هل تؤشر التوترات بين إيران وإسرائيل على احتمال نشوب حرب شاملة في المنطقة؟ خبير في الشأن الإيراني يوضح.

في ظل التوتر المتصاعد والضربات المتبادلة بين إيران وإسرائيل، ومع دخول أطراف إقليمية ودولية على خط الأزمة، يبقى السؤال الأبرز: هل تقترب المنطقة من مواجهة عسكرية شاملة، أم أن الطرفين يفضلان البقاء في دائرة الاشتباك المحسوب؟ وما الدور المحتمل لمصر في هذا المشهد المشتعل؟
الدكتور هاني سليمان، الباحث في الشؤون الإيرانية، قال إننا أمام مسار غير مسبوق في طبيعة العلاقات الإيرانية الإسرائيلية، حيث حدث تطور ملحوظ في حجم التوترات ونطاقها.
وأوضح سليمان خلال تصريحات خاصة لـ«الـحرية» أن بنك الأهداف يتسع يومًا بعد يوم، وكذلك حجم الأضرار والفاتورة التي يدفعها كل طرف، ما يجعلنا أمام مشهد متسارع لا يمكن اختزاله في رد ورد مضاد، كما كان الحال سابقًا.
وأضاف الباحث في الشؤون الإيرانية: «لم تعد الإدارة الأمريكية قادرة على ضبط حدود الاشتباك كما في السابق، فنحن الآن بصدد حرب مفتوحة متطورة، وهناك محددات عديدة قد تساهم في تصعيد هذه المواجهات إلى مستويات أعلى، وربما إلى حرب شاملة في وقت لاحق، وهذا يتوقف على عدد من العوامل المتشابكة».
وأكد أن إسرائيل بدعم أمريكي مباشر تملك تفوقًا جويًا واستراتيجيًا واضحًا، وقد نجحت في تنفيذ عمليات اغتيال لقادة من الصفوف الأولى في الجيش الإيراني والحرس الثوري، واستهداف علماء نوويين ومنشآت حساسة، مثل قاعدة تبريز الجوية، ومنشآت للحرس الثوري، مستخدمة آليات جديدة تشمل توظيف العملاء والجواسيس داخل إيران.
وأشار سليمان إلى أن إسرائيل استفادت من اختراق استخباراتي وأمني كبير داخل المؤسسات الإيرانية، ما سبب ارتباكًا وتصدعًا في الداخل الإيراني، إلا أن طهران بدورها نجحت في تحقيق نوع من التوازن النسبي في الأضرار المتبادلة.
وقال: «إيران ردت بعمليات نوعية، استخدمت فيها صواريخ باليستية، طائرات مسيّرة، وصواريخ فرط صوتية، مستهدفة معهد وايزمان للأبحاث النووية، وأكثر من 160 مبنى، ما أسفر عن مقتل 16 شخصًا، وإصابة أكثر من 350، ووجود ما يقارب 18% من المفقودين».
وتابع: «رغم أن الجانب الإسرائيلي أكثر تقدمًا في نوعية الهجمات واستهداف القيادات، إلا أن الهجمات الإيرانية خلقت ذعرًا داخل إسرائيل، وخلطت أوراق المشهد السياسي، خصوصًا مع الضغط المتزايد على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو».
ولفت إلى أن المشهد مرشح للتطور في ظل تصريحات الرئيس الأمريكي مؤخرًا حول احتمال تدخل واشنطن، وهو ما كانت تسعى له إسرائيل منذ البداية لتوسيع نطاق الضربات، وربما استهداف المنشآت النووية الإيرانية بشكل كامل.
وتابع: «إسرائيل لا تملك القنابل القادرة على اختراق المباني شديدة التحصين، لذلك ستعتمد على الجانب الأمريكي».
وأشار إلى أن هناك توجه إسرائيلي لدفع الأمور نحو سيناريو إسقاط النظام الإيراني، خاصة مع تحركات رضا بهلوي، نجل الشاه السابق، الذي يُروَّج له من بعض الجهات كبديل، وسط محاولات لإثارة الداخل الإيراني ضد النظام.
وحذر سليمان من أن هذه المواجهة تعتمد على قدرة إيران على الصمود وتحمّل الضربات، وكذلك مدى قدرتها على إحداث أضرار حقيقية في الداخل الإسرائيلي، مشيرًا إلى أن الحرب النفسية والقدرة على الاستمرار لفترة طويلة هي أحد مفاتيح هذا الصراع.
وأكد أن هناك محاولات للوساطة من أطراف عدة، بينها روسيا، التي طرحت العودة إلى مقترح نقل اليورانيوم الإيراني إلى أراضيها، بالإضافة إلى تحركات من سلطنة عمان وتركيا، في محاولة لاحتواء الموقف.
وعن احتمالية مشاركة مصر في هذا الصراع، استبعد الدكتور هاني سليمان تمامًا هذا السيناريو، مؤكدًا أن مصر ليست طرفًا مباشرًا في هذه الحرب، ولن تنخرط عسكريًا، لكنها تتبنى موقفًا سياسيًا داعمًا لإيران ضد ما وصفه بالاعتداءات الإسرائيلية السافرة.
وأوضح أن مصر أصدرت بيانًا شديد اللهجة مؤخرًا رغم أن علاقاتها مع إيران لم تصل بعد إلى مرحلة الكمال، مضيفًا: «مصر تحاول استخدام الورقة الإيرانية لإرسال رسائل إلى الجانبين الإسرائيلي والأمريكي، خاصة في ظل الفتور الحالي في علاقتها بواشنطن، وتسعى لتوسيع أوراقها للضغط في ملفات مثل التهجير في غزة ورفض المخطط الإسرائيلي».
وأشار إلى أن مصر قد تدعم إيران إعلاميًا وسياسيًا، وربما تدخل على خط الوساطة العربية، لكنها لن تتورط عسكريًا، لأنها تدرك أن حسم الصراع لصالح إسرائيل سيؤدي إلى تغييرات إقليمية تمكّنها من فرض ترتيبات شرق أوسطية جديدة تصب في مصلحتها، وتُمكّنها من الضغط على مصر بشكل غير مسبوق، خصوصًا في ملف التهجير وقطاع غزة.
واختتم حديثه بالتأكيد على أن مصر تسعى لتثبيت توازن نسبي في المواجهة بين إيران وإسرائيل، بما يضمن لها الحفاظ على موقعها الاستراتيجي، ومنع تغوّل إسرائيلي قد يهدد أمنها القومي مستقبلاً.