عز الدين الهواري يكتب: الصعيد… من تراث الأجداد إلى neglect الأحفاد

عز الدين الهواري يكتب: الصعيد… من تراث الأجداد إلى neglect الأحفاد

من يقف على حافة الطريق الصحراوي الشرقي أو الغربي في الصعيد، سيجد نفسه أمام سؤال صادم: هل هذا الطريق الذي يربط مصر بجنوبها، ويعبر من خلاله أبناؤها كل يوم، هو ذاته الذي تتغنّى به الخطط التنموية والتقارير الحكومية؟ الإجابة تأتي على لسان المكلومين من أهل الصعيد: “لا، نحن نُعامل كمواطنين من درجة رابعة”.

طرقات بلا روح.. وأرواح بلا إسعاف

في الوقت الذي نرى فيه طريق الساحل الشمالي مزودًا بأحدث الخدمات، من نقاط إسعاف متقاربة، مرورًا بدوريات الأمن المستمرة، إلى محطات وقود نظيفة ومنظمة، فإن طرق الصعيد، سواء الشرقية أو الغربية، تبدو وكأنها مساحات منسية. لا سيارات إسعاف تراها بسهولة، ولا خدمات طبية قريبة، بل في بعض المناطق تُحتجز الأرواح في انتظار “المجهول”. ولا مستشفيات طواري اليوم الواحد على الطريق واقرب مستشفى لا تقل عن ٣٠ إلى ٥٠ كيلو كيف طريق يربط الجنوب مع القاهرة لا يوجد به مستشفى طواري واحد مسافة أكثر من ١٠٠٠ كيلو؟

الطريق الصحراوي بالصعيد

لا مبالغة في القول إنّك إن سقطت مريضًا على طريق الصعيد، فلن تجد طبيبًا، ولا مركز طوارئ، ولا حتى محطة وقود آمنة تقف فيها و لا حتى GAS واحدة على طول الطريق، آخرها فى ١٥ مايو أو فى أخميم سوهاج على بعد ٣٥ كم من الطريق الصحراوي الشرقي. وما يزيد الطين بلة، أن عمّال بعض محطات الوقود القليلة على الطريق غير مكتملة المرافق ولا الحياة، يفرضون “إتاوات” على السائقين، كما حدث في إحدى المحطات حيث تم إجبار أحد المواطنين على دفع أكثر من 25 جنيهًا فوق سعر الوقود الرسمي – جريمة صغيرة تعكس جريمة أكبر: غياب الدولة. وأيضا مراكز الخدمات، أعطال السيارات تقريبا لا يوجد حتى واحد على الطريق خاص بأعمال الصيانة.

مدخل وكارتة تحصيل الرسوم بالطريق الفرعى بسوهاج بجوار بنزينة وطنية أمام مدخل أمام سفاجا والغردقة فقط. أريد مسئولا من أي محليات أن يذهب إلى هناك حتى يرى بنفسه المعنى الحقيقي أن حياة أهل الصعيد لا تهم؟

الطريق الصحراوي بالصعيد
الطريق الصحراوي بالصعيد

الطب في الصعيد بشكله العام والخاص

من يتردد على المستشفيات الحكومية أو حتى الخاصة في مدن ومراكز سوهاج أو قنا أو أسيوط، سيصدم من الفرق الشاسع في جودة الخدمة مقارنة بالقاهرة أو الإسكندرية. أطباء قليلو الخبرة، ممرضات بلا تدريب كافٍ، ونقص دائم في الأجهزة الحيوية. الأمر لا يتعلق بنقص الإمكانيات فقط، بل بانعدام الرؤية، وغياب العدالة في توزيع الكفاءات والخبرات.

“حياة كريمة”.. الحلم الذي صار كابوسًا

رسالة إلى رئيس الوزراء، يجب أن يُعاد النظر بجدية في مشروع “حياة كريمة” الذي، رغم نواياه الطيبة والمهمة لأهل مصر إلا أنه تحوّل في كثير من قرى ومراكز الصعيد إلى كابوس – كالبِلينَا وجرجا في سوهاج –ومشروع معاناة يومية. منذ أكثر من 7 سنوات والطرق بطنها مفتوحة، الصرف الصحي لم يكتمل، والشوارع تحوّلت إلى حُفر تمنع حتى سيارات الإسعاف من الوصول إلى البيوت. أهالي القرى يعيشون وسط الجحيم، بينما تصدر تقارير إعلامية تتحدث عن “نهضة تنموية”.

الاستثمار ليس مجرد “توزيع أراضٍ”

الحديث عن جذب الاستثمارات إلى الصعيد يجب ألا يقتصر على منح أراضٍ لرجال الأعمال. أو حتى فتح مصانع، ولكن التنمية الحقيقية لا تكون بمنشآت لا تعود بأي فائدة على حياة المواطن، بل بخطط اقتصادية متكاملة تُشرك الناس، وتستثمر في الإنسان، لا فقط في الحجر. توفر لهم المعنى الحقيقى لحياة كريمة.

جذور الحضارة لا تُدفن تحت ركام الإهمال

الصعيد ليس مجرد منطقة جغرافية، بل هو مهد الحضارة الفرعونية؛ طيبة، أبيدوس، دندرة، أسوان، كلها شواهد حية على عظمة الإنسان الصعيدي. وبعد الإسلام، ظل الصعيد منارة للعلم والدين، بأزهره وشيوخه.

لكن كيف لأحفاد بناة المعابد ومفسري القرآن، أن يعيشوا في وطن تتفاوت فيه درجات “الاهتمام”؟ كيف تقبل الدولة أن يكون هناك داخل الوطن الواحد، من يعيش في “النعيم” بلا استحقاق، وآخرون يحفرون الصخر ليعيشوا بكرامة؟

الصعيد الذي لا يُهزم.. شواهد التاريخ لا تكذب

أهل الصعيد ليسوا هامشًا في تاريخ مصر، بل هم الأصل. من أرضهم خرج شيخ العرب همام، حاكم الصعيد الذي قاوم المماليك، وكان يدير إقليمًا مستقلًا من أسيوط حتى إسنا، وجعل من جرجا مقرًا لحكمه.

وفي العصر الحديث، أنجبت الصعيد جمال عبد الناصر، قائد ثورة يوليو، ورفيقه عبد الحكيم عامر، كما خرج منها اللواء عمر سليمان، رئيس المخابرات الأسبق، أحد أهم رجال الدولة المصرية في العقدين الأخيرين.

ولا يعلم كثيرون أن أهل سوهاج تحديدًا، كما ورد في الوثائق التاريخية، لم يسمحوا لأقدام المحتلين الأجانب أن تطأ أرضهم، وكانت جرجا مقر حاكم الصعيد وولي العهد في عهد المماليك. تاريخ من الصمود والمقاومة والاستقلالية.

نداء أخير: لا تُدار التنمية بالتصريحات

إن كنا جادين في بناء مصر قوية عادلة، فإن أول الطريق يبدأ من إنصاف الصعيد. لا نريد خطابًا رسميًا ولا حملات إعلامية، بل حلولًا على الأرض. نريد شوارع ممهدة، مستشفيات حقيقية، مدارس لا تقتل الحلم، ومراكز إسعاف تُنقذ الأرواح. نريد أن يشعر المواطن الصعيدي أن له حقًا، لا أنه يعيش على الهامش.

خاتمة: الصعيد ليس مؤخرة مصر.. بل بوابتها التاريخية والإنسانية

الصعيد هو أصل مصر، وفخرها، ودرعها. من لا يعرف ذلك، فليقرأ التاريخ جيدًا. ومن لا يُنصفه، فليعلم أن التاريخ لا يرحم من يُهمل الجذور.