاء الذاتي، والعمل على معالجة العجز التجاري والموازني.

رابعًا: الانتباه للسيناريو الأسوأ
عبر وضع خطط طوارئ تشمل إدارة الأزمات المندلعة في الجوار المباشر (غزة، السودان، ليبيا)، وتحديد آليات مرنة للتعامل مع تدفّق اللاجئين، والانهيارات المحتملة لأنظمة إقليمية.

لا تزال مصر حجر الزاوية في الشرق الأوسط، لكن هذا الدور لا يُمنَح، بل يُنتزَع بالقدرة على المبادرة، والاحترافية في التعامل، وامتلاك رؤية جامعة تستند إلى الداخل، وتنفتح على الخارج بعقل الدولة، لا بعقل اللحظة.

“طريق مصر” يبدأ من القاهرة، لكنه يجب أن يُرسم بأدوات جديدة، وعقول غير تقليدية، وشرعية متجددة، قادرة على الاستجابة للتاريخ… لا الهروب منه.