شادي العدل يكتب لـ«الحرية»: عندما يكون النقاش أشد وطأة من السجن

شادي العدل يكتب لـ«الحرية»: عندما يكون النقاش أشد وطأة من السجن

بعد أيام من انشغال الشارع المصري ببهجة عيد الأضحى، حان الوقت للرد على الزوبعة التي أثارها حوار أحمد الطنطاوي مع “بي بي سي”، والحقيقة التي لا مفر منها أن هذا الحوار المهني القاسي كان بمثابة ضربة موجعة لطنطاوي السياسي، ربما تفوق في تأثيرها عامًا كاملاً خلف القضبان!

في استوديوهات البي بي سي، وقف طنطاوي أمام أسئلة محرجة لم يُجب عنها بإقناع.

وأولها لغز بيروت، كيف كان “يُجهز نفسه علميًا وعمليًا” للرئاسة في لبنان؟ ومن كان يمول هذا التحضير؟ السؤال الذي ظل معلقًا مثل سحابة داكنة فوق مصداقيته.

ثانياً شبح التدريب السوري، هل تلقى تدريبًا من المنظمة نفسها التي دربت أحمد الشرع، “الجولاني” سابقاً؟ اتهام خطير تملص منه بإجابات غامضة، وكأنه يلعب بورقة “الانتقائية في الصدق”.

والأخير مفارقة “موقع سطور، لماذا اختار منصة إلكترونية مثيرة للجدل لنشر مقالاته؟ هل كانت قناعته الفكرية أم ورطة اختيارية؟

لو كنت صاحب قرار في هذا البلد – وأؤكد هنا على براءتي من أي انحياز سياسي سوى للحزب الليبرالي المصري – لما حبست طنطاوي! ليس دفاعًا عنه، بل لأن سجنه حوله إلى “بطل مضطهد”، بينما الحوار كشف هشاشة مشروعه السياسي.

فمن خلال متابعتي لمسار طنطاوي البرلماني وخطاباته، يمكن رصد ثلاث سمات مثيرة للقلق.

السمة الأولى فن إذلال الخصوم، فلديه موهبة قاتلة في تحويل النقد السياسي إلى هجوم شخصي. يستخدم السخرية كسلاح، كما ظهر حين قاطع محاورته نسمة السعيد بضحكة استعلائية، وكأنه يسخر من السؤال نفسه!

ثانياً وهم الجماهير الغفيرة، يتحدث عن “الملايين التي تنتظره” بنبرة المُنقذ الأسطوري، متناسيًا أن السياسة المصرية لم تعد تعتمد على الخطابات الرنانة، بل على البرامج الواقعية.

ثالثاً النرجسية المُسيّسة، خلط في حواره بين الكرامة الوطنية والكبرياء الشخصي، حتى بدا وكأنه يرى في نفسه آخر “فراعنة” السياسة المصرية!

فالدرس الأهم الذي كشفه هذا الحوار، أن المشهد السياسي المصري ما زال أسير “صراع الشخصيات” أكثر من كونه معركة أفكار. طنطاوي – مثل كثيرين – يعتقد أن السياسة لعبة “هجوم شخصي” وليس بناءً مؤسسيًا.

لكن المفارقة أن هذا النمط من السياسة هو نفسه ما تمارسه السلطة ببراعة! فكلاهما – النظام ومعارضوه – يغذيان نفس الدائرة، تحويل الخلاف السياسي إلى حرب شخوص، حتى يصبح السجن هو البديل الوحيد عن الحوار!

وبنظرة تحليلية عابرة نجد أنا ان الحوار وضعنا أمام سؤال آخر وهو ما الأكثر فاعلية، الإعلام الجاد أم السجن؟؟!

وهنا تكمن المفارقة التاريخية، فالسجن منح طنطاوي تعاطفًا شعبيًا وحوّله إلى “رمز للنضال”.

أما الحوار فكشف تناقضاته وحوّله إلى “مشروع سياسي هش”.

الأمر الذي يثبت أن الإعلام المحترف – ممثلاً في نسمة السعيد – أقدر على محاسبة السياسيين من أقسى السجون! ففضاء النقاش الحر يفرض شروطًا أكثر صرامة من زنازين الدولة.

والسؤال الأهم والأخير هل يمكن إنقاذ طنطاوي من نفسه؟

طنطاوي ليس مجرد “ضحية” للنظام، بل هو أيضًا ضحية أمور أخرى مثل خطابه الشعبي الذي يعتمد على الاستعلاء بدلاً من الإقناع، ورؤيته الذاتية التي تختزل الوطن في مشروع شخصي، وكذلك استعداده الدائم لتحويل المعركة السياسية إلى ساحة للانتقام الشخصي.

لو أراد طنطاوي – أو أي معارض آخر – أن يكون بديلًا حقيقيًا، فعليه أولاً أن يخوض معركة مختلفة، معركة الأفكار بدلاً من معركة الأنا، فمصر لا تحتاج إلى “أبطال” يتصارعون على البقاء، بل إلى سياسيين يبنون مؤسسات تتحمل وزن الوطن فوق أكتاف الجميع.