محمد الجمل يكتب: أحداث لوس أنجلوس.. كيف انطلقت وإلى أين تسير؟

محمد الجمل يكتب: أحداث لوس أنجلوس.. كيف انطلقت وإلى أين تسير؟

منذ أيام قليلة، بدأت المظاهرات في لوس أنجلوس بكاليفورنيا، وهي كبرى الولايات الأمريكية التي تُعتبر مأوى لكثير من المهاجرين، بمن فيهم غير الشرعيين.

قامت هذه المظاهرات للمطالبة بالعدالة والإفراج عمن تم اعتقالهم واحتجازهم من قِبل سلطات الهجرة الفيدرالية.

فقد داهم المسؤولون أماكن عمل هؤلاء المهاجرين وفحصوا أوراقهم الثبوتية، مستخدمين عربات بوليسية مصفحة، وألقوا القبض على كل من لا يحمل أوراقًا رسمية تثبت إقامته الشرعية.

وخلال المظاهرات السلمية، تم اعتقال 21 متظاهرًا على الأقل. وبعد ساعات قليلة، فوجئ المتظاهرون بقوات الأمن المركزي تفرقهم بالقنابل المسيلة للدموع ووسائل أخرى، مما أثار غضبهم وتسبب في تصاعد العنف يومًا بعد يوم.

وفي خطوة نادرة لم تحدث منذ زمن بعيد، استدعى الرئيس الأمريكي قوات الأمن المركزي دون الحصول على موافقة حاكم الولاية أو عمدة مدينة لوس أنجلوس، الأمر الذي قد يؤدي إلى أزمة سياسية واجتماعية، وقد يخلق تصعيدها مشكلة على المستوى القومي.

وعلى مستوى الولاية، نشبت بالفعل أزمة سياسية بين الحاكم والرئيس الأمريكي.

يبدو أن هناك نوعين من المتظاهرين؛ الأول: مواطنون خرجوا للدفاع عن حقوق المهاجرين غير المسجلين، وأهم هذه الحقوق هو عدم التفرقة بين أفراد الأسرة الواحدة، حيث قد يُعتقل الأب أو الأم أو كلاهما، ويُترك أطفالهم دون راعٍ، وهو أمر إنساني بحت. أما النوع الآخر، فهم متظاهرون يثيرون الشغب والفوضى.

وتجدر الإشارة إلى أن استدعاء الرئيس ترامب لقوات الأمن المركزي رغم عدم موافقة حاكم الولاية هو إجراء لم يحدث منذ عام 1960، وكان سببه آنذاك حماية المباني الحكومية الفيدرالية، وليس قمع المتظاهرين.

إن استخدام ترامب للجيش ليقوم بمهام بوليسية هو أمر مرفوض تمامًا من قبل الغالبية العظمى من الشعب الأمريكي، كما أن استدعاءه لقوات المارينز والأمن المركزي ليس له مبرر، ويبدو أنه إجراء ديكتاتوري.

كما أن تهديدات ترامب لجافين نيوسوم، حاكم أكبر ولاية أمريكية، ليس لها مبررات وهي مرفوضة تمامًا، حسبما صرح معظم المسؤولين والمواطنين في كاليفورنيا وعلى المستوى القومي.

ماذا سيحدث في الأيام القادمة؟

قد تتطور الأمور وتؤدي إلى كارثة قومية إذا ما استمر ترامب في تهديداته واستخدم قوات الجيش كقوة بوليسية بالفعل.

ويبقى السؤال الآن: هل سيظل ترامب ثابتًا على رأيه، وهل سيستخدم فعلًا قوات المارينز والأمن المركزي لقمع المتظاهرين؟

هناك أحاديث تدور بين الجمهوريين والبيت الأبيض حول استخدام “قانون التمرد” لتبرير إجراءات ترامب، وهو قانون يسمح للرئيس الأمريكي باستخدام فرق عسكرية للقضاء على أي تمرد في أي ولاية.

ولكن الكثيرين يعتقدون أن ما يحدث الآن ليس تمردًا ولا يبرر استخدام الجيش كقوة بوليسية.

إن مسار الأحداث يعتمد أيضًا على ضبط النفس من جانب المتظاهرين، وعدم إعطاء الفرصة لترامب كي يتخذ من هذه المظاهرات ذريعة لاستخدام “قانون التمرد”.

من الناحية السياسية، قد يعطي تصاعد العنف من جانب المتظاهرين الفرصة لترامب لاستغلال الموقف سياسيًا وتبرير موقفه، لينسب لنفسه الفضل في إعادة الأمن والأمان إلى كاليفورنيا.

وقد يستخدم هذا الحدث لمصلحته السياسية، قائلًا لخصومه الديمقراطيين: “لم تستطيعوا فرض الأمن لولا تدخلي واستخدامي لقانون لم يجرؤ رئيس قبلي على استخدامه في العصر الحديث”.

ويمثل هذا فرصة سياسية أيضًا لأنصار ترامب من الجمهوريين للقول بأن ما يفعله هو تصحيح لأخطاء الديمقراطيين وعجزهم في التعامل مع ملف الهجرة، بل وإيوائهم لبعض المجرمين من المهاجرين، وهو ما قد يكون موقفًا مريحًا لمؤيدي ترامب ومحرجًا للديمقراطيين في الانتخابات القادمة.