عز الدين الهواري يكتب لـ«الحرية»: لجان «أولاد الأكابر».. تسمية غير ملائمة في دولة تدعي تحقيق العدالة الاجتماعية

في واحدة من أكثر الوقائع فجاجة واستفزازًا لمشاعر المصريين، تتصدر العناوين خبر إقالة رئيس لجنة امتحانات في محافظة سوهاج بسبب تسريب امتحانات داخل ما يُعرف بـ”لجنة أولاد الأكابر” – نعم، لم تُكتب هكذا في إحدى الروايات الساخرة أو المسرحيات الرمزية، بل واقعٌ صادم في مؤسسة رسمية تابعة للدولة المصرية!
أن تُطلق وزارة التربية والتعليم – وهي المعنية بصياغة قيم المساواة والمواطنة والعدالة في عقول أجيال المستقبل – اسم “لجنة أولاد الأكابر” على لجنة امتحانات رسمية، فهذه ليست مجرد سقطة إدارية، بل وصمة عار تُدين الوزارة برمّته، من أعلى رأسه إلى أصغر مسؤول فيه.
تكريس للفوارق الطبقية
“أولاد الأكابر”… اسم كأنه مقتبس من طبقات ما قبل الثورة، حين كان المجتمع مقسّمًا بوضوح إلى سادة يملكون كل شيء، وعبيد لا حقّ لهم حتى في الامتحان الشريف. كيف تجرؤ مؤسسة حكومية على ترسيخ هذا المنطق الإقطاعي في مؤسسة تربوية؟
هل يُعقل أن تعلن وزارة – على الملأ – عن لجنة “خاصة” للنخبة، للأبناء المدللين، للمرتشين أو المحصنين من رقابة القانون؟ هل هذا مجرد عبث بالأسماء، أم أن وراء التسمية نظامًا موازيًا يُدار من تحت الطاولة، ويُقسّم طلاب الوطن الواحد إلى طبقات؟
سقوط أخلاقي قبل أن يكون إداريًّا
ما حدث ليس مجرد تسريب امتحان، بل هو تسريب لقيم العدالة، وتمرير لفكرة أن “الأكابر” لا يخضعون لما يخضع له باقي الناس. والأدهى أن هذا يحدث في واحدة من أفقر محافظات الصعيد، حيث الكادحون الذين يبيعون قوتهم ليعلموا أبناءهم، فيفاجأون أن أبناء الكبار لديهم لجانهم الخاصة، وتسريباتهم الخاصة، وربما شهاداتهم الخاصة أيضًا.
لابد من تحقيق شفاف ومستقل
إن إقالة رئيس اللجنة ليست كافية، بل هي محاولة “لذر الرماد في العيون”. لا بد من فتح تحقيق عاجل وشفاف، ليس فقط لمعرفة من سرّب الامتحان، بل لمحاسبة من أطلق هذا المسمى الحقير – “أولاد الأكابر” – على لجنة رسمية.
يجب أن يخرج وزير التربية نفسه، ويُعلن للرأي العام كيف وصلت هذه التسميات إلى وثائق رسمية؟ وهل هناك لجان أخرى تحمل نفس المضمون؟ بل وهل نحن أمام نظام موازٍ يتم فيه التلاعب بالامتحانات لصالح أبناء طبقة معينة؟
دعوة لكل صوت حر
هذه ليست قضية تعليم، بل قضية كرامة وطن. وعلى كل من يرى في نفسه حرًا، شريفًا، مهما كان فقيرًا أو مهمشًا، أن يرفض هذه الطبقية المقنّعة، وأن يرفع صوته بالمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن هذه الفضيحة.
لأن من يقبل اليوم بلجنة “أولاد الأكابر”، سيُجبر غدًا على القبول بدولة “أولاد الأكابر”، وسيفقد أبناءنا كل إيمانهم بالعدالة، والوطن، والمستقبل.