الدكتور محمود زايد يتناول في مقالته لـ«الحرية»: تأثير القصف الأمريكي والإسرائيلي على إيران في كردستان

الدكتور محمود زايد يتناول في مقالته لـ«الحرية»: تأثير القصف الأمريكي والإسرائيلي على إيران في كردستان

إن أي قصف أمريكي إسرائيلي محتمل على إيران سيفتح جبهة جديدة من عدم الاستقرار، وحدوث تداعيات خطيرة على المنطقة، لاسيما كردستان ومواطنيها الذين قد يصبحون طرفًا في صراع ليس لهم مصلحة مباشرة فيه، ولا ذنب لهم سوى كون بلادهم تحادد بلادًا يبدو أنها تستلذ بديمومة الصراع العسكري والمذهبي والطائفي.

لقد باتت منطقة الشرق الأوسط على صفيح أشد سخونة وأكثر تأهب بعدما أتاحت الولايات المتحدة لبعثاتها الدبلوماسية والعسكرية وأسرهم مغادرة بغداد والكويت والمنامة ومناطق أخرى، وهو ما يفيد أن صخورًا حادة وصلبة تعوق سير المفاوضات الأمريكية الإيرانية حول برنامج الأخيرة النووي، وهو أمر يحلو لإسرائيل منذ مدة لتوجيه ضربة عسكرية لإيران ومفاعلاتها النووية.

على الجانب الآخر، فإن إيران ليست من الدول الرخوة أو التي تستسلم بسرعة فتستكين لمطالب خصومها بما يضر مصالحها؛ بل هي صاحبة نفس طويل في التفاوض تحت مظلة (شعرة معاوية) مع أنها تحكم بنظام شيعي، وإذا ما اضطرت للمواجهة فإنها تصمد حتى آخر نفس، ورغم أزماتها الداخلية فإن لديها من الأوراق ما تسعى بها لتحقيق أهدافها في الداخل والخارج، ولعل الحرب العراقية الإيرانية ذات الثماني سنوات برهان على ذلك.

وفي حال توجيه ضربة إسرائيلية أمريكية لإيران فلن تسلم المنطقة والعالم من تداعياتها سياسيًّا وأمنيًّا واقتصاديًّا وإقليميًّا بما لا يقل عن تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية. وستكون كردستان من أكثر المناطق تأثرًا إذا قصفت إيران ومليشياتها في العراق مواقع القواعد الأمريكية في كردستان والعراق عمومًا تحت زعمها غير البريء بأن هناك تعاونًا بين الإقليم والقوات المعتدية، وأن مناطقه تستخدم كنقطة انطلاق للهجمات العسكرية، وأنها بمثابة ملاذ آمن للقوات معادية.

من المؤكد أن هذه التطورات الدامية ستحدث زعزعة في وضع إقليم كردستان الآمن والمستقر، لاسيما إذا عدته بغداد ساحة لتصفية الحسابات الدولية، ومن ثم يزداد التوتر الذي لم يهدأ يومًا بسبب عدم احترام بغداد للدستور العراقي بشأن الخلافات على قضايا داخلية، أهمها قانون النفط والغاز، وإشكالية حصة الإقليم في الميزانية الاتحادية، ومشكلة قطع رواتب موظفي إقليم كوردستان التي تستغل سياسيًّا ومذهبيًّا كسلاح عقابي من بغداد لأربيل.

ولا نستبعد أن تستغل تركيا الوضع لتعزيز عملياتها العسكرية ضد حزب العمال الكردستاني (PKK) تحت مظلة ضرورة “أمنها القومي” رغم مبادرة السلام التي طرحها مؤخرًا عبدالله أوجلان، وسيكون بين تركيا وإسرائيل توافقات وترتيبات على التوسع الاحتلالي لهما في بعض المناطق السورية، مما يزيد من القلاقل والصراعات الدموية في المنطقة.

في غضون ذلك سيعاني الأمن المجتمعي والأهلي في كردستان بشكل كبير في حال نزوح المدنيين الكرد، خاصة في المناطق الحدودية مع إيران جراء عمليات القصف العسكري والأعمال العدائية الانتقامية بين الفصائل الكردية والقوات الإيرانية والميليشيات الموالية لها، وسوف تتأثر البيشمركه بتعرضها لضغوط تجنب الاصطفاف مع أي طرف، مما يزيد من تحدياتها الأمنية.

واقتصاديًّا، فإن ضرب إيران سيأثر على حركة التجارة التي يعتمد عليها إقليم كردستان جزئيًا مع إيران، وإن أي إغلاق للحدود أو فرض عقوبات قد يضر بالاقتصاد المحلي لكل من كردستان وإيران. كما ستتراجع حجم الاستثمارات التي قطعت فيها حكومة إقليم كردستان شوطًا كبيرًا؛ فالمناخ غير المستقر قد يثني المستثمرين الأجانب عن العمل في الإقليم، خاصة في قطاع النفط والغاز والسياحة والإعمار.

وإذا لم يكن هناك احتواء سريع للأزمة، فلن تكون المواقف الدولية سوى «طَقّ حَنَك»، أي «جعجعة كلامية» تطالب بضرورة وقف التصعيد والعودة إلى طاولة المفاوضات ولغة الحوار. لكن من ناحية أخرى ستكون كل من الصين وروسيا على أهبة الاستعداد تجاه أي تحركات أو تداعيات تؤثر على مصالحها أو نفوذها، وهو أمر ستعمل كل من الولايات المتحدة وإسرائيل تجنبه إلى أبعد مدى في هذا الوقت.

وإذا لم تكن الضربات محدودة يستمر التوتر والنزاع عبر الحرب بالوكالة، بحيث تتحول كردستان والعراق إلى ساحة لمواجهات عسكرية غير مباشرة بين إيران وحلفائها من جهة، وأمريكا/إسرائيل من جهة أخرى، وربما يشجع ذلك الكرد إلى إعادة تقييم تحالفاتهم الإقليمية والدولية. ويبقى الكرد في وضع لا يحسدون عليه في ظل غياب صوت العقل الإقليمي والدولي.