تاريخ الثورات والتحديات في سوريا: من 8 يونيو 1941 حتى 2025

تاريخ الثورات والتحديات في سوريا: من 8 يونيو 1941 حتى 2025

ذفي قلب المشرق العربي، شكلت سوريا مسرحًا دائمًا لصراعات القوى الكبرى، ليس فقط لموقعها الجغرافي المميز، بل لما تمثله من رمزية سياسية وحضارية.

في النصف الأول من القرن العشرين، كانت سوريا لا تزال تسعى لتأكيد استقلالها تحت وطأة الانتداب الفرنسي، وبينما كانت الحرب العالمية الثانية تعيد تشكيل العالم، وجدت سوريا نفسها عالقة بين مطرقة الاحتلال ونار الأطماع الدولية، حتى جاء يوم 8 يونيو 1941، ليشهد غزوًا مزدوجًا من بريطانيا وفرنسا، شكّل محطة مفصلية في تاريخها الحديث، وتوالت الأحداث والاضطرابات من حافظ الأسد لبشار حتى وصلنا لأحمد الشرع.

سوريا بين الانتداب والصراع الدولي

بعد انهيار الدولة العثمانية ونهاية الحرب العالمية الأولى، خضعت سوريا للانتداب الفرنسي وفق اتفاقيات دولية فرضتها القوى الاستعمارية.

لم يتقبل السوريون هذا الواقع، فانطلقت الثورات والمطالبات بالاستقلال، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية وسقوط باريس في يد النازيين عام 1940، أصبحت سوريا خاضعة لحكومة فيشي المتعاونة مع هتلر، مما أثار قلق بريطانيا من احتمال تحول سوريا إلى قاعدة لنفوذ ألماني في المنطقة.

8 يونيو 1941: بداية الغزو

في الساعات الأولى من صباح يوم 8 يونيو 1941، أطلقت القوات البريطانية والفرنسية حملة عسكرية ضد سوريا ولبنان، عُرفت باسم “عملية إكسبورتر”، قاد الحملة الجنرال البريطاني السير هنري ويلسون، وشاركت فيها قوات من أستراليا والهند، بالإضافة إلى قوات ديغولية فرنسية.

ورغم الادعاء بأن الهدف كان “تحرير سوريا”، فإن الحقيقة الأوسع كانت سعي الحلفاء لضمان ألا تصبح سوريا نقطة انطلاق لأي هجوم ألماني على قناة السويس أو العراق.

واستمرت المعارك حتى منتصف يوليو، وواجهت مقاومة عنيفة من القوات الفرنسية التابعة لحكومة فيشي.

وانتصرت قوات الحلفاء في نهاية المطاف، ودخلت دمشق وبيروت، وجرى تسليم الإدارة للحكومة الفرنسية الحرة بقيادة ديغول.

ما بعد الغزو.. الاستقلال المؤجل

رغم وعود الحلفاء بمنح السوريين استقلالهم، بقي النفوذ الفرنسي قائمًا بعد انتهاء العمليات العسكرية، لكن السوريين لم يهدأوا، وتصاعدت المقاومة السياسية والعسكرية حتى نالت سوريا استقلالها رسميًا في 17 أبريل 1946 بعد جلاء آخر جندي فرنسي.

عهد الأسد: الجمهورية في قبضة الحزب والأمن

بعد الاستقلال، دخلت سوريا في دوامة من الانقلابات العسكرية، قبل أن يستقر الحكم بيد حزب البعث عام 1963.

وفي عام 1970، تولى حافظ الأسد زمام السلطة في سوريا عقب ما عُرف بـ”الحركة التصحيحية”، مطلقًا بذلك مرحلة جديدة من الحكم امتدت لثلاثة عقود حتى وفاته في عام 2000.

اتسم عهده بقدر من الاستقرار الأمني النسبي، لكنه كان يجري بسيطرة صارمة على مفاصل الدولة، مع تضخم نفوذ الأجهزة الأمنية والعسكرية. وخلال هذه الفترة، تبنت سوريا دورًا إقليميًا فاعلًا، خاصة في الملفين اللبناني والفلسطيني، وواصل النظام مواقفه المتشددة تجاه إسرائيل، رغم التوتر المستمر مع الدول الغربية.

غير أن هذا الحكم لم يخلُ من قمع دموي للمعارضة، تجلّى أبرزها في مجزرة حماة عام 1982، عندما قامت القوات السورية بقصف المدينة بشكل مكثف لقمع تمرد جماعة الإخوان المسلمين، مما أسفر عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، بحسب بعض التقديرات.

كما ارتُكبت انتهاكات جسيمة في مجزرة سجن تدمر عام 1980، حيث أُعدم مئات السجناء السياسيين بدم بارد داخل زنازينهم، وشكلت هذه الأحداث رموزًا دامية في تاريخ سوريا الحديث، موضحة النهج الأمني العنيف الذي ظهر في حقبة الأسد الأب.

وفي عام 2000، تولى بشار الأسد الحكم بعد استفتاء شعبي، ليحمل آمالًا بالإصلاح والانفتاح، لكن هذه الآمال تلاشت تدريجيًا مع استمرار القبضة الأمنية، واندلاع الانتفاضة السورية عام 2011 التي تحولت إلى نزاع مسلح واسع النطاق تدخلت فيه قوى دولية وإقليمية، وما زالت تبعاته تتفاعل حتى اليوم.

عهد جديد مع الشرع

وجاءت المعارضة السورية بقيادة أحمد الشرع قائد هيئة تحرير الشام في 29 نوفمبر 2025، بدخولها لحلب وتحريرها من نظام آل الأسد وصولًا إلى يومنا هذا مع الرئيس السوري أحمد الشرع وحكومته الجديدة

اقرأ أيضًا: أحمد الشرع.. كيف يخطط لإعادة استقرار سوريا بعد سنوات من النزاع؟

سوريا اليوم.. صدى الماضي في حاضر ممزق

ورغم تاريخها العريق، تعيش سوريا اليوم واحدة من أعقد الأزمات السياسية والإنسانية في العالم، التدخلات الخارجية، والانقسام الداخلي، والدمار الهائل الذي لحق بالبنى التحتية والاقتصاد والمجتمع في ظل الحقب الماضية، كلها جعلت من سوريا ساحة مفتوحة لصراعات متعددة، لكن بين كل هذه العواصف، يبقى السؤال حاضرًا: هل يمكن لسوريا أن تنهض من جديد كما فعلت بعد 1946، وتستعيد دورها الحضاري والتاريخي؟